بالحضن يا أردوغان

د. محمود عباس
 لا أظن أن روسيا ستتمكن وعلى المدى البعيد التوافق بين أئمة ولاية الفقيه حيث استراتيجية الحلف الشيعي، وبين تركيا حربة الحلف السني المتطرف المتخفي وراء الليبرالية الإسلامية، وخاصة بعد بروز بدايات الانهيار بينها والقطر وبين السعودية، ولا يستبعد بأن بوتين وبعد أن تتوضح الدروب أمامه أكثر بعد انحراف أردوغان وعلاقته مع الناتو وأمريكا، أن يرجح كفة تركيا على إيران، أي السنة على الشيعة، فيما إذا لم يتمكن من جمعهما معا في استراتيجيتها ضمن الشرق الأوسط.
بدون أية مقدمات، انقلبت روسيا من مساند للقوات الكردية في منطقة عفرين، إلى منتقد لعملياتها في منطقة الرقة، وما بينهما يسطع وجه أردوغان. إن كان الاتفاق السري الذي تحدث عنه وزير خارجية روسيا سيرجي لافروف في لقائه الصحفي، بين قوات سوريا الديمقراطية وداعش، تهمة أو انتقادات مسنودة بالحقائق، فإنها على الأغلب ستكون تحت ظروف الحرب، والتكتيكات العسكرية، وقد تكون من الاتفاقيات الميدانية بين الأطراف المتقاتلة، وفيها تنعدم القيم السياسية والإنسانية، ولروسيا وتركيا وأمريكا خبرة طويلة وعميقة في هذه الخباثات، ولا شك فهي لا تبرر على المستوى الوطني والقومي، وفي كل الأحوال فهي لا تزال في حكم التهم، والتلاعب السياسي الدولي والتغيرات الدبلوماسية.
    يؤكد البعض من المحللين السياسيين، أن التهمة صنعت في تركيا وخرجت بلسان وزير خارجية روسيا، لأن:
  الأولى، لا تحبذ سقوط الرقة بشكل عام وخاصة بيد القوات الكردية، وتزداد احتمالية ضم المنطقة إلى الفيدرالية الكردستانية المحتملة إقامتها، وعليه تفضل تركيا بقاء داعش فيها وفي المنطقة كتهديد دائم للكرد، وهو الذي لا يزال بشكل أو آخر يدعمهم ويحافظ  على وجودهم، مثلما فعلتها روسيا قبل أقل من سنة عندما سلمت تدمر وموقعها العسكري مع جميع الأسلحة والذخائر دون أن تصابها أي عطب، إلى مجموعة من الدواعش لا يزدادون عن مئة شخص، واستلمتها بعد شهرين، وحينها أكدنا أن داعش ستعيدها ثانية إلى السلطة السورية أي إلى القوة العسكرية الروسية في المنطقة في أقرب فرصة أي بعد أن تكون قد نقلت الأسلحة والذخائر من الموقع. 
 والثانية، تريد تبرئة ذاتها من العلاقة معها، وقد أصبح معروفا لكل مراقب سياسي-عسكري أن روسيا ومعها سلطة بشار الأسد، من ضمن الدول المثبتة صفقاتها مع داعش، والقصف الأول الذي تم في بدايات التدخل الروسي العسكري في سوريا على قوافل داعش لنقل النفط،، لم تكن سوى عملية ضغط عليها وعلى تركيا، لفتح قنوات التعامل حسب الرغبة الروسية وتكتيكها، وبعدها لم تقم بأية عملية عسكرية مهمة، بل وبالعكس جرت اتفاقيات سرية عديدة، وصفقات كشفت عنها عملية استلام وتسليم القواعد العسكرية حول تدمر، وواقع المدينة المأساوي التي ذهب ضحيتها في كل مرة العشرات من سكانها الأبرياء، تشهد على هذه الجرائم السياسية العسكرية، بدءً من المسرحية العسكرية والثقافية التي جرت في المدينة الأثرية، إلى عمليات تجارة الآثار التي فاحت رائحتها في جميع أسواق تجار الآثار في العالم. كما وتثبتها الصفقة التي جرت بمعيتها ما بين تركيا وداعش أثناء استلام وتسليم مدينتي جرابلس والباب، وروسيا خير من يعرف دقائقها، وللأسف فالنفاق الدبلوماسي أحيانا يتجاوز حدود المنطق الإنساني، وتقبل العقل، فتغطية الكذب يتم أمام أنظار الإعلام وجميع سياسيي العالم، والأوجه تصل بوقحتها إلى درجة الجمود، وغياب الشعور الإنساني. وبالمناسبة فإن جميع أطراف الرقة، الجنوبية والشمالية والشرقية، مفتوحة لداعش بالخروج والدخول باستثناء الشمال، فلماذا تحتاج داعش لمثل هذه الاتفاقية لتذهب إلى تدمر؟! كما ولا يمكن أن يعقدوا اتفاقية سلام والأمريكيين يديرون معظم تفاصيل الحرب، فإن كانت هناك اتفاقية ستكون بين أمريكا وداعش، وبموافقة روسية!
