صوت الأكراد *
كل ما كان يجري من ظلم وقهر وإنكار كان يتطلب من أبناء شعبنا إيجاد آلية للتصدي لهذا القهر والظلم يعبر من خلالها بصوت يمثله ويدافع عنه في إطار يلملم هذه المعاناة ويعبر عنها كفكر ونهج للنضال من أجل الحقوق المشروعة للشعب الكردي في سوريا ، فكانت ولادة البارتي في 14 حزيران 1957 تلبية لرغبة مشروعة وطموح قومي لدى الشعب الكردي المتلهف للنضال ضد غلاة الشوفينية .
إن البارتي وفور ولادته تبنى مطالب الكرد في سوريا بوجوب الاعتراف الدستوري بوجوده وحصوله على حقوقه السياسية والثقافية ،واحترام خصوصيته وهويته القومية ، ناضل البارتي بصلابة في وجه السلطات الشوفينية الحاكمة في سوريا رغم إدراكه لخطورة تبني مطالب الشعب الكردي والتمسك بها والنضال بين صفوف الجماهير الكردية لحثها على النضال من أجل حقوقها المشروعة لأن الجماهير الكردية آنذاك كانت تعيش مشاعر متداخلة بين دينية وعشائرية وقومية ، ونتيجة وجود الحزب الشيوعي الذي كان نضاله طبقياً بحتاً ولم يلتزم بأفكاره الداعية إلى حق تقرير المصير للشعوب ، لذلك لم يعر أي اهتمام للقضية الكردية ، بل على العكس وللأسف كانت تجري عملية طمس الشعور القومي باسم المبادئ الشيوعية والتضامن الأممي .
إن البارتي وخلال مسيرته النضالية قد مر بأزمات كثيرة لأنه كان المستهدف دائماً من الأوساط الشوفينية التي كانت ترى فيه ممثلاً للشعب الكردي ، لذلك فإن الفكر الشوفيني يستدعي بالضرورة إلى استهداف ومحاربة هذا الحزب ، ولكن رغم محاولات الدوائر الحاكمة بقي البارتي صامداً شامخاً رغم كل ما تعرض له ، وما بقاء البارتي قوياً متجذراً بين الجماهير إلا دليلاً دامغاً وصريحاً على شرعية النضال الدؤوب والقويم لتأمين الحقوق المشروعة للشعب الكردي في سوريا .
إن البارتي وبعد مرور نصف قرن على ولادته مازال يسير على ذلك النهج القومي الصحيح ،نهج الكردايتي ، نهج البارزاني الخالد الذي يضمن كل مقومات النجاح والبقاء والاستمرار في النضال كونه حق مشروع ، كان البارتي ينطلق دائماً من خطاب سياسي واضح وصريح لا يقبل المساومة على حقوق الشعب الكردي في سوريا ، وكانت سياساته تتمحور حول تأمين هذه الحقوق لأبناء الكرد في سوريا ،وفي نفس الوقت ما غاب عن فكر وممارسة البارتي يوماً البعد القومي الواضح إلى جانب بعده الوطني مؤدياً واجبه بأفضل صورة ، لذا تعرض البارتي لحملات تشهير شرسة لحمله على التخلي عن سياساته الوطنية والقومية .
إن البارتي وكأي حزب آخر على الساحة الوطنية السورية وحركة التحرر الكردية كان ينضوي تحت لواء الأحزاب التي تعتمد الكلاسيكية في أدائها ، وهذا بدوره خلق وبصراحة نوعاً من الركود في الفكر والتنظيم لعدم الأخذ بعين الاعتبار التغيرات العميقة التي حصلت في العالم وتطور فكر الشعوب واساليب النضال والدفاع عن الحقوق وانتزاعها ، لذلك في الفترة الأخيرة بدأت تتبلور فكرة الإصلاح والتطوير لدى بعض الرفاق في البارتي ، ورغم أن هذه الأفكار كانت في مرحلة جنينية إلا أنها كانت بشير خير ودليل على صحة وعافية هذا الحزب ، ولم يتوانى المؤمنون بضرورة التغيير في البارتي ولو هنيهة عن نضالهم في سبيل اعتماد ضرورة الإصلاح في البارتي لأن قوانين المنطق والواقع بدأت تفرض نفسها ، والحداثة أصبحت سمة العصر في السياسة والاقتصاد والمجتمع ،وجوهر الحداثة هو الإيمان الكامل بضرورة التغيير لمجاراة العصر والتطور عند بروز هذه الأفكار والتطلعات من قبل رفاق البارتي حيث بدأت تأخذ طريقها على الصفحات ومواقع الانترنت , كان وقعها مفاجئاً ومثيراً لدى الكثيرين وخاصة لدى الأحزاب الكردية في سوريا , وبالأخص لدى الكثير من القيادات والمسؤولين في هذه الأحزاب, وبدأت هذه التطلعات تكبر وتكبر حسب مبدأ كرة الثلج وتبناها الكثير من الرفاق المتنورين فكراً وحداثة والذين يؤمنون بضرورة إعادة بناء للبارتي دون المساس بثوابته القومية والنضالية الراسخة , والتي تتمحور حول حقوق الشعب الكردي في سوريا الذي يعيش على أرضه التاريخية .
