مرجعية النفاق في الكتابة الكوردية

ابراهيم محمود
النفاق قناع قد يغطّي كامل الجسم وليس الوجه نفسه، واختير الوجه معطىً للنفاق لأنه مكشوف ويتصدر الجسم، وفي مرجعية النفاق، يمكن أن نتعرف على شبكة خطوط تترى صعوداً/ نزولاً، مشرقاً / مغرباً، ليل / نهار، على قدر ما نتلمس من سلبيات كردية تصل إلى مستوى الخزي والمخزي. إنما اللافت هنا هو نفاق الكاتب الكردي ونوعية مرجعيته في الكتابة، كسلطة أخلاقية، إزاء السياسي الكردي الذي يوضع في الواجهة، وربما مقارنة بينهما، تظهِر أحياناً أن ما يقوم به هذا الكاتب وهو مخضرم، وهو في أرذل عمره أو تحولاته وهي ” تهولاته “، وما يقوله تصريحاً وكتابة تقدّمه على السياسي الكردي نفسه.
وجه المفارقة يتمثل في أن السياسي الكردي: الحزبي أولاً ومن يمارس السياسة، يمكن تتبعه، التعرف على أنشطته، على نوعها، وصنفها، وتاريخها ومكانها ومع من، وما يراد منها…الخ، بينما الكاتب، فما أكثر الحالات التي يتنفس فيها الصعداء، متزئبقاً، دون مساءلة، أو يسوّغ لنفسه القيام هذا التصرف أو ذلك، دون أن يعلم أن مجرد اعتباره كاتباً يعني أنه يقيم موقعه في عالم يمكن متابعته فتكون كلماته شهود عيانه عليه، تكون طريقة كتابته، وموضوعاته، وكيفية تناوله لمفاهيم أو موضوعات، كما لو أنه يتفاعل مع وسط اجتماعي، في حشد، أو في ساحة، من خلال بنية العبارة، وهو يصول ويجول في ساحة الكتابة.
أن يختار الكاتب مسلكاً، أسلوباً، عالم تعابير معينة، يعني ذلك أنه يحدد موقعه الثقافي، بقدر ما يظهِر نوعاً من التحزب، أو الممالأة أو التحيز مهما أبدى ذلك الضرب من الصراطية أو اللاطرفية، باعترافه أو دونه، بالعكس من ذلك، إن مجرد حديثه عن أنه كاتب مستقل، أو ليس له أي صلة بأي طرف، يعني جلاء عورته، وكشفه لسر مقيم بين جنبيه.
الكتابة كشافة سر، وهي مثل مبضع الجراح لا أسهل منها كشفاً لخبايا صاحبها، وهو يزعم أنه غير مقيَّد بأي طرف أو ملزم بأي جهة، بما أن كتابته هي التي تعرّفه بالعالم من حوله.
وأن يتحرى أحدنا هذا الكاتب أو ذاك في الوسط الكردي ثقافياً وعلى أعلى مستوى ” ونقولها تجاوزاً “، حتى يلاحظ ما هو جدير بالتثبيت، أي مرجعية النفاق المعتمدة والممدوحة لا بل والمرتجاة والمبتغاة معاً: ما قاله في الأمس، وما يقوله اليوم، عن نفسه وفيها، عن كاتب آخر أو سواه، تجاه هذا الطرف أو ذاك، تجاه موضوع ما أو خلافه، ما يتعلق بشخصيته وموقفه منها، إذ لا أصعب من أن يتناول المرء ذاته بعين الرائي والناقد، ليكون في خانة الإنسان، أي ليكون أكثر خفة روح وتحرراً من غواية النفاق التي يسهل مكاشفتها هنا وهناك.
فأن يزعم أحدهم أنه كان كذا وكذا، ويبرر لنفسه ما يعتبره طبيعياً جدير بالمقاربة السيكولوجية.
هنا لا أتحدث عن الطرق الوعر والشاق والمتعرج للكتابة، عن التحولات التي هي إضافات وتوسعات في عالم الكاتب، وإنما عن سلسلة الطلاقات والزيجات والزنوات النفسية التي يمارسها أو يعيشها الكاتب الكردي بنفسه أو مع غيره أو ضمن ظاهرة تكتلية كتابية تعبيراً عن تحالف ما أسهل النظر فيه وتبين هشاشة اسمه وضحالة عمقه وزيف محتواه لأنه عرضي، كونها انبنت في لحظة اندفاعية، وهي بالتالي تري ما هو مفارق لاسمها: الكتابة.
ربما- في هذا السياق- ما يغفَر للحزبي الكردي أحياناً وقوعه في ” معصيات ” كأن يكذب ويملح كذبه، كأن يراوغ، كأن يدعي العصمة، وكلها من سلالة المرجعية النفاقية بصورة ما أو بأخرى، لأنه يتحرك في ساحة مفتوحة: كبيرة أو صغيرة، أما الكاتب الذي يتدرب بداية على كيفية تغيير ليس جلده أفعوياً، وهذه خاصية صحية، وإنما لونه ومحتواه النفسي وقِبلته، بدعوى أنه كاتب ولا يدين إلا لنفسه، باحثاً عن نجومية، وعن جماهيرية خاصة ينافس بها الحزبي نفسه، فهنا يكون قد أكَّد مدى وحامه النفسي نفاقياً، وتحلله من كل أخلاقية تاريخية، كما لو أن الزمن هو الذي يتبعه وليس هو الذي يتحرك في إهاب الزمن ويحاسب بمنطقه الخاص والذي لا بد أن يكون ذات يوم كاشفاً عن الكم الهائل لأقنعة نفاقه، ومسوخه من الداخل.
*-ملاحظة، أدين بمستصغر شرر فكرة هذا المقال لصديق مقرّب، لا بد أنه سيعلم بذلك عند قراءته.
دهوك
في 21-6-2017

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…