تنزلق منطقة الشرق الأوسط نحو مخاطر أكثر جدية, تهدّد ما فيها من دول وشعوب, في ظل ما تشهده بؤر التوتر من تصعيد, حيث دخل الوضع الفلسطيني مرحلة معقدة, بات معها التقسيم الجغرافي والسياسي وتقاسم السلطة أمراً واقعاً إثر سيطرة حركة حماس على قطاع غزة , تلك السيطرة التي يعتبرها المراقبون على أنها لم تكن فقط انقلاباً على شرعية السلطة الفلسطينية
بل أنها جاءت كذلك ارتداداً على اتفاق مكة الذي رعته السعودية في محاولة لإبعاد حماس عن نفوذ طهران المتهمة بدعم الانقلاب المذكور في إطار جمع نقاط المواجهة مع الادارة الامريكية واسرائيل ومع دول الاعتدال العربي، التي تداعت مؤخراَ في شرم الشيخ لدعم سلطة الرئيس الفلسطيني محمود عباس ..لكن من جهة أخرى، فإن حركة حماس وضعت نفسها، بهذا الانقلاب، في وضع محاصر بين إسرائيل التي تسعى لاستثمار ما حدث في غزة لتحجيم هذه الحركة، والتهرب من استحقاقات السلام، وبين مصر التي ترى أن هذا الانقلاب يمس الأمن القومي المصري، نظراً للعلاقة الوثيقة التي تربط حماس بجماعة الأخوان المسلمين فيها , ويضع القضية الفلسطينية، بالتالي، في مواجهة مخاطر التصفية , حيث تنتعش الآن مشاريع ضم الضفة الغربية إلى الأردن في إطار الكونفيدرالية الهاشمية , وضم قطاع غزة لمصر، مثلما كانت قبل عام 1967,ويضع كذلك حماس أمام خيارين: الأول إعادة الاحتلال الإسرائيلي للقطاع، خاصة بعد أن استلم باراك وزارة الدفاع حيث ينتظر فرصة إحراز انتصار عسكري ليحقق به حلمه في رئاسة الحكومة الإسرائيلية بعد الانتخابات المقبلة , والخيار الثاني هو قبول حماس بهدنة طويلة مع إسرائيل على حساب نهجها المتمسك بالمقاومة ..
ورغم أن كل الخيارات تظل مفتوحة الآن في غزة , إلا أن الشعب الفلسطيني بشكل عام، وفي القطاع بشكل خاص، سوف تزداد معاناته في الأمد القريب في مرحلة انتظار نتائج الصراع، الذي لا تقتصر ساحته على فلسطين، إنما قد يتسع ليمتد إلى مناطق عديدة , ومنها لبنان الذي يخشي أن تتكرر فيه تجربة غزة على نحو آخر ,وذلك على ضوء التطورات الأخيرة التي شهدتها الساحة اللبنانية، التي يريد لها رعاة الإرهاب أن تظل ساحة للصراعات ومحطة لاستدراج العروض والصفقات الإقليمية والدولية ,وتتلخص أزمة هذا البلد في (المحكمة الدولية والحكومة الوطنية)، وعلى هذا الأساس يمكن تفسير ما يشهدها لبنان من مؤامرة فتح الإسلام في مخيم نهر البارد ومنطقة طرابلس وتفجيرات بيروت والاعتداء على قوات الامم المتحدة في الجنوب , بأنها تأتي في إطار مساعي إلغاء تلك المحكمة , خاصة بعد أن فشلت كل المحاولات في هذا الشأن حتى الآن ,بما فيها إقفال مجلس النواب أمام إقرارها ,وكذلك اعتصامات وسط بيروت أمام إصرار الأكثرية التي تمكّنت من استصدار قرار من مجلس الآمن بموجب البند السابع .ورغم الجهود الرامية الآن لإعادة الحوار بين طرفي الصراع في لبنان , وخاصة المبادرة الفرنسية التي رسمت في سياق حوار ثلاثي بين السعودية وإيران وفرنسا من أجل منع انزلاق الوضع اللبناني نحو الانفجار الداخلي , فان الحقيقة المؤلمة التي يدركها اللبنانيون هي أن الأمور تدخل مرحلة أكثر صعوبة الآن ,و سوف تحدد التسويات الإقليمية مصيرها , وان أكثر ما يخشى عليه في المستقبل القريب هو لجوء المعارضة إلى انقلاب مشابه لما حصل في غزة , قد يأخذ شكلاً مباشراً من خلال محاولة السيطرة على السراي الحكومي , أو إعلان حكومة ثانية موازية مع انتهاء فترة الرئيس أميل لحود, لتصبح في لبنان حكومتان تفتح الأبواب أمام حرب أهلية ..
