هل يصمد اتفاق أستانا ؟

توفيق عبد المجيد
مصطلحات كثيرة دخلت القاموس السياسي من مثل :
ضبط الأعمال القتالية – مناطق آمنة – تخفيف التصعيد – تخفيف التوتر – وقف إطلاق نار .
ومن المتعارف عليه أن كل هذه المصطلحات تبتعد عن التفاصيل لأن الشيطان يكمن فيها ، وتبقى هكذا ضبابية لئلا تلامس المصطلحين المعروفين : وقف إطلاق النار وتحديد مناطق آمنة في إدلب وحمص والغوطة ودرعا ، دون أن تشمل الاتفاقية كل سوريا ، بل تشمل مناطق لازالت هي الأخرى موضع اجتهادات واختلافات حتى في تحديدها وتفسيرها .
الوفد التركي فقط كان صائباً في تعريف تلك المناطق ، وهو وحده من سماها ” مناطق آمنة ” وهذه المناطق كما يعرفها ويعرّفها الملمون بهذه المفردات والمصطلحا يتوقف فيها القتال ، ويحظّر فيها الطيران الحربي ، ويرسل إليها مراقبون يشرفون على وقف إطلاق النار لتدخلها المساعدات الإنسانية ، ويعود إليها المهجّرون والمهاجرون ليبدؤوا بترميم وتصليح ما دمرته الحرب .
ومما يزيد من الشكوك حول صمود هذه الاتفاقية بمصطلحاتها الضبابية الكثيرة أن أمريكا نفسها عبرت عن شكوكها سيما وأن إيران المعتدية والمتدخلة في الشأن السوري طرف ضامن ، والمعارضة السورية غير متفائلة بشأن الاتفاقية أيضاً لغموضه وعدم مشروعيته ، ووجود إيران بقوة في الاتفاقية كفيل بنسفه ، ومنح جيش النظام نصراً عسكرياً لم يحققه ، ودون استناد الاتفاق على أي مرجعية سياسية وانتقال سياسي منصوص عليه في القرارات السابقة .
والسؤال أو الأسئلة التي تفرض نفسها على المتابع للأحداث كثيرة ومشروعة على ضوء عدم وضوح حتى خرائط المناطق الأربع وجغرافيتها ، فهل جاء القرار لأجل المناطق المتصارعة والمتحاربة بمعنى أن المتحاربين في هذه المناطق عليهم أن يلتزموا بتخفيف حدة القتال فيما بينهم ، وتركيز جهودهم القتالية على داعش وحدها ؟ وهل سينفذ القتال على الأرض ؟ ولماذا لم يشمل كامل الأراضي السورية ؟ وما الفرق بين كلمتي ” تخفيