تلك العبارة؛ “لا تصنعوا الديكتاتوريين” قالها الرئيس مسعود بارزاني من ما قاله في الخطاب الذي ألقاه في جامعة دهوك في إقليم كوردستان (العراق) خلال جولته وزيارته للمدينة منذ أيامٍ قلائل وذلك عندما طالبت إحدى الأستاذات بمنح سيادته شهادة دكتوراه فخرية في التاريخ نظراً لمساهماته وكتاباته في ذاك الجانب المعرفي – الثقافي
ثم أردف قائلاً: “أرجو أن لا نستورد ثقافة الآخرين؛ في تمجيد الشخصيات والزعامات، فلا تساهموا في صناعة الديكتاتوريين” وبشكلٍ أدق قال: “لا تصنعوا الديكتاتوريين”.
إن السلوك السابق ليس بغريب على الرئيس مسعود بارزاني؛ فهو المعروف بصدقه وإخلاصه وتفانيه في خدمة قضايا وطنه وشعبه وكذلك بأخلاقه السمحة والنبيلة وتواضعه لدرجةٍ تشعر أنه يخجل في حديثه مع الآخر مهما كان شأن الآخر ومكانته (درجته) وعمره؛ كبيراً كان أو صغيراً.
ولكن لنا الحق، وكذلك الواجب يفرض علينا، أن نتساءل: إلى متى سوف يصمد مسعود بارزاني أمام هكذا مغريات وسلوكيات وشخصيات هلامية (ماسحةً للجوخ) كما يقال في المثل الشعبي ومن دون أن ينزلق مع التيار التمجيدي – التصفيقي، بل تيار الصفاقة والكذب والدجل والرقص على الحبال وحين الطلب، فاليوم باتت البارزانية وتمجيد الزعيم الراحل مصطفى بارزاني وتاريخه ونضاله، بل تمجيد العائلة البارزانية الشغل الشاغل للكثيرين من الوصوليين والانتهازيين وطالبي الارتزاق والكسب السريع.
نعم..
في ظل هذه الأجواء والمناخات السياسية الموبوءة، جديرٌ للمرء أن يخاف على سلوك هذا الزعيم والقائد أو ذاك من الانحراف عن الخط السياسي السليم والديمقراطي باتجاه مسألة التفرد والهيمنة والديكتاتورية، وإن ما نعيشه وعايشناه من أنظمة الاستبداد في هذه الجغرافية الشرق أوسطية إلا نتيجةً لهكذا سلوك وممارسات بعد أن كانت بداياتها؛ أي بداية تلك الحركات والشخصيات تعرف على أنها حركات تحرر وطني قاومت الاستعمار في سبيل نيل حقوق شعوبها ومن ثم انحرفت عن مسارها الوطني التحرري ذاك نحو دول قمعية قطيعية مستبدة وتحكم شعوبها من خلال العسس والأجهزة الأمنية وأذرعها.
ولكن وقبل هذا وذاك ولكي نقطع الطريق على هكذا قضايا ومسائل وأن لا نترك المصير؛ مصير العباد والبلاد خاضعاً لمزاجية وطبائع وسلوكيات هذا الزعيم والقائد أو ذاك وبالتالي أن نكون “على كف عفريت”؛ حيث بصلاح القائد تصلح البلاد وبفساده تفسد وهكذا نبقى ضمن دائرة القبيلة والعشيرة القّيمي المعرفي في إدارة بلداننا ودولنا، ما علينا إلا أن نرتقي بأدائنا الوظيفي المؤسساتي إلى المستويات المدنية القانونية بحيث تكون تلك المؤسسات أو السلطات الثلاث الرئيسية؛ من تشريعية (البرلمان) وقضائية وتنفيذية، بالإضافة إلى العقد الاجتماعي المتفق عليه، هي الضمان والكفيل لمستقبل البلاد ولحقوق الشعوب التي تتعايش ضمن جغرافية ذاك البلد، وليس أخلاق وسجايا الزعيم والقائد (الملهم والتاريخي)؛ حيث مهما كان القائد ذو سجايا وأخلاق نبيلة وحميدة وكانت هناك أجواء تدفعه إلى حالة الاستبداد والتفرد بالزعامة فلا بد أن ينزلق إلى تلك (الرذيلة) فالإنسان بطبعه يطمح إلى الزعامة الفردية وذلك نتيجة للحالة الحضارية – الثقافية والتربوية التي نشأنا عليها؛ حيث الرب والإله كرمز كوني معرفي هو الأعلى قيّمياً وهو الواحد الأحد والكل يحاول أن يجسد الحالة تلك في شخصه وسلوكه وممارسته مع الآخر وما انشقاقات الحركة الوطنية الكوردية وتصدعاته في هذا الإقليم الجغرافي من كوردستان وكذلك في الأقاليم الأخرى إلا شاهداً ونتيجةً لتلك البنية العقلية المعرفية.