لكن الدعم العربي والدولي واللبناني لحكومة السنيورة ووقوف المجتمع الدولي والجامعة العربية مع الشرعية اللبنانية , وفشل المراهنة على تغيير في السياسة الفرنسية بعد شيراك تجاه لبنان , وعلى(إن أمريكا منهمكة حاليا في العراق وقد تساوم بهذه الحالة على لبنان , وان العرب سيتراجعون أمام خطر الفوضى التي تهدد بها الأطراف), وكذلك فإن إشراف العملية العسكرية ضد فتح الإسلام على نهايتها , وخوف حزب الله من اللعب بالنار الأصولية السنية وارتداداتها على التكوين الشيعي ,جميعها قد تصب باتجاه نوع من التسوية بدلاً من التصعيد الذي تهدد به بعض القوة الإقليمية ومنها سوريا التي يعاني النظام فيها من عزلة اقليمية ودولية قد تتفاقم أكثر بعد إقرار المحكمة ذات الطابع الدولي، مما يدفع النظام نحو أحد خيارين, إما التحرك نحو توقيع الصلح مع إسرائيل، بعد أن جرى التمهيد له عبر مفاوضات غير رسمية , أو تصعيد المواجهة من خلال نفوذه وعلاقاته مع أكثر من طرف في لبنان وفلسطين والعراق , والمساومة على أوراقه الاقليمية من أجل فك العزلة واستعادة الدور السوري في لبنان، ويراهن في هذا الموضوع على حساسية الوضع العراقي، وعلى حاجة إدارة بوش لحفظ ماء الوجه ،وعلى احتمال الاستعانة بالنفوذ السوري باتجاه العمل على ضبط الأمن والحدود مع العراق والتهدئة في لبنان والتعاون لتليين موقف حماس, مثلما تلجا تلك الإدارة الآن إلى مثيله الإيراني من خلال جلسات الحوار الأخيرة في بغداد , والتي عبّر مجرّد انعقادها عن إقرار أمريكي بوجود مصالح إيرانية يجب مراعاتها وعن حاجة إدارة بوش إلى دور ايجابي من جا نب إيران لتوفير الاستقرار في العراق , مثلما عبّر عن حاجة إيران إلى دعم سياسي أمريكي يتعلق بملفها النووي ,خاصة بعد أن وصلت واشنطن إلى قناعة بأنها لا تستطيع مواجهة الإرهاب المدعوم من الوسط السني ومن الفصائل الشيعية المسلحة المدعومة من إيران في وقت واحد , وان استمرار هذا الوضع المتردي امنياً سيفقد الإدارة الأمريكية هيبتها الدولية وشعبيتها الداخلية، في حين ترى إيران في هذا الحوار فرصة لتحقيق بعض أهدافها، من خلال الاستفادة من التعثر الأمريكي، للتغطية على ملفها النووي، وتحقيق المصالح المشتركة للطرفين التي تأتي في مقدمتها المحافظة على الحكومة الحالية المهدّدة بالتغيير ومحاربة تنظيم القاعدة… أمام هذا الواقع , فان الادارة الامريكية التي يداهمها الوقت حيث تقترب الفترة الرئاسية الثانية للرئيس بوش من نهايتها ,لا تجد أمامها سوى أحد الخيارين: أما القبول بشراكة مع إيران لتقاسم النفوذ والمصالح، أو اللجوء للحسم العسكري..
ورغم تكافؤ فرص الاحتمالين، فإن الخيار العسكري لا يزال يطرح نفسه في ظل اقتراب قطع الأسطول البحري الأمريكي من السواحل الإيرانية , مما يهدد بتداعيات عميقة، تتخوف منها وتتحسب لها العديد من دول المنطقة ومنها تركيا,التي لا تخفي اعتراضها على أي حل عسكري للملف النووي الإيراني، وكانت قد عرضت قبل ستة أشهر وساطتها بين الولايات المتحدة وإيران بشأن هذا الموضوع , وأعلنت بنفس الوقت عن معارضتها لأي هجوم عسكري على إيران أو فرض عقوبات اقتصادية عليها , ويعود سبب اهتمامها باستقرار الأوضاع في إيران إلى عدة عوامل منها الخوف من انهيار أو ضعف الدولة الإيرانية، الذي لا يفيد سوى الأكراد، حسب رأيها , مما ينعكس على الوضع الكردي في كردستان تركيا، إضافة إلى خوف تركيا من اتساع دائرة الإرهاب الذي قد يهدّد الداخل التركي أيضا ،كما يعتقد الأتراك بان أي هجوم من هذا النوع قد يدفع بطهران لإعادة علاقاتها مع حزب العمال الكردستاني، الذي تتخذ تركيا الآن من وجود قواعده الخلفية في كردستان العراق مادة للابتزاز والضغط على حكومة الإقليم , حيث صرح رئيس أركان الجيش التركي قبل أيام بان التوغل العسكري التركي أصبح ضرورياً ينتظر القرار الحكومي للقضاء على التواجد المسلح لمقاتلي pkk..
ومن الأمور الملفتة الانتباه إن تلك التهديدات تلقى التشجيع من قبل نظام طهران , لأن من شأن أي عدوان عسكري تركي برأي هذا النظام , إلحاق الضرر بالعلاقات الاستراتيجية بين أنقرة وواشنطن ,كما يؤزم التوتر بين حكومة إقليم كردستان وتركيا , وكذلك يعمّق التورط الأمريكي في العراق ويوسع دائرة انشغاله..
لكن , وبسبب صلابة الموقف الكردي الرافض لأي ابتزاز يتعلق بموضوع كركوك التي تضغط تركيا من أجل تأجيل الاستفتاء فيها , وإلغاء المادة 140 من الدستور العراقي للحيلولة دون إقرار هويتها الكردستانية ,وكذلك بسبب الاعتراض الأمريكي على أي توغل تركي , فان تلك التهديدات لا يمكن لها أن تفسّر سوى بعمق الأزمة السياسية في تركيا مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية المبكرة، مثلما تعبّر عن النقاش الدائر حول طريقة انتخاب رئيس الجمهورية , وعن تفاقم الخلاف بين المؤسستين السياسية والعسكرية , وعن محاولات العسكر لإرباك حكومة العدالة والتنمية وإبرازها بصورة الضعيف المتردد في مواجهة الخطر الكردي المزعوم .
