رسالة الخزنوي لنا في حاضرنا2 : الاحتجاج بطبيعية الاخطاء

الدكتور مرشد معشوق الخزنوي
 
نتابع في ظلال ذكرى استشهاد شيخ الشهداء معشوق الخزنوي ، وفي ظلال تشخيص شيخ الشهداء لحال الأمة وما عصف بها من امراض ، نستذكر كل ذلك لنستنير بهديه عندما قال : أن المسلمون عامة والكورد خاصة مصابون بخلل في التفكير ، فقدنا النظرة الوسطية والموضوعية وبتنا بين الغلو والإفراط ، ارحنا عقولنا أمام هزائمنا وأخطائنا بعدم خلو امة من الخطأ ، وحملّنَا وزرها للساسة والعلماء ، تحرجنا من النقد والنصح ، ضخمنا اجازتنا ، وحجبنا الحقيقة عن امتنا .
وقد تحدثنا في المقالة السابقة عن الشق الأول تحت عنوان ” رسالة الخزنوي لنا في حاضرنا : النظرة الوسطية ” وها نحن نستكمل تلك الامراض التي ابتليت بها امتنا ، ومن تلك ما يقوله شيخ الشهداء ” ارحنا عقولنا أمام هزائمنا وأخطائنا بعدم خلو امة من الخطأ “
 
حيث يشير شيخ الشهداء معشوق الخزنوي الى صورة أخرى من صور التنصل من المسؤولية ، بإراحة عقولنا امام هزائمنا وأخطائنا بعدم خلو أمة من الخطأ ، مكررين: بأن الأخطاء طبيعية،ووحده الذي لا يعمل والمتوقف من يكون بلا خطأ ، وليس هناك أحد معصوم ، وهذا حق ولا جدال فيه ، ونحن هنا لا نناقش العصمة، فمن المتفق عليه أنه ليس هناك أحد معصوم غير الانبياء والرسل عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم ، ومتفقون على أن الأخطاء طبيعية، ومن يعمل ويتحرك  يقع في الخطأ والزلل ، وندرك أنه ما من أمة من الأمم سواء كانت أمة من الأمم الدينية، أو من الأمم العرقية إلا وفيها من السلبيات ما الله به عليم ، هذا صحيح ، ولكن الشيء الذي ليس بصحيح أن نحقن أنفسنا بجرعة من المورفين المعنوي بأن نتعذر ونتحجج بطبيعية الأخطاء ونمر ، دون أن نقف عند تلك الأخطاء ، ودون أن نحدد ما هي الأخطاء، وكيف حصلت، ومن المسؤول عنها، وما سبيل الخروج منها، وما سبيل العلاج، كل ذلك برفق ورويّة وحكمة، وبإنصاف الباحث عن الحقيقة ، وليس المتشفي الذي يبحث عن الخطأ والزلة حتى يتعلق بها لحاجة في نفسه أو في قلبه وحتى يتشفى ويتهم، ويسب، وحتى يجد فرصته في التعليق والقيل والقال والكلام الذي لا طائل تحته.
 
وعملية المراجعة هذه لابد أن تكون شاملة ، تشمل الأفكار والآراء والسلوك والمواقف التى يتبناها الفرد أو الحركة السياسية  أو الجماعة الدينية ، واختفاء هذه المراجعة يشكل خطراً يهدد وظيفة المجتمع البشري فى الحياة ، وأظنني لو أقيمت مراجعة شاملة لما قامت به الحركة السياسية الكردية وما تبنته من افكار أعتقد انها لو  قامت بمثل هذه المراجعة الشاملة الصادقة لاكتشفت أن الكثير مما قامت به كان من الأفضل عدمه.
 
وهذا الذي يشير إليه شيخ الشهداء ، بأننا نحتاج دائمًا إلى من يفحص لنا مسارنا  ، ويتحسس مآلات أعمالنا ومواقفنا، ومن يمد لنا قرون الاستشعار فى جوف المستقبل حتى نضبط إيقاع حركتنا اليومية برؤيتنا المستقبلية.
 
هذه العملية نقد ذاتي يقوم بها تنظيم أو فرد معين، على تصوراته ومنطلقاته الأيديولوجية السابقة، وكذلك الممارسات العملية التي صاحبت تلك التصورات والمنطلقات، ووضع أسس فكرية، وأولويات جديدة أو مختلفة عن الأولويات والحتميات السابقة، تكشف خللا في تلك التوجهات، وتنزلها من مرتبة المسلمات إلى مرتبة الاجتهادات التي تقبل الخطأ، وهو ما ينتج نظاما فكريا وأيديولوجيا وممارسة تنظيمية تختلف كليا أو جزئيا عن الممارسة السابقة.
 
إضافة الى أنه يبنغي ألا تقف حدود المراجعات عند: أين الخلل؟ لاكتشاف السلبيات والعيوب، بل لابد أن تمتد لتشمل كل نواحى نجاح الإنجازات كمًا ونوعًا وسرعةً.. كما ينبغي ألا تقف المراجعات عند حد اكتشاف “العلة” بل لابد أن تمتد إلى حد اكتشاف “الدواء” .. لأن تحقيق صحة البدن لا يقف عن اكتشاف المرض فقط بلا لابد من تحديد “الدواء” القادر بإذن الله على تحقيق “الشفاء” من هذا المرض.
 
وتكمن أهمية هذه العملية أيضاً أنه ليس كل أفكارنا التى اقتنعنا بها  ولا ممارساتنا ناجحة ولا صوابا كل الوقت ، ويظهر هذا جلياً للدارس لعلم الفقه واختلاف المذاهب وكيف تغيرت او تبدلت فتوى الفقهاء أكثر من مرة ، الإمام أحمد بن حنبل يرد عنه فى المسألة أكثر من رأي ، والشافعي مشهورة اقواله في “القديم” وفي “الجديد” من مذهبه، وهكذا أحكام الفقه وقضايا الاجتهاد والسياسة تختلف باختلاف الأحوال والأشخاص والأماكن والزمان والعرف،
 
ولقد راجع الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم فى الكثير من المواقف، فقد ذكر البيهقي في الدلائل ما حدث في معركة بدر الكبرى لتحديد أرض المعركة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء أدنى ماء من بدر فنزل عليه فقال له الحباب بن المنذر: يا رسول الله أهذا منزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتعداه ولا نقصر عنه أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل هو الرأي والحرب والمكيدة، فقال الحباب: يا رسول الله فإن هذا ليس بمنزل ولكن انهض حتى تجعل القلب كلها من وراء ظهرك ثم غور كل قليب بها إلا قليبًا واحدًا ثم احفر عليه حوضًا فنقاتل القوم فنشرب ولا يشربون حتى يحكم الله بيننا وبينهم فقال قد أشرت بالرأي.
 
وفي العصر الحديث في الولايات المتحدة اعترف البيت الأبيض بضرورة مراجعة السياسات المتبعة إزاء توجهات السياسة الخارجية.
وفي أوروبا قررت العديد من الحكومات إعادة النظر في سياساتها الأمنية و«الاجتماعية» في أعقاب التفجيرات الدامية من جهة، وموجة اللاجئين من جهة أخرى.
 
هذا ما يشير إليه شيخ الشهداء ، وهذا حقيقة ما تحتاجه الحركة السياسية ، وللأسف هذا ما لم يتم حتى الآن ، ولربما لم يحدث الى الآن لتصورهم أن المراجعة أو إعادة النظر تعني عندهم بالضرورة تراجعاً أو اعترافاً بالخطأ أو بالحسابات التي كانت قد اعتمدت.
 
رحمك الله شيخنا معشوق الخزنوي وأعلى الله مقامك في الجنة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، سلام عليك يوم ولدت ، وسلام عليك يوم استشهدت في سبيل ما تؤمن به ، وسلام عليك يوم تقف امام الرب القادر تقتص من ظالميك .
—————

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…