ولذلك وحباً لشخصية الرئيس مسعود بارزاني وخوفاً عليه، بل كل الخوف على إقليم كوردستان والقضية الكوردية ومؤسساتها من أن تنحرف مستقبلاً عن مسار الدولة المدنية الديمقراطية المؤسساتية والانزلاق إلى الحالة الشرق أوسطية وما نراه من حال بلداننا في هذا العالم الثالث المحكوم بالتخلف والتزلف والقمع والاستبداد والجهل والمرض والعنف والإرهاب وسفك دماء القرابين على مذابح الأسياد والقادة والجلادين و..
نقول لأولئك كفاكم النفخ في هذا القرب والبوق وكفى تمجيداً وتعظيماً لهذا القائد ولذاك الزعيم؛ حيث مهما علا شأن ذاك القائد فلن يطول قامته قامة قضية بلده.
ولكن أليس الأجدى بنا هنا وبدل أن نقول كفى لهؤلاء ونعلم جيداً إن ذاك النداء لن يجد صداه لدى هؤلاء ممن يطمحون إلى التقرب من السلطان والسلطة لكسب رضاها ودنانيرها وبالتالي المزيد من (مسح الجوخ والكتان) وكل أنواع الأنسجة الأخرى وحتى إن كان “الملك عارٍ” تماماً ومن دون كسوةٍ وأقمشة.
نعم..
أليس الأجدى، وبدل الكلام والقول ذاك، أن نقوي المؤسسات الحكومية والمدنية وذلك من برلمان وقضاء وأيضاً الأحزاب والجمعيات والمنظمات الحقوقية بحيث هي تكفل القانون والدستور وتقوِّم سلوك الجميع وبحيث يكون القانون هو سيد الأحكام ويعلو فوق الجميع ولا من مرؤوس أو رئيس يكون له (الحق) والقدرة على تجاوزه وهكذا نقطع الطريق على الجميع من أن يعتبر نفسه فوق المساءلة القانونية وأولهم الرئيس مسعود بارزاني رغم تقديرنا ومحبتنا له ولجهوده في خدمة قضايا بلده وشعبه.
ملاحظة: وبصدد قضية (الديكتاتور أو الدكتور والكرسي) أقولها صراحةً للأخ محمد سعيد آلوجي (وها إنني أقولها بصيغة المفرد لنفسي ولكي لا تنفعلوا مجدداً وذلك كونكم قد أبديتم امتعاضكم من استخدامي صيغة الجمع لنفسي والمفرد لشخصكم الكريم وإنني أعتذر لكم عن ذلك فلم يكن القصد هو التقليل أو التصغير لكم؛ حيث الكبير لا تصغِّره الألقاب والضمائر) نعم..
أقول بأنني لن أكون من أتباع هذا الزعيم أو ذاك كما أردتم (صيغة الجمع للأخ محمد سعيد) أن تلمحوا إليه من خلال مقالكم “عنوان غير موفق لقراءة خاطئة” ونقول – واسمحوا لنا هنا بأن نخاطبكم بصيغة الجمع والمجموع وباسم كل الذين يعملون في سبيل نهج البارتي وخدمة لتقويته من أجل قضايانا المصيرية وليس حباً في الظهور أو كما أدعيتم بأن لدينا “عقدة من عقد التضخم في الشخصية أن يبقى يتكلم عن نفسه جمعاً وعن الآخرين كفرد” – نعم، نود أن نقول كلمة أخيرة: كم أحزننا أن نرى أسلوبكم في الكتابة في آخر مقالاتكم وأنتم تحاولون بشتى الوسائل أن تنالوا من الآخر؛ منا في المقال كوننا نختلف حول قضايا ومسائل تنظيمية.
وآخراً لن نقول بأن كتاباتكم “مدعاة للسخرية..” كم وصفتمونا بها، بل ستبقون أخاً عزيزاً نختلف في قضايا كما نتفق في قضايا أخرى وما أكثرها ولتبقى هي التي تشد الواحد منا إلى الآخر ونترك المسائل الخلافية للجدال والزمن، الكفيلان بحل كل القضايا والمسائل العالقة.
والنقطة الأخيرة التي نود أن نوضحها للأخ محمد سعيد آلوجي بأننا لسنا الراكضين وراء المنصب والكرسي الحزبي (عضو اللجنة المركزية؛ إن كان بصفة احتياط أو أساسي) وإننا مستعدون التخلي عنها وليقل الشيء نفسه أولئك الذين تكتلوا من أجل المناصب وانسحبوا من الحزب؛ حيث إننا نكتفي بشرف العضوية فقط.