في المجال الداخلي , يبدو واضحاً إن المناخ السياسي العام السائد في المنطقة , والذي يتصف بالتوتر وبتقدم أوليات الأمن وتوفير الاستقرار على الخيار الديمقراطي , ينعكس على الداخل السوري بمزيد من تجاهل السلطة لمطالبات الإصلاح والتغيير، وانشغالها المحموم بالترتيبات الاقليمية التي لا تزال –أي السلطة –تتوهم إمكانية إعادة صياغتها لتتطابق مع مصالحها , وذلك في ظل تعثّر السياسة الأمريكية، وعدم قدرتها، حتى الآن، على تسويق النموذج الديمقراطي الموعود في العراق رغم أهميته , كتجربة ناجحة للتغيير في المنطقة بسبب الإرهاب المدعوم إقليمياً , وكذلك عدم نجاح محاولات التغيير عبر الانتخابات الديمقراطية في أكثر من بلد عربي ,وذلك بعد أن نالت التيارات الإسلامية حصصاً هامة في كل من الأراضي الفلسطينية ولبنان والبحرين والكويت واليمن , وحتى في مصر التي حصلت فيها جماعة الأخوان المسلمين على عدد كبير من مقاعد البرلمان , مما تسبب في تراجع عزيمة التغيير ,وإعادة الأولوية للاستقرار الذي تتهدده الجماعات التكفيرية , ليشكل هذا وذاك , مادة دعائية تستثمرها السلطة السورية للكلام عن خصخصة الديمقراطية وعن الفوضة البديلة، وفي تشويه سمعة مشاريع الإصلاح السياسي، وإرهاب الجماهير وتضليلها وإطلاق الممارسات الأمنية وتشديد قبضتها، والإيعاز للقضاء المدني والاستثنائي لإطلاق أحكام جائرة بحق أصحاب الرأي والمدافعين عن حقوق الإنسان ,لتأخذ تلك الممارسات في المناطق الكردية إشكالاً إضافية تمتزج بسياسة التمييز القومي المنتهجة بحق الشعب الكردي , الذي لا يزال يعاني من النتائج المترتبة على تطبيق المشاريع العنصرية مثل الإحصاء الاستثنائي الذي لا تبدو في الأفق أية بوادر لإنهاء معانات ضحاياه , والحزام العربي الذي تستكمل حلقاته الآن بتوزيع ما تبقى من أراضي ما كانت تسمى بمزارع الدولة على الفلاحين العرب المتضررين من سد الخابور جنوب الحسكة ومن توسيع محمية جبل عبد العزيز , علماً أن هؤلاء الفلاحين نالوا حقوقهم من التعويض المادي , في حين لا يزال الآلاف من الفلاحين الأكراد الذين يسكنون نفس القرى المشمولة بتلك المزارع او في جوارها , محرومين من الأراضي الزراعية، بموجب تطبيقات هذا المشروع الذي تفوح منه رائحة العنصرية , ويشعر المواطنين الكرد بمرارة سياسة التمييز، ويخلق لديهم شعوراً عميقاً بالاغتراب، مما يتسبب في تفاقم حالة الاحتقان في المناطق الكردية نتيجة لهذه السياسة الشوفينية التي تتضافر مع غياب الحريات العامة واستمرار حالة الطوارئ في إلغاء الحياة السياسية، وانعدام الجدوى من المشاركة في العمليات الانتخابية , بما فيها مقاطعة الانتخابات القادمة للإدارة المحلية، والتي رغم أهمية دورها المفترض لإشراك المواطنين في إدارة شؤون مناطقهم وتوفير الخدمات الضرورية لها , فان القوانين التي تنظمها وهيمنة سياسة الحزب الواحد على آلياتها وقراراتها تفرغها من مضمونها، وتجعل منها مؤسسات تابعة للسلطة، بدل كونها إدارات ذاتية لخدمة المواطنين.
30 / 6 / 2007
اللجنة السياسية
لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا ” يكيتي “
ورغم أن كل الخيارات تظل مفتوحة الآن في غزة , إلا أن الشعب الفلسطيني بشكل عام، وفي القطاع بشكل خاص، سوف تزداد معاناته في الأمد القريب في مرحلة انتظار نتائج الصراع، الذي لا تقتصر ساحته على فلسطين، إنما قد يتسع ليمتد إلى مناطق عديدة , ومنها لبنان الذي يخشي أن تتكرر فيه تجربة غزة على نحو آخر ,وذلك على ضوء التطورات الأخيرة التي شهدتها الساحة اللبنانية، التي يريد لها رعاة الإرهاب أن تظل ساحة للصراعات ومحطة لاستدراج العروض والصفقات الإقليمية والدولية ,وتتلخص أزمة هذا البلد في (المحكمة الدولية والحكومة الوطنية)، وعلى هذا الأساس يمكن تفسير ما يشهدها لبنان من مؤامرة فتح الإسلام في مخيم نهر البارد ومنطقة طرابلس وتفجيرات بيروت والاعتداء على قوات الامم المتحدة في الجنوب , بأنها تأتي في إطار مساعي إلغاء تلك المحكمة , خاصة بعد أن فشلت كل المحاولات في هذا الشأن حتى الآن ,بما فيها إقفال مجلس النواب أمام إقرارها ,وكذلك اعتصامات وسط بيروت أمام إصرار الأكثرية التي تمكّنت من استصدار قرار من مجلس الآمن بموجب البند السابع .ورغم الجهود الرامية الآن لإعادة الحوار بين طرفي الصراع في لبنان , وخاصة المبادرة الفرنسية التي رسمت في سياق حوار ثلاثي بين السعودية وإيران وفرنسا من أجل منع انزلاق الوضع اللبناني نحو الانفجار الداخلي , فان الحقيقة المؤلمة التي يدركها اللبنانيون هي أن الأمور تدخل مرحلة أكثر صعوبة الآن ,و سوف تحدد التسويات الإقليمية مصيرها , وان أكثر ما يخشى عليه في المستقبل القريب هو لجوء المعارضة إلى انقلاب مشابه لما حصل في غزة , قد يأخذ شكلاً مباشراً من خلال محاولة السيطرة على السراي الحكومي , أو إعلان حكومة ثانية موازية مع انتهاء فترة الرئيس أميل لحود, لتصبح في لبنان حكومتان تفتح الأبواب أمام حرب أهلية ..
لكن الدعم العربي والدولي واللبناني لحكومة السنيورة ووقوف المجتمع الدولي والجامعة العربية مع الشرعية اللبنانية , وفشل المراهنة على تغيير في السياسة الفرنسية بعد شيراك تجاه لبنان , وعلى(إن أمريكا منهمكة حاليا في العراق وقد تساوم بهذه الحالة على لبنان , وان العرب سيتراجعون أمام خطر الفوضى التي تهدد بها الأطراف), وكذلك فإن إشراف العملية العسكرية ضد فتح الإسلام على نهايتها , وخوف حزب الله من اللعب بالنار الأصولية السنية وارتداداتها على التكوين الشيعي ,جميعها قد تصب باتجاه نوع من التسوية بدلاً من التصعيد الذي تهدد به بعض القوة الإقليمية ومنها سوريا التي يعاني النظام فيها من عزلة اقليمية ودولية قد تتفاقم أكثر بعد إقرار المحكمة ذات الطابع الدولي، مما يدفع النظام نحو أحد خيارين, إما التحرك نحو توقيع الصلح مع إسرائيل، بعد أن جرى التمهيد له عبر مفاوضات غير رسمية , أو تصعيد المواجهة من خلال نفوذه وعلاقاته مع أكثر من طرف في لبنان وفلسطين والعراق , والمساومة على أوراقه الاقليمية من أجل فك العزلة واستعادة الدور السوري في لبنان، ويراهن في هذا الموضوع على حساسية الوضع العراقي، وعلى حاجة إدارة بوش لحفظ ماء الوجه ،وعلى احتمال الاستعانة بالنفوذ السوري باتجاه العمل على ضبط الأمن والحدود مع العراق والتهدئة في لبنان والتعاون لتليين موقف حماس, مثلما تلجا تلك الإدارة الآن إلى مثيله الإيراني من خلال جلسات الحوار الأخيرة في بغداد , والتي عبّر مجرّد انعقادها عن إقرار أمريكي بوجود مصالح إيرانية يجب مراعاتها وعن حاجة إدارة بوش إلى دور ايجابي من جا نب إيران لتوفير الاستقرار في العراق , مثلما عبّر عن حاجة إيران إلى دعم سياسي أمريكي يتعلق بملفها النووي ,خاصة بعد أن وصلت واشنطن إلى قناعة بأنها لا تستطيع مواجهة الإرهاب المدعوم من الوسط السني ومن الفصائل الشيعية المسلحة المدعومة من إيران في وقت واحد , وان استمرار هذا الوضع المتردي امنياً سيفقد الإدارة الأمريكية هيبتها الدولية وشعبيتها الداخلية، في حين ترى إيران في هذا الحوار فرصة لتحقيق بعض أهدافها، من خلال الاستفادة من التعثر الأمريكي، للتغطية على ملفها النووي، وتحقيق المصالح المشتركة للطرفين التي تأتي في مقدمتها المحافظة على الحكومة الحالية المهدّدة بالتغيير ومحاربة تنظيم القاعدة… أمام هذا الواقع , فان الادارة الامريكية التي يداهمها الوقت حيث تقترب الفترة الرئاسية الثانية للرئيس بوش من نهايتها ,لا تجد أمامها سوى أحد الخيارين: أما القبول بشراكة مع إيران لتقاسم النفوذ والمصالح، أو اللجوء للحسم العسكري..
ورغم تكافؤ فرص الاحتمالين، فإن الخيار العسكري لا يزال يطرح نفسه في ظل اقتراب قطع الأسطول البحري الأمريكي من السواحل الإيرانية , مما يهدد بتداعيات عميقة، تتخوف منها وتتحسب لها العديد من دول المنطقة ومنها تركيا,التي لا تخفي اعتراضها على أي حل عسكري للملف النووي الإيراني، وكانت قد عرضت قبل ستة أشهر وساطتها بين الولايات المتحدة وإيران بشأن هذا الموضوع , وأعلنت بنفس الوقت عن معارضتها لأي هجوم عسكري على إيران أو فرض عقوبات اقتصادية عليها , ويعود سبب اهتمامها باستقرار الأوضاع في إيران إلى عدة عوامل منها الخوف من انهيار أو ضعف الدولة الإيرانية، الذي لا يفيد سوى الأكراد، حسب رأيها , مما ينعكس على الوضع الكردي في كردستان تركيا، إضافة إلى خوف تركيا من اتساع دائرة الإرهاب الذي قد يهدّد الداخل التركي أيضا ،كما يعتقد الأتراك بان أي هجوم من هذا النوع قد يدفع بطهران لإعادة علاقاتها مع حزب العمال الكردستاني، الذي تتخذ تركيا الآن من وجود قواعده الخلفية في كردستان العراق مادة للابتزاز والضغط على حكومة الإقليم , حيث صرح رئيس أركان الجيش التركي قبل أيام بان التوغل العسكري التركي أصبح ضرورياً ينتظر القرار الحكومي للقضاء على التواجد المسلح لمقاتلي pkk..
ومن الأمور الملفتة الانتباه إن تلك التهديدات تلقى التشجيع من قبل نظام طهران , لأن من شأن أي عدوان عسكري تركي برأي هذا النظام , إلحاق الضرر بالعلاقات الاستراتيجية بين أنقرة وواشنطن ,كما يؤزم التوتر بين حكومة إقليم كردستان وتركيا , وكذلك يعمّق التورط الأمريكي في العراق ويوسع دائرة انشغاله..
لكن , وبسبب صلابة الموقف الكردي الرافض لأي ابتزاز يتعلق بموضوع كركوك التي تضغط تركيا من أجل تأجيل الاستفتاء فيها , وإلغاء المادة 140 من الدستور العراقي للحيلولة دون إقرار هويتها الكردستانية ,وكذلك بسبب الاعتراض الأمريكي على أي توغل تركي , فان تلك التهديدات لا يمكن لها أن تفسّر سوى بعمق الأزمة السياسية في تركيا مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية المبكرة، مثلما تعبّر عن النقاش الدائر حول طريقة انتخاب رئيس الجمهورية , وعن تفاقم الخلاف بين المؤسستين السياسية والعسكرية , وعن محاولات العسكر لإرباك حكومة العدالة والتنمية وإبرازها بصورة الضعيف المتردد في مواجهة الخطر الكردي المزعوم .
في المجال الداخلي , يبدو واضحاً إن المناخ السياسي العام السائد في المنطقة , والذي يتصف بالتوتر وبتقدم أوليات الأمن وتوفير الاستقرار على الخيار الديمقراطي , ينعكس على الداخل السوري بمزيد من تجاهل السلطة لمطالبات الإصلاح والتغيير، وانشغالها المحموم بالترتيبات الاقليمية التي لا تزال –أي السلطة –تتوهم إمكانية إعادة صياغتها لتتطابق مع مصالحها , وذلك في ظل تعثّر السياسة الأمريكية، وعدم قدرتها، حتى الآن، على تسويق النموذج الديمقراطي الموعود في العراق رغم أهميته , كتجربة ناجحة للتغيير في المنطقة بسبب الإرهاب المدعوم إقليمياً , وكذلك عدم نجاح محاولات التغيير عبر الانتخابات الديمقراطية في أكثر من بلد عربي ,وذلك بعد أن نالت التيارات الإسلامية حصصاً هامة في كل من الأراضي الفلسطينية ولبنان والبحرين والكويت واليمن , وحتى في مصر التي حصلت فيها جماعة الأخوان المسلمين على عدد كبير من مقاعد البرلمان , مما تسبب في تراجع عزيمة التغيير ,وإعادة الأولوية للاستقرار الذي تتهدده الجماعات التكفيرية , ليشكل هذا وذاك , مادة دعائية تستثمرها السلطة السورية للكلام عن خصخصة الديمقراطية وعن الفوضة البديلة، وفي تشويه سمعة مشاريع الإصلاح السياسي، وإرهاب الجماهير وتضليلها وإطلاق الممارسات الأمنية وتشديد قبضتها، والإيعاز للقضاء المدني والاستثنائي لإطلاق أحكام جائرة بحق أصحاب الرأي والمدافعين عن حقوق الإنسان ,لتأخذ تلك الممارسات في المناطق الكردية إشكالاً إضافية تمتزج بسياسة التمييز القومي المنتهجة بحق الشعب الكردي , الذي لا يزال يعاني من النتائج المترتبة على تطبيق المشاريع العنصرية مثل الإحصاء الاستثنائي الذي لا تبدو في الأفق أية بوادر لإنهاء معانات ضحاياه , والحزام العربي الذي تستكمل حلقاته الآن بتوزيع ما تبقى من أراضي ما كانت تسمى بمزارع الدولة على الفلاحين العرب المتضررين من سد الخابور جنوب الحسكة ومن توسيع محمية جبل عبد العزيز , علماً أن هؤلاء الفلاحين نالوا حقوقهم من التعويض المادي , في حين لا يزال الآلاف من الفلاحين الأكراد الذين يسكنون نفس القرى المشمولة بتلك المزارع او في جوارها , محرومين من الأراضي الزراعية، بموجب تطبيقات هذا المشروع الذي تفوح منه رائحة العنصرية , ويشعر المواطنين الكرد بمرارة سياسة التمييز، ويخلق لديهم شعوراً عميقاً بالاغتراب، مما يتسبب في تفاقم حالة الاحتقان في المناطق الكردية نتيجة لهذه السياسة الشوفينية التي تتضافر مع غياب الحريات العامة واستمرار حالة الطوارئ في إلغاء الحياة السياسية، وانعدام الجدوى من المشاركة في العمليات الانتخابية , بما فيها مقاطعة الانتخابات القادمة للإدارة المحلية، والتي رغم أهمية دورها المفترض لإشراك المواطنين في إدارة شؤون مناطقهم وتوفير الخدمات الضرورية لها , فان القوانين التي تنظمها وهيمنة سياسة الحزب الواحد على آلياتها وقراراتها تفرغها من مضمونها، وتجعل منها مؤسسات تابعة للسلطة، بدل كونها إدارات ذاتية لخدمة المواطنين.
30 / 6 / 2007
اللجنة السياسية
لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا ” يكيتي “