ما يحتاج إليه جنوب غربي كردستان – الجزء السابع

د. محمود عباس
   الغريب أن وحدة الأحزاب الأربعة، تحت اسم (البارتي الديمقراطي الكردستاني في سوريا) التي استطاع الإقليم فرضه بأساليبه، كانت من أفشل التجارب التي يمكن أن تحدث في تاريخ الحركات السياسية الهادفة لتكوين كتلة وطنية موحدة. فعلى خلفية ما تم، بدءً من تشكيل القيادة المنتخبة شكلا والمعينة فيما وراء الستارة، إلى خمود نشاطاته في الداخل وضمن المجلس الوطني، تتبين وكأنه هناك أطراف خارجية كانت لها يد في مسيرتها، وتتحكم بها حتى الأن، وهي تريد أن يتم تصعيد شخصيات نحو القيادة بطفرة أخرى في المؤتمر القادم، كما يتم تداوله في الأوساط السياسية الحزبية، وإن حدثت التكهنات، فسيكون كالمسمار الأخير في نعش الحزب الذي كان من المتوقع أن يعطي بتجربته التوحيدية مثالا يحتذى به الأحزاب الكردية الأخرى،
وللأسف حدث العكس، فالجميع الأن يفضلون نشاطاتهم الهزيلة على المعدومة. وتبينت أن نضال الآزادي أو الديمقراطي ذاته قبل تغيير رئاسة الحزب ولجنته السياسية، ومؤتمر الوحدة، كان أفضل من الجاري، وعليه فمن المهم للحركة الثقافية والسياسية، دراسة هذه الظاهرة الطارئة التي حصلت ضمن الأحزاب الكردية، وخلفياتها، ويجب تعريتها. فبمثالهم الشاذ هذا أثبتوا أن كثرة الأحزاب خير من قلتها، والتشتت أفضل من الاتحاد، ومن الأفضل النضال بشكل منفصل، وخير لهم إقامة التحالفات، والعمل معا على نقاط التقاطع.
   لا شك، سقط الحزب الديمقراطي الكردي والمتحول  إلى الكردستاني في امتحان قبل هذه، ولم يكن أقل مرارة، وذلك قبل الثورة السورية بسنوات، وعلى خلفية تبعيتها شبه المطلقة لأجندات البارتي الديمقراطي الكردستاني في الإقليم الفيدرالي، المتدخل ومنذ عقود ليس فقط في نهج فرعه السوري بل وأحيانا في تعيين قياديه، وكمثال معروف للجميع، ما تم وعن طريق قنصلها في قامشلو (محمود الكركري) والذي لا يزال في المدينة كما يظن، وبسند من رئيس جهاز المخابرات العسكرية (محمد منصورة) الغني عن التعريف، شق البارتي بعد وفاة سكرتيرها المرحوم كمال أحمد، بفرض القيادة وبصبغة انتخابية ديمقراطية، ولا شك أن القيادة كانت نقية ووطنية، فرضت عليها الإملاءات. وللعلم فهذان الشخصان كانا وراء نهب معظم الوافدين الكرد من خارج البلاد إلى الإقليم في بدايات تكوينه، وجمعوا الملايين، عندما كانوا يستخدمون سوريا كطريق للعبور. 
  والامتحان كان في موقفهم من المؤتمر الذي عقد في بلجيكا عام 2006م المنبثق عنه المجلس الوطني الكردستاني –سوريا، فتحت الرضوخ لإملاءات الطرفين، الإقليم من جهة والمربع الأمني في قامشلو من جهة أخرى، لم يحضر البارتي، واكتفى بإرسال رسالة تهنئة، رغم أن المؤتمر كان كردستانيا بكل المواصفات، شارك فيها ممثلي الأجزاء الكردستانية الأخرى ومن بينهم ممثل الإقليم الفيدرالي بشخصية السيد فوزي الأتروشي، وعكس المؤتمر متطلبات الشعب الكردي في المنطقة، واتبعوا البارتي من داخل قاعات المؤتمر وفي اليوم الأخير، كل من اليكيتي والآزادي والذين كانوا في فلكهم. وتم ذلك بعد انسحاب ال ب ي د بثلاثة أيام من المؤتمر تحت حجة واهية، عكست حقيقة نزعتها الانفرادية في العمل، ورفض الأخر. وكانت تلك إحدى الأخطاء المصيرية التي شاركت فيها جميع الأحزاب الكردية السورية، وهو نهج كثيرا ما فرض على الحركة الكردية السورية ونفذوها بدون إرادتهم، وذلك لضعف الرؤية ودونية المستويين النظري والعملي، وهو ما يتم حاليا، وعلى نفس النهج تسري الخلافات والصراعات الداخلية.