  فبعد أن خرج أردوغان من البيت الأبيض وبجعبة فارغة، وخيبة أمل رغم كل محاولاته مع دونالد ترمب الذي ظل مؤيدا لتكتيك البنتاغون في تسليح القوات الكردية، وبعد أن تأكد بأنه لن يتمكن من حضه على الاعتماد عليهم كقوة رئيسة والوحيدة في معركتهم مع الإرهاب، وتحرير الرقة، دفع بسفيره في واشنطن على خلق الحادثة اللاأخلاقية أمام السفارة وذلك بالاعتداء على المواطنين الكرد-الأمريكيين الذين كانوا في مسيرة سلمية ضد سياسته في تركيا، علماً بأن بعض المحللين السياسيين يقولون بأنه حصل على تأكيدات بأن الاعتراف السياسي لن يرافق الدعم العسكري للكرد في شمال سوريا، وتم إبلاغه من قبل وزارة الخارجية الأمريكية أن الاتفاقيات والدعم للكرد ليست في البعد الاستراتيجي، لكن أردوغان ظل متخوفا من قادم الكرد وصعودهم بشكل عام، والتي قد يؤثر بشكل مباشر في العمق التركي مستقبلاً، وهو ما حثه على توسيع قنوات تعامله مع روسيا، وحادثة السفارة كانت إحداها، وتصريح لا فروف هي إحدى ردات الفعل لتمتينها. 
 من السذاجة الاعتقاد بأن روسيا تخاف من خروج مجموعة من دواعش الرقة لمهاجمة قواعدها في عمق الصحراء التدمرية، وهي كانت حتى ساعات ماضية تقصف جميع مناطق سوريا، ولها القدرة على تدمير كلها ودون أن يرف لها جفن، وهي آخر من تهتم بالمدنيين، ولها في هذا باع طويل، ممتد من المدينة الشيشانية غروزني إلى حلب الشرقية، وعليه فليس بقضية كبيرة إذا قصفت قوات داعش في أي مكان، وفي الواقع، وإن تم التنقل، فمعظمها ستمر خلال بادية الشام، الممتدة بين الرقة وتدمر، والبادية معروفة لكل من مر بها، بالإمكان رؤية حمار على بعد كيلومترات! فما بالنا بالأقمار الصناعية الروسية! والأغرب أن روسيا قبل أن تقوم بقصف نواحي تدمر بصواريخ من بوارجها الراسية قبالة سوريا في البحر المتوسط، أبلغت تركيا بها؟! علماً أن تركيا من حيث الواقع العسكري والسياسي آخر من يتطلب إبلاغها، ومع ذلك تم التصريح عنه إعلاميا لتبين لأمريكا والعالم الأوروبي وللكرد في المنطقة أنه هناك تقارب يتزايد بينها وبين تركيا، وللتخفيف من حدة الصدمة على إيران وسلطة بشار الأسد، ألحقتها بقصف لمواقع المعارضة السورية ولقوات سوريا الحرة المواجهة لقوات بشار الأسد والحشد الشيعي في الطرف الأخر من الحدود السورية حيث مدينة التنف العراقية والتي تقترب منها الحشد في الأيام الأخيرة.
  لا شك أن استمرت هذه السياسية، والتقارب التكتيكي بين روسيا وتركيا، ودخلت في الحيز الاستراتيجي، ودخل السلطان أردوغان في حضن القيصر بوتين، مثلما دخل أتاتورك في حضن لينين، فستكون لها تأثيراتها على المكاسب الكردية في المنطقة، وعلى المعارضة السورية المعتدلة، وعلى سلطة بشار الأسد والمد الشيعي، وبالتالي على الطائفة العلوية في سوريا، والحشد الشيعي في العراق، فتركيا وقطر، ومنذ فترة، بدءا بمحاولات أحياء جماعة الإخوان المسلمين تحت حجة التيار الإسلامي الليبرالي، وعسكريا تحت غطاء الجيش السوري الحر، والذي هو في عمقه عودة للبعث السني  والإخوان المسلمين، وهذا واضح من أسماء الضباط الذين عينهم تركيا لتدريبه والإشراف عليه، وبدعم من قطر، ولهذا فالتداخلات أعقد من تصريح إعلامي لوزير خارجية روسيا أو رفض أردوغاني، ولن تستمر بمنحى ثابت، ومن المتوقع أن تكون سوريا على أبواب ربما سنوات أخرى من المعاناة والحرب الأهلية.
  وهنا لا بد للكرد من أن يحصلوا على ضمانات أمريكية وأوروبية على المستوى السياسي، وإقناع روسيا بعدم التراجع عن المناطق الأمنة، وهذه تتطلب من الحركة الكردية مجتمعة، تهيئة العامل الذاتي، للتحضير لها سياسيا ودبلوماسيا بحيث تكون على سوية مكاسبهم العسكرية، فالكارثة بدون خطوات إيجابية ستشمل الجميع ولن تميز بين حزب أو آخر.  
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
31/5/2017م

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…