إن أية فكرة جديدة أو طرح يدعو إلى التغيير , بالتأكيد سيلقى معارضة وإعاقة , وهذا بدوره يعتبر مظهراً صحيحاً في أي حزب أو تجمع أو مجتمع , وهذا ما كان في البارتي أيضاً , ولكن بدرجات متفاوتة بين ناقد لهذه الطروحات واعتبارها سابقة لأوانها , ونتائجها غير معروفة , وبين معارض بل خصم عنيد لها, أو ربما خوف من المجهول ،وإعادة بناء هيكلية للتنظيم الذي يسير وفق نظام داخلي بلشفي عفا عليه الزمن , الدعوات كانت صريحة وواضحة وما زادها قوة أنها جاءت مقترحة ومطروحة من الهيئات العليا ومن ضمنها اللجنة المركزية للبارتي , حيث تضمنت هذه الاقتراحات بناء حزب مؤسساتي متطور شامل جامع لكل نواحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للشعب الكردي في سوريا , والتمسك المطلق بالمبادئ النضالية والسياسية للبارتي , واعتماد البارزانية نهجاً وفكراً مرجعية لنضال البارتي بين صفوف الجماهير , حقق البارتي ومن خلال أعضائه ولجانه وهيئاته النجاح الكبير في اعتماد مبدأ التغيير والإصلاح , وفي الوقت ذاته أصبح الخصم أكثر شراسة وهجوماً , ولكن الإيمان المطلق بصوابية ومشروعية هذه الأفكار لم يتراجع الرفاق عن التزامهم بضرورة التغيير وكما تنص القاعدة الشعبية ( لا يصح إلا الصحيح ) وأيضاً ( الحي أبقى ) لأن هذه الأفكار الجديدة هي بحد ذاتها حيوية مفعمة بالنشاط والحركة.
لقد أثارت قضية الإصلاح الكثير من الجدل في الأوساط السياسية والثقافية الكردية، وإن الكثيرين منهم خاصة ذوي العقول النيرة أيدت تلك الإصلاحات وساندتها بقوة إيماناً منها بأن الإصلاح والتغيير بات حاجة ملحة تمليها الظروف الذاتية والموضوعية للحركة، وإن التبدلات العالمية والوطنية خلال خمسة عقود من الزمن كافية لأن تراجع الحركة نفسها وبرامجها والعمل على مواءمتها مع المستجدات الحاصلة ورغم أن هذه الإصلاحات قد أثارت القلق لدى بعض الأوساط التي اعتادت على الحفاظ على النمط السائد منذ عقود ، لكن البارتي المتجذر بين الجماهير والمعبر عن آمالها ورؤاها سيبقى دائماً صاحب المبادرات الخلاقة والمتجددة وهذا سر قوته وديمومته وتعاظم شأنه.
إن البارتي وبانطلاقته الجديدة ومن خلال مؤتمره العاشر وكما أسلفنا لم ولن يتخلى عن خطابه السياسي والقومي ذي الثوابت القومية الراسخة ، وسيكون دائماً وكما تعودت جماهير الكرد أن تراه موضع ثقة ومصداقية في حركة التحرر الكردية في سوريا , وسيكون دائماً صادقاً في خطابه السياسي مع نفسه ومع أشقائه من الأحزاب الكردية الأخرى , سيكون البارتي صاحب المبادرات الوحدوية والمفيدة ولن يتخلى عن خطابه الوحدوي وإعادة ترتيب البيت الكردي وتبني الطروحات الصحيحة والشفافة دون تكبرأو ترفع تجاه الأصدقاء والأصحاب.
———-
· الجريدة المركزية للحزب الديمقراطي الكردي في سوريا ( البارتي ) / العدد 391/ حزيران
لتنزيل صفحات العدد كاملا انقر هنا: