د. محمود عباس
على الأغلب توضحت في كثيره، غاية ما نحن بصدده، تعرية أهداف المركز العربي المخفية، ولإزالة بعض الشكوك حول ما ذكرناه، علينا أن نعود إلى الماضي القريب، والتحولات الكبرى التي حدثت في الدول التي سميت جدلاً بالوطن العربي، ودور المركز العربي فيها. فمن بداية القرن الماضي، وخاصة من الخمسينات ومرورا بالستينات تحولت شمال أفريقيا والشرق الأوسط بعد التحرر من الإمبراطورية العثمانية، وخروج الاحتلال الأجنبي، من ولايات ذات أنظمة ديمقراطية أو شبه ديمقراطية، إلى أنظمة عروبية عنصرية، استبدادية، بدءً من الشريف حسين، وآل سعود، وعبدالناصر إلى بومدين ومعمر القذافي والنميري وبشير، والسلال، مرورا بالأسد وصدام والعليين، ومعظمهم أحفاد مفاهيم ساطع الحصري، وزكي الأرسوزي، والعفلق، والشريف حسين الذي قدم العروبة على الإسلام في خطابه المشهور الملقي من على شرفة فندق البارون في مدينة حلب عام 1918م،
ومن حينها عبث هؤلاء العروبيون بمقدرات الشعوب ومن ضمنهم الشعب العربي عن طريق المربعات الأمنية، وأدخلوا الشرق في دوامة من الصراعات، والأحقاد، ومعاناة من جميع النواحي، فكانت الويلات، ونتيجتها تخلف ومآسي على جميع الأصعدة، المؤدية إلى الثورات العفوية، وهي في عمقها ثورات شعوب الشرق على العروبيين، وكانت تسميتها بالربيع العربي، تلفيقا، ولم تكن سوى خباثة أخرى من العروبيين لسرقة تاريخ ونضال شعوب المنطقة، وتسخيرها للعروبة، وهي طريقة أخرى للتلاعب بمقدرات الأخرين. فالذين فجروها وقادوها في تونس، هم الشعب الأمازيغي، وبشكل عفوي نابع من قهر اجتماعي اقتصادي سياسي-قومي لعقود من الزمن، وماض غارق في المآسي، انتفضت من مدينة أمازيغية، ومثلها في ليبيا، وفي مصر القبطية، قبل أن يتسلط عليها التكفيريون والإخوان المسلمين، وفي سوريا، كان الشعب الكردي الأصدق مع شعارات الثورة، وظل محافظاً على متطلباتها، ومفاهيمها حتى اللحظة.
انتبه إلى هذه الثورات التكفيريون العروبيون، أنظمة وسلطات ومنظمات وأحزاب مختفية تحت راية الإسلام، فتسلطوا عليها وشوهوها قدر ما استطاعوا، وحرفوها عن مساراتها، وبينوها للعالم بأنها ثورة التكفيريين العروبيين والإسلاميين، فطمروا نواة الثورة الحقيقة وهي في مهدها، وهو ما أدى إلى تخلي العالم عن الشعب السوري ومآسيه. حملت راية هذه الخباثة السلطات العروبية المتبقية، ومنها السعودية وقطر، وكانت من إسهاماتهم في هذا المجال، تأسيس وتنشيط مؤسسات ومراكز عروبية ثقافية، ومن بينها المركز العربي للأبحاث، فحددوا إدارته بنوعية معينة، ترأسه شريحة عفلقية بعثية عروبية تكفيرية، وهؤلاء لا يمكن إخفاء عداوتهم التاريخية للشعوب الأخرى، كالكرد والأمازيغ والقبطيين، وللتأكيد على هذه، لا بد من متابعة دراسات المركز ومنشوراته ونوعية حواراته، ومؤتمراته، والتي بعضها تم الرد عليها، في حينها، وبمقالات عديدة (**).
ولتبيان مفاهيم الشريحة التي تسيطر على المركز، سنأتي على أقوال وتصريحات سابقة للمدير العام للمركز العربي السيد العفلقي عزمي بشارة، ورؤيته وتقييمه عن بشار الأسد قبل أن ينقلب وبانتهازية فاضحة وتحت تأثير أموال الخليج، من مناضل فلسطيني انتهازي، إلى مفكر تكفيري عروبي في الدوحة. يقول في مقابلة له مع عدنان أبو ناصر في 16 أيلول عام 2007م، يقول “أعتقد أن الرئيس بشار الأسد أقوى مما يفكرون كثيراً، بشار الأسد هو أحد الأشخاص الموهوبين جداً الموجودين اليوم في العالم العربي، من ناحية المستوى الثقافي ومن ناحية صفاء التفكير أيضاً” ويضيف وفي نفس المقابلة “. أقول إن لدى الرئيس بشار الأسد أفكاراً جديدة حول كيفية التجديد، ولديه حساسية مفرطة لألم الناس ومعاناة البشر، إنني أرى أملاً كبيراً في ذلك.”وعن القضية الكردية في غربي كردستان يقول مستنداً على كتاب البعثي السوري محمد جمال باروت، عن تاريخ الجزيرة الكردية(ميزوبوتامية)، والتي هي الأس الذي يعتمد عليه معظم كتاب وباحثي ومؤرخي المركز أثناء تناولهم للقضية الكردية في غربي كردستان، فيقول في مقالة له نشرت في أبريل عام 2016م عن توزع الكرد في جغرافية غربي كردستان والتي فاقم فيها سذاجة عدد من سياسيينا الكرد والبعض من كتابنا أثناء تعرضهم للوجود الكردي في غربي كردستان، دون وعي للمسيرة التاريخية، فيقول بأنه “…على خلاف وضعهم في العراق، لا يقطن أكراد سوريا منطقةً جغرافيةً محددةً، بل يتوزعون في مناطق واسعة من الجزيرة السورية ” أما عن وجودهم الديمغرافي وتاريخهم في الجزيرة فيستند على أقوال محمد جمال باروت، ويستشهد به في مقالاته عن الكرد في غربي كردستان، وتتوضح أكثر في الكتاب الذي ساهم الكاتبين في تأليفه (مسألة أكراد سورية: الواقع، التاريخ، الأسطرة).
لا شك لولا صعود القضية الكردية، لما عرض المركز العربي للأبحاث، هذا الكم من الدراسات والمؤتمرات والحوارات حول القضية الكردية ومع الكرد. والتي جلها موجهة للطعن فيها، وتشويه تاريخهم قدر الإمكان. ومعظم الذي نشره المركز حول مجريات الحوارات، تبين هذا الاتجاه.
وهي لا تحيد عن النهج الماضي، ولا يلاحظ أي تغيير في مساره، ففي الدراسة التي قدمها شمس الدين الكيلاني في أغسطس عام 2016م، تحت عنوان (المسألة الكردية في سوريا) كما وغيرها التي جميع الحقوق محفوظة للمركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات، تتضمن محتوياتها النهج الذي تم عرضه في دراسات ومؤتمرات سابقة وتتطابق مع معظم التي عرضه المحاورون العروبيون في المؤتمر الأخير. ففي الصفحة الثانية وكمدخل تتوضح خلفية الأهداف والغاية من الدراسة، عندما يقول ” لقد أثرت عوامل عديدة في نشوء المسالة الكردية في سوريا؛ إذ يبدو أن الهجرة الكردية الكثيفة من تركيا قامت بدور مهم في تكوين الجماعة الكردية السورية في الجزيرة السورية” وليبلغ هدفه يستند على الكاتب آرشاك سافرسيان، وكتابه (الكرد وكردستان) فيعرض مقولته “ومنذ أن قامت تركيا باضطهاد القبائل الكردية حدث تدفق كردي كبير من تركيا على سوريا، فاستقرت هناك، وعمل أفرادها مزارعين ومربي ماشية على طول الجانب السوري من خط سكك الحديد الذاهب إلى بغداد، ولا سيما في الزاوية الشمالية الشرقية المتاخمة للعراق وتركيا”. ويضيف عليها مفهومه فيقول مع استناد على قول الكاتب أديب معوض وكتابه (الأكراد في لبنان وسوريا) ” فالأكراد في سورية قسمان: أولهما امتزج “إلى حد لم يبق معه أثر لقوميتهم، وآخرون لم ينفكوا على كرديتهم يحرصون عليها وعلى مظاهرها كل الحرص، بل هناك، كما في لبنان، من جاؤوا من كردستان التركية أو من سواها””. وهنا لا نضيف مقاطع أخرى من تلك الدراسة فهذا كان لب الموضوع، وغاية الكاتب والمركز.
وبالانتباه إلى هذه الكلمات والنهج نجد رابط وثيق بينه وبين ما يطرحه محمد جمال باروت في كتابه عن الجزيرة، ومقالات عزمي بشارة عن الكرد، وهي أن دل على شيء فإنما يدل على أن المفهوم والتلاعب بالتاريخ مدروس بتخطيط وعلى مستويات دولة قطر وغيرها، وكل طرف يعرضه بصيغه وأسلوبه، وفي النهاية الهدف هو فبركة التاريخ العربي في المنطقة، وتشويه تاريخ الكرد، وإظهار الوجود الكردي في غربي كردستان كقبائل مهاجرة من تركيا، حتى بدون ذكر أسم كردستان. وهم يتناسون وبخباثة، أنه حتى لو افترضنا أن هذه الهجرات حدثت فهي كانت في معظمها قبل نشوء الدولتين التركية الكمالية والسورية العروبية، وكانت في معظمها تحركات للقبائل الكردية التي كانت أملاكها تمتد مع امتداد مراعيهم، وتصل حتى مصب الخابور في الفرات، وهي مناطق ضمن جغرافية كردستان، ولم تكن تختلف عن تنقلات القبائل العربية ضمن شبه الجزيرة العربية.
فعملية عرضهم للقضية الكردية، وتأييدهم لها، في بعدها العام ضمن تركيا أو شمال العراق أو إيران، محاولة للتغطية على الطعن في قضايا قومية وتاريخية أخرى، ومنها عرض جنوب كردستان كحركة انفصالية، وعزل غربي كردستان عن جغرافية كردستان الكلية. وفي العديد من دراساتهم ومحاوراتهم يمكن ملاحظة أنهم مع حق الكرد حتى في تقرير مصيرهم، لكن بالطرق وفي المناطق التي هم يعرضونها، لذلك كثيرا ما يتماهى معهم بعض القراء الكرد، ولا ينتبهون إلى الغاية والأهداف التي من أجلها يتم دفاعهم عن القضية الكردية! وعليه أردنا من حلقاتنا هذه أن نحذر الإخوة الكرد المدعوين إلى هذه المؤتمرات والمشاركة في الحوارات، والقراء الذين يطالعون دراسات المركز العربي أو باحثيه، إلى ما وراء الكلمة الطيبة التي تتم في الدعوات، والوجه الحضاري الذي يقدمون ذاتهم به.
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
5/1/2017م
بعض من ردودنا وردود بعض النقاد الكرد على المواد التي طرحه المركز أو كتابه:
**:
1- ماذا فعل المربع الأمني بغربي كردستان، نشرنا منه 20 حلقة حتى الأن، وهو رد على مقالات نشرها عدد من الكتاب العروبيين دافعوا فيها عن سلطة الأسد والبعث وبرروا بشائعهم تجاه الكرد، بعضهم موظفين الأن في المركز العربي، إلى جانب بعض الحوارات التي جرت في مؤتمر (العرب وتركيا)، عام 2011م.
2- مؤتمر العرب وتركيا حضور لنشر ثقافة موبوءة، أربع حلقات، رداً على بعض المواد والحوارات حول القضية الكردية في غربي كردستان، والتي جرت في مؤتمر (العرب وتركيا: تحديات الحاضر ورهانات المستقبل) المنعقد بتاريخ 18-19 أيار عام 2011م.
3- من الإسلام إلى التعريب، سبع حلقات، بتاريخ 25/8/2015م رد على حوارات ومواد نشرت تحت عنوان (الإسلاميون ونظام الحكم الديمقراطي: مسائل المواطنة والدولة والأمة) بتاريخ 28 سبتمبر عام 2013م، ووجهناها بشكل خاص إلى مؤتمر المعارضة الإسلامية في الرياض، وطريقة عزلهم الكرد من على أرض منبع الإسلام، والذي نتج عنه الهيئة العليا للمفاوضات، ومعظمهم بعثيين سابقين في سلطة بشار الأسد، أو تكفيريين عروبيين إسلاميين. وللناقد والباحث محمود إبراهيم دراسات قيمة وعميقة في هذا المجال (الإسلام والعروبة).
4- عيوب الحوار العربي الكردي، نشرناها على ثلاث حلقات، في 10/8/2016م رداً على المؤتمر الذي كان مزمعا عقده في غازي عنتاب، ولأسباب نقل إلى برلين.
5- الصور النمطية المعيقة للعرب والكرد، أربع حلقات، نشرناها في 8/7/2016م جوابا للموضوع المقترح الحوار عليه في مؤتمر غازي عنتاب.
6- مصداقية الباحث العربي، محمد جمال باروت مثالاً، تم نشر 13 حلقة حتى الأن، ردا على كتاب (التكوين التاريخي الحديث للجزيرة السورية) لمحمد جمال باروت، والذي تم نشره بدعم من المركز العربي.
7- دارسات ومقالات نقدية مهمة، كتبها البعض من الكتاب والباحثين الكرد، كردود على الدراسات التي صدرت من المركز العربي للأبحاث، وعلى سبيل المثال لا الحصر، ما قدمه الناقد والباحث القدير (إبراهيم محمود) وفي عدة مقالات وأبحاث ألقيت في ندوات ثقافية، ودراسة موسعة ضمن كتاب ضخم فكراً وحجما، سينشر قريبا. وكذلك مقالة نقدية للكاتب والباحث الكردي (ريناس بنافي) في 1/1/2013م رداً على كتاب (مسألة أكراد سورية: الواقع، التاريخ، الأسطرة) وهو من تأليف محمد جمال باروت وعزمي بشار، وحمزة مصطفى، والكتاب كان بطلب من المركز، والمقال تحت عنوان (ظاهرة الصراعات الإثنية). ومقالات للسياسي الكردي صلاح بدرالدين عن عزمي بشارة ودوره في المركز العربي، وتاريخه السياسي. إلى جانب مساهمات أخرى لكتاب وباحثين كرد في هذا المجال.