قهرمان مرعي
أنعقد مؤتمر حزبنا السابع بتاريخ 29/3/2013 بعد مرور سنتين على الثورة السورية في وقت كان النظام آيلاً للسقوط وهو في أسوء أوضاعه في معظم الجبهات, في حين كانت معظم مناطق كوردستان سوريا تنعم بالسلم والأمان ولم يكن قد تبلورت علاقة (ب .يه. دا) فرع (بى .كى.كى) مع النظام بعد الإستلام والتسليم الذي جرى بينهما, بالشكل الذي آلت إليه الأمور حالياً من إستهداف الوجود الكوردي على أرضه التاريخية بالحصار و الحرمان و الإفراغ من السكان, من خلال سوق أبنائه وبناته إلى محرقة جبهات القتال خارج مناطقهم, لصالح النظام ودفع ما تبقى منهم نحو الهجرة بالملاحقة والسجن والتجنيد , مما نتج عنه إخلال بالتركيبة الديمغرافية, بتثبيت المستوطن سابقا وتوطين المنزوح لاحقاً, و بروز شوفينية عربية متجددة مناهضة للحقوق القومية الكوردية المشروعة, سواء النظام أو المعارضة , بالتناغم مع المفاهيم و المصلحات الغامضة التي أطلقتها منظومة حزب العمال الكوردستاني في معظم إجزاء كوردستان.
وفي وقت كانت الحركة السياسية الكوردية موحدة, ممثلة بالمجلس الوطني الكوردي, الذي حافظ على خاصية سلمية الثورة , بالرغم من المآخذ على أدائه وتعدد ولائه حينذاك , وبروز التيار القومي الديمقرطي الكوردستاني من خلال الأعلان عن الإتحاد السياسي بين عدة أحزاب من ضمنهم حزبنا وكانت الأمال معقودة على الشراكة مع (الإدراة الذاتية) ل (به ,يه, دى) على أمل جعل كوردستان سوريا , مناطق آمنة , سواء الجزيرة . كوباني , عفرين , لما تتمتع من هدوء وسلم وجوار أقليمي مناسبين لتنشيط عمل المنظمات الدوليه و إعتبارها ملاذ آمن لمعظم السوريين .
لا يخفى على أحد الأوضاع التي آلت إليها مناطقنا بسبب السياسات الكيدية لحزب العمال الكوردستاني و ما جرى لأحزاب الحركة السياسية من إصطفافات و إعادة رسم تمحورها السابق بخلتطها الجديدة, المال السياسي والمنافع الآنية والنفوذ الوهمي , وصعوبة إمكانية الإستدارة نحوالقواسم المشتركة التي فقدت بوصلتها , لأسباب كثيرة منها إستمرار الصراع بين الأطراف الكوردستانية المتنفذة وتبعية الجسم السياسي الكوردي في سوريا لتلك الأطراف وبالتالي بروز مشروعين متناقضين متناحرين , المشروع الوطني الكوردستاني نحو بناء الدولة المستقلة , الذي يتزعمه السروك بارزاني ومن خلفه جماهير شعب كوردستان وحركته القومية و المشروع الآخر الذي يمثله ( بى.كى.كى ) وبجانبه القوى المحلية العنصرية والمذهبية والدول الإقليمية الغاصبة ل كوردستان .
في حين لا يمكن التغاضي عن الجهد السياسي الذي بذله المجلس الوطني الكوردي الذي يشكل حزبنا أحد دعائمه , سواء مع المعارضة السورية أو في إطار التعريف بالقضية الكوردية في سورية للعالم , وعلينا الإدراك جيداً بأن تلك الجهود لم ترتقي إلى المستوى الذي من شأنه تحقيق نتائج , سواء من خلال إعتراف المعارضة العربية السورية بالحقوق القومية المشروعة للشعب الكوردي وفق خصوصيته وتمايزه الإثني والثقافي , في سوريا المستقبل كدولة إتحادية ( فيدرالية ) يضمن حقوق مكوناته دون إستثاروتسلط , أو أعتراف الجهات الدولية الراعية لعملية التفاوض بتمثيل كوردي مستقل , يشكل رافعة و ثقل لبداية طريق في قبول مطالب الشعب الكوردي , إنظلاقاً من وجوده التاريخي وإلحاق جزء من وطنه كوردستان بـ دولة سوريا, حتى نكون في منئى من الصراع بعد سقوط النظام .
في خضم الأحداث المتسارعة اليومية بل اللحظية, لم تعد للخطط أو البرامج السياسية أي دور في رسم تحركات الأحزاب وتصوراتها المسبقة للأوضاع ولم يعد للمواقف السياسية نفعاً, إلا بمقدار قربها وبعدها من مراكز صنع القرار في الحدث السوري , ناهيك عن أستئثار الجهات و الاطراف المسلحة بسلطة القراروالحكم في مناطق النفوذ تلك, سواء بالشراكة مع النظام كما في حالة المناطق الكوردية أو مع الاطراف الدولية والإقليمية الاخرى التي تتصارع وتقتسم النفوذ على رقعة الأرض , فحالة المجلس على الأرض في تراجع وخاصة بعد الإجراءات الأخيرة لسلطة الوكالة بإغلاق المكاتب ومراكز النشاط المدني والسياسي السلمي في خطوة لإنهاء الحياة السياسية في كوردستان سوريا, فهو تكرارلما سبق للحزب الأب ( بى. كى.كى) من إجترار لتجربته المدمرة في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي في كوردستان تركيا , وفي هذا المجال لا بد من التذكير بالدور الكبير الذي مارسه جماهير وقيادات المجلس الكوردي في مواجهة هذه السياسات في الداخل من منطلق القناعة الراسخة بحتمية إنتصار قضية الحق في مواجهة الباطل أياً كان مصدره ومنشئه وأن حرص الخيرين من ابناء شعبنا على عدم التصادم ناتج عن وعي وإدراك لخطورة المرحلة التي تمر بها كوردستان عموماً وإقليم كوردستان سوريا خصوصاً ولتفويت الفرصة على المتربصين بالإساءة لقضيتنا العادلة .وإنه مهما توسعت دائرة الأعداء فلا يمكن لها النيل من إرادة شعب حي وأصيل,واجه الصعاب الجم خلال مسيرة قرن من تشكل الدولة القومية في الشرق الأوسط ولم يزل يقاوم في سبيل حقوقه المشروعة لتشكيل كيانه الذاتي على أرضه التاريخية .
في ظل ما سبق من مخاطر تحدق بقضيتنا , يأتي موعد مؤتمر حزبنا كإستحقاق تنظيمي وسياسي لا بد منه لمراجعة وتقييم دورته العادية , بعد مرور أربع سنوات ,و رسم سياساته وفق المعطيات المختلفة والمتعددة,التي تضج بها الساحة السورية والكوردستانية والأقليمية والدولية والمستجدات المتلاحقة في هذا الشأن , لكن السؤال هنا أي مؤتمر ننتظره.
في البداية هل يملك حزب يكيتي خاصية التجديد من حيث المضمون بالرغم من تداول سكرتارية الحزب من حيث الشكل , منذ إنظلاقته الثانية عام 2000م
كما هو معروف إن الحركة الكوردية تنقسم دائماً على ذاتها ,وأن معظم الاحزاب الكوردية التي توالدت عن بعضها ناتج عن أزماتها الداخلية المتمثلة بصراعات شخوصها في الإستفراد والتحكم أو الاستحواذ ولم يحدث في تاريخ الحركة السياسية الكوردية أن قام حزب بحل نفسه ولو بقي شخصاٍ واحدا وأسرته وهكذا في كل سنة يزيد رقم أو أكثر على عدد الأحزاب , لتبدأ دورة تقسيم كعكة الجماهير بينها بإدعاء تمثيلها , فيما لم يعد التعويل على الحزب الجماهيري ذات جدوى , بسبب تبعية القرار وفقاً لتعدد الولاءات للأحزاب الكوردستانية في رقعة الجزء الأصغر من كوردستان , لأسباب كثيرة , تعود إلى الصراع بين قطبي البعث وإستخدام النظام الأسدي القضية الكوردية كورقة مساومة في معظم المراحل , بحيث لم يتبلور فكرة إحترام خصوصية هذا الجزء لدى أبناءه بالأصل , لهذا نرى أن الصراع الحالي المتمثل بإستفراد ( بى .كى .كى) على مفاصل الحياة , قد أخذ أبعاداً كارثية على وجود شعبنا .
هل النموذج التنظيمي المعمول به في الأنظمة الداخلية للأحزاب الكوردية ومنها حزبنا يعتبر ناجعاً وقد طوى الزمن تلك الحقبة التي أستمرت قرناً كاملاً من الإلتزام والإلزام الذي كان من نتائجه التعددية المفرطة بسبب تسلط المركزية , ولم نزل نتعامل مع تلك المفردات التي كانت معمولاً بها في المعسكر السوفيتي السابق , وفق مبدأ ما كانت تسمى ب (المركزية الديمقراطية) التي تعتبر بموجبها قرارات الهيئات العليا ملزمة للهيئات الدنيا , دون أن تشارك في صنع القرار, في حين قد تضيق دائرة إتخاذ القرار في الصف الأول حتى تنحصر في داخل الدوائر المغلقة, دون مراعاة أي إعتبار للرأي المخالف بسبب آليا التصويت التي يلجأ إليها الأشخاص المتنفذون داخل الأحزاب الكوردية بتغليب مصالح بعض الأفراد على مصلحة الحزب والقضية التي أوجد الحزب ذاته من أجلها , فـ الإشكالية هنا أن العقل السياسي الكوردي لم يتخطى المحددات النفسية والإجتماعية للبنى التقليدية القبلية للإنسان الشرقي بشكل عام, وكذلك مفاعيل إستبداد أنظمة الحكم في الشرق الأوسط وبخاصة الغاصبة لكوردستان .
بعد تبعثر جسم التنظيم بين الداخل والخارج , بحيث أصبحت العودة مصيدة للفئات العمرية الشابة التي تشكل عصب الحياة في المجتمعات الفتية كالمجتمع الكوردي الذي لم يتخلص من مسببات الألم بعد مرور ست سنوات من عمر الثورة دون أن يأخذ فرصته بالمعافاة بسبب إزداوجية التسلط ( النظام – به .يه .دى) في مناطقه وفرض الحصار والمنع والحرمان عليها .
ماذا عن جدوى إستمرار النضال السياسي السلمي في ظل القمع الحاصل من قبل النظام ووكلاءه وأعوانه , في ساحة يزداد الصراع والتناحر بإضطراد وقد يأخذ أبعاداً عنصرية , بسبب السياسات التآمرية التي يمارسها أعداء شعب كوردستان , في الوقت الذي يتم فيه ترتيب مناطق النفوذ المفيدة بتسريع إجرات التغيير الديمغرافي القسري لصالح المشروع الطائفي في المنطقة. أسئلة قد تكون بحاجة إلى تفاصيل أوضح نطرحها , عسى أن نتشارك جميعا في بناء تصورات لحياة سياسية أفضل .
في 24/4/2017
جريدة يكيتي العدد 238 – نيسان /2017