الوحدة في الحركة الكردية بين الواقع والأمنية

 د.

عبد الرحمن آلوجي

إن من يمارس العمل السياسي ، ويعيش واقعه ، ويحيا وقائع التحول السياسي ، غير من يراقب ويحلل ، شأنهما في ذلك شان من يؤدي عملاً درامياً ، أُنفق فيه الكثير إبداعاً وإخراجاً وأداءً ، ليتحمل عبء نجاح هذا العمل الإبداعي ، ومن يقف متفرجاً وقد أوتي حظاً وافراً من النقد والتحليل ، ليدرك مواطن الخلل ومواقع الإبداع ، ويحسن المقارنة….

كذلك يقف المحلل السياسي ، والباحث المتقن موقف المتفرج المبدع ، ليطرح آراءه ، ويحكم نقده ، ويحسن التحليل ، محايداً في الأداء السياسي ، راصداً ما يمكن أن يحقق الهدف الأعلى في مقاربة المفاهيم ، أو الاقتراب من الطموح أو القيام بدور المناضل الذي عزَّ دوره في خضم المعترك السياسي ، وبين جملة التجارب والطروحات والوقائع السياسية ، وهي تتأرجح بين الأداء الحسن ، والموقف الصلب ، والآخر الوصولي أو الارتزاقي المحترف…..

