قرقعة التغيير

روني علي
قد لا تكمن المعضلة في استدراج “الأجندات” للحراك السوري إلى بؤر، حوّلت من خلالها الشعب، وكل الشعب، إلى فئران تجارب على مقصلة إعادة الهيكلة لمعادلة توازنات القوة في المنطقة، بقدر ما تكمن في أن إفرازات هذه الأجندات – وبعيداً عن التعميم – قد حوّلت “الثائر” السوري الذي كان مستعداً للتضحية بروحه في سبيل التغيير والديمقراطية وتحقيقه لكرامته، إلى “منبطح” يرضخ لمشيئة ما يقرر بحقه ويدفعه إلى تهلكات، هي الأكثر وبالاً عليه مما كان يعانيه في السابق وإن كان مكملاً له .. بحيث بات جزءاً من تراكمات الذهنية التي كان يدّعي أو يطمح للانقلاب عليها، وانتقل من مساحة الاشتغال على الهم العام، إلى بيدق في رقعة، تخلق منه بوقاً يصدح بما ينفخ فيه، وبالتالي فقدت حنجرته لجمالية كلمة “لا” للطغيان والاستبداد، ليعوّض عنها، وضمن قوقعته بـ “لا” لكل من لا يتفق والحاضنة التي حولته إلى “مسخ” فاقد الإرادة، وتحقنه بمورفينات الطائفية والفئوية والقومية.
حتى باتت هي الثقافة السائدة في المجتمع، وإحدى مرتكزات “المثقف” السوري نفسه، في مخاطبة الآخرين، لتتمخض وهج “الثورة” عن تجار الدماء والأزمات والحروب، ويتحوّل الشعب هذه المرة إلى دروع بشرية على حلبات التناحر والتصارع والاصطفافات المقيتة.
قد يكون الأمر مفهوماً بالنسبة للغالبية الغالبة التي تسلقت “صهوة الثورة”، وقد تكون لقوة مفاعيل الأجندات وقعها وترجمتها على الأرض، عبر لعب استخباراتية توحي بتناحر الأجندات “فوق الطاولة” دون الكشف عما يتم الترتيب له تحت الطاولة، وعلى رقابنا نحن البيادق وأحصنة طروادة.. لكن الذي ينبغي التوقف عنده هو، كيف لنا أن ننشد التغيير، ولا نمتلك إرادة التغيير في الحواضن التي ندعي بأنها تشكل إحدى أدوات التغيير، لا بل تحول “جنين” الحاضنة نفسه إلى عامل عطالة وعرقلة حتى في وجه من يحاول إنقاذه من مستنقعات الانحدار؟
وفيما لو قرأنا المشهد من زاوية أن الغالبية الغالبة من النخب المتنورة قد أصبحت خارج أسوار البلد، لأسباب ودوافع مختلفة، وأن هامش البيانات “الارتجالية” سلبت عن الرؤى الاستراتيجية – فيما لو وجدت – كافة صلاحياتها وقراءاتها، بحيث أصبحت لها وحدها الكلمة الفصل في إدارة الأزمات، علاوة على قرقعتها ضمن محيطها الموالي، هل لنا أن نقرأ التغيير المنشود على هكذا ركائز ومرتكزات؟!! 
وتبقى الإجابة في عهدة المفاجآت.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…