   ورغم أن المؤتمر المنعقد حينه تم فيه الموافقة شبه الجمعية على أن النظام الأمثل لسوريا وللمنطقة الكردية بشكل خاص، هو النظام الفيدرالي، وفي الوقت الذي كان فيه الإقليم يتمتع به، ويظهره للكرد والعالم كأفضل مثال، وبدعم من أغلبية الشعب الكردي، إلا أنه لم يرغب في أن يكون لجنوب غربي كردستان قراره الخاص وتعامله الدبلوماسي مع القوى الكبرى دون المرور بقنواته، وللتغطية على ما تم، عرضوا مؤتمر في باريس، كبديل، ومن حينه حاربوا المجلس الوطني الكردستاني-سوريا المنبثق عن مؤتمر بلجيكا، إعلاميا، رغم ما قدم أعضاءه من خدمات للإقليم وللحركة الكردية في جنوب غربي كردستان، خارجيا وداخليا، ودون أن يتم الإعلان عنه.
 رفضهم لتشكيل المجلس الوطني الكردستاني –سوريا حينها، كان رفضا مباشر للنظام الفيدرالي، إرضاءً للسلطة السورية، والفيدرالية كان من ضمن البنود الذي أقره جميع الأعضاء ضمن المؤتمر، النظام الذي لم يكن دارجا حينها ضمن برنامج أو أدبيات أي حزب في جنوب غربي كردستان، وفي الواقع لو تم في تلك الفترة الاتفاق، وشاركوا في تحفيزه من حينها، لكانت الحوارات اليوم مع المعارضة السورية العروبية والتكفيرية وسلطة بشار الأسد، بل ومنذ بداية الثورة على نقاط أبعد من الفيدرالية، ولكانت جنوب غربي كردستان ومنذ اليوم الأول للثورة السورية، متمتعاً بكيانه الفيدرالي وتحت إدارة قوة كردستانية مشتركة، مدعومة من القوى الدولية، فأخطاء الإقليم وبالتالي الحزب الديمقراطي الكردي والذين انسحبوا من المؤتمر، وفي مقدمتهم ال ب ي د،  يدفع ضريبتها اليوم الشعب الكردي في جنوب غربي كردستان، والواقع المزري الذي تعيشه معظم الأحزاب والمجلس الوطني الكردي من حيث الاستجداء والركض وراء الدول الكبرى للحصول على اعتراف سياسي ما، هي نتيجة عدم محاولتهم التحرر من الإملاءات الخارجية، والتي حددت موقف الأحزاب حينها ولا تزال تؤثر على مسيرتها حتى اللحظة.
 القضية الكردية في جنوب غربي كردستان، مرت بمراحل عديدة في السنوات السبع الأخيرة التي اجتاحت الكوارث فيها سوريا، وفي السنتين الأخيريتين تقف على عتبتي المصالح الأمريكية الروسية في سوريا، أو بالأحرى مرحلة الاعتماد على القوى الكردية في محاربة داعش واستخدامهم كأدوات لتسيير أجنداتهم في المنطقة، وفي الواقع، فإننا ندرك هذه الخلفية، ولا مجال آخر في الفضاء غير المسموح لنا ككرد رؤيته، وتحديد علاقاتنا الخارجية، وعليه فمعظمنا، أحزاباً أو حركة ثقافية أو سياسية، أو حتى منظمات مجتمع مدني، ننطلق من مبدئ علاقة خدمة وأمل، بيننا وبين القوى الكبرى، وهذه لا تمرر على نوعية العلاقة مع السلطات الإقليمية، فهؤلاء يستخدموننا كورقة ضغط على الطرف الآخر، ونحن من خلالها نحلم بالحصول على بعض المكاسب، عسى ولعلى تنجح، والأمنية ناتجة من الصور النمطية التي فرضتها علينا المربعات الأمنية، بأن كل الطرق مسدودة دونها، علماً أن ظروفنا الذاتية هي التي تسد معظم الدروب وتعتم علينا دراسة المستقبل بشكل صحيح.
  أما بالنسبة للعلاقة مع أمريكا وروسيا، فهي واضحة، ونطمح إلى تصعيدها، حتى ولو كانوا يستخدموننا كأدوات مؤقته، لأننا نأمل أن يؤثر هذا التعامل المؤقت على مستقبل العلاقات، وقد ترقى إلى سوية اعتراف سياسي، ولربما ظروف التنافس الحاد الجاري بين القوى الإقليمية والدولية، تؤدي إلى ما نحلم به، خاصة وأن الورقة الكردية اليوم هي الأكثر تداولا بين الجميع، ويتصاعد الاهتمام بها، بعكس ورقة داعش، والفرق بين الحركة الكردية وتلك المنظمة التكفيرية المنبوذة في العلن، والمحاربة من الجميع، والتي تدعم فيما وراء الستارة عند الحاجة إليها، ويتكتمون عليها. أما الكرد، فجميع أوراقهم واضحة، وعلاقاتهم شبه معروفة، وهي تختلف عنها قضية وتاريخا وديمغرافية وإيديولوجية، وبالتالي فشراكتها مع الدول الكبرى علنية وواضحة، حتى ولو كانت الأطراف الإقليمية تظهرها على الإعلام بصور مغايرة، وتنقب في الزوايا الدبلوماسية للطعن في القضية الكردستانية، وأمريكا بدورها وعن طريق مسؤولي وزارة الدفاع بشكل خاص تضفي عليها الكثير من التلفيق والتحايل، عندما تعزلها من الاعتراف السياسي…
يتبع…
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
2/5/2017م

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…