ليكون للمراقب الأمين دوره الفاعل في تحديد الأفق الوضيء من الآخر المكفهر ، والمفتقر إلى القيم الوطنية والأخلاقية من العابر والمبتذل والمهترئ في دكاكين العرض السياسي القميء ، أو المتسكع وراء الألقاب والبهارج والزيف ، وادعاء النضال بهتاناً ، مما يجعل الأمر معقداً و متشابكاً ، ويُعسر مهمة المراقب الأمين ، والمحلل الحصيف ، ويجعلها على درجة عالية من الدقة والتعقيد .
هذا على وجه الإجمال والتقريب أما في الخوض في تفاصيل الحدث ودقائقه وتشعباته ، فإن الأمر يزداد دقة ، ويرتقي إلى مستوى أداء نقدي أكثر حراجة ، مما يجعل المهمة تقع في جانبين :
1- الجانب التحليلي النقدي المتخصص أو شبه المتخصص .
2- الجانب الشرعي للحاضنة الأساسية للحركة الكردية والمتمثلة في نبض الشارع الكردي ، وحسه العام ، وإدراكه المعمم والمستند إلى حصيلة تجارب منتخبة وأخرى متميزة بعموميتها ، بحيث تستخلص القيم الوطنية والأخلاقية وتدرك إلى حد كبير – ولو في بعده عن التخصص الأكاديمي ، والتحليل المعلل – مدى اقتراب هذا الخط من بعده الوطني ، أو وقوعه في البعد الاحترافي أو انحرافه إلى التضليل والتواطؤ والوقع في مطب عدم الثقة ، والاقتراب من خط المساومة ، وفي ذينكَ المسارين يمكن أن يكون الخط الواصل الآخر كحصيلة لهذا التقاطع ، والذي يشكل حدساً إدراكياً عالياً ، هو بمثابة البوصلة الوطنية والأخلاقية التي يمكن أن تحكم على الموقف ، وتحسن توجيهه ورصده ، وترتقي إلى مستوى الحدث ، وتلبي طموح الحركة ، وتدرك آفاقها ، وتحسن رصد العاملين الحقيقيين ، والآخرين المصطادين والمتصيدين ، والساعين إلى رتب وهمية واهية ، سرعان ما ينجلي زيفها ، ويخبوا بريقها ويتداعى ركنها لينهار سريعاً ، لأنه بُني بغير إحكام .
– وهو يصدق إلى حد كبير في الوحدة التي دخلنا غمارها ميدانياً بعد جهود مضنية بذلتها وفود وطنية مخلصة ، كانت لها بصماتها الهامة ، إلى درجة عالية من الاستعداد والتفاني ، وبذل المكروه والشاق والمعنت من الجهد للوصول منذ 9/5/2003 إلى التتويجة التاريخية لهذا المجهود الوطني الكبير والذي أسس بدرجة عالية من الوعي واقتراب كبير من همّ الشارع الكردي ونبضه ، تلبية لطموحه ، وتأسيساً على درجة استعداده العالي له وما نجم عن كل ذلك من سعي حثيث ، قورن بمقدار التوجه الدقيق والتوجس من أي خلل يمكن أن يقود إلى زيف وتضليل ، أو يكشف عن هشاشة وترهل في هذا الموقف أو ذاك ، مما كان يخشاه الوطنيون ، وهم يضعون أيديهم على الجرح ، ويبدون عن تخوف مشروع من انكشاف اللعبة الخفية والتي يمكن أن تنطلي على البعض ، إلا أن اللجنة الوطنية المتوسطة والمحاورة أدركت بعمق أبعاد هذه اللعبة ، وحذرت منها ، مدركة أن خطورة الموقف تتجلى في مدى جدية الوحدة وقيمتها كحدث تاريخي كبير ، وهو ما كان يعزز هذه الخشية ، ويشير إليها من بعد .
– وقد أدركنا في بداية هذا الحدث التاريخي الكبير أن هناك أيدٍ خفية يمكن أن تعبث ، كما كان يمكنها أن تنال من القيمة العليا لهذه الانعطافة الكبيرة وهي تزف بشرى التوحد إلى الجماهير المتعطشة ، ورفاقنا الذين بذلوا جهداً وصبراً وتضحيات جسيمة ، ليزفوا هذه البشرى في 28/4/2007 إلى جماهيرنا ورفاقنا وأصدقائنا في كل مكان.
– لقد كانت هذه الوردة المتفتحة ، بأريجها وعبقها الساحر وهي تتألق في نبتتها الغضة ، متكئة على بارئها وهي تضج فرحة ، وتشرق ابتسامة ، وتزرع المكان ببهجة عارمة ، كعروس مشرقة الجمال في ليلة مباركة تبشر بميلاد غدٍ يرفه بالبنين ، ويملأ الحياة بهاءً وأملاً وإشراقةً .
– وما بين هذا وذاك كانت العوامل الارتدادية تقف مترصدة بتبعاتها وذاتيتها ، وقانون الخلل فيها لتجعل من بدائلها الهزيلة ، مادة مطفئة لذلك الأرج ، متلفة حول قيم واهية وأخرى مصنوعة وهزيلة لا تكاد تقوى على الإقناع ولا تستطيع الصمود أمام وعي شفاف ، وإدراك عال اختزلته تجربة مريرة لشعبنا وجماهيرنا كانت من الإثم المشين والتصورات الهشة والمواقف الفردية المبرقعة ، ما تكشف عن عري الإسفاف وهبوط التصورات الهشة والمواقف الفردية ، المبرقعة بحلة ديموقراطية غير منتجة غارقة في الزيف البؤس الداخلي المزري منبئة عن قهر موبوء مرتد إلى عوامل الدونية والاستعلاء فوقها ، والتحرك اللاإرادي للسمو على عوامل الارتداد القهري.
– وما بين كل ذلك تأتي العوامل الموضوعية لتعقد الجانب الذاتي وتغذيه ، وتربوا عليه متحدية كل مد وحدوي أصيل من شأنه أن يقرب من الطموح ، فاصماً عروة التواصل ممزقاً لحمة البناء ، مهشماً آمال كوادرنا وطاقاتنا وإبداعاتنا وهي تكاد تحقق بناء الصرح ، وتعلو به وتجعل من البارتي تلك الهالة المضيئة التي من شأنها أن تزج بالطاقات والقوى والفاعليات المؤثرة ، مقاومة كل عوامل التردي والانحسار إلى مفاهيم بدائية وأخرى عشائرية أو عائلية متوقعة بدلاً من الانصراف إلى القيم والثوابت ودقائق النهج الوطني ، وعصارة الفكر الكردي المتمثل في نهج كوردستاني أصيل ، هو نهج البارزاني الخالد ، الذي هندس للوحدة الكردية ، وكرس طاقاتها وإبداعاته وسيرة الخط الوطني والقومي لطموح أعلى ، وموقف أسمى ، ورؤية مختزلة غنية ، قوامها عمل ميداني رائد وأصيل يعبر عن عمق التأصيل وإشراقة الإبداع ووضوح المعلم ، وقوة الأثر والتسلح بروح العصر ، والانعطاف إلى واقع حضاري متمدن ، يستهجن كل مكرور بائس وترد مقهور ودوني ، يرتد إلى بؤس الأداء وهشاشة الذاتية المفرطة ، وسطحية الطرح ، وهوان القوة الارتدادية المودية إلى كل أشكال التسلط والفهم الاستعلائي الغارق في الهفافة والسذاجة والبعد عن العمق الفكري ، وهو ما حذرنا منه على الدوام لتكون حصيلة ذلك وأداً لحلم وردي وطموح إرادي عميق ، تجلى في وحدة البارتي :

            يا ليلة ما كان أقصر عمره   * *  وكذاك عمر كواكب الأسحار

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…

نظام مير محمدي* عادةً ما تواجه الأنظمة الديكتاتورية في مراحلها الأخيرة سلسلةً من الأزمات المعقدة والمتنوعة. هذه الأزمات، الناجمة عن عقود من القمع والفساد المنهجي وسوء الإدارة الاقتصادية والعزلة الدولية، تؤدي إلى تفاقم المشكلات بدلاً من حلها. وكل قرارٍ يتخذ لحل مشكلة ما يؤدي إلى نشوء أزمات جديدة أو يزيد من حدة الأزمات القائمة. وهكذا يغرق النظام في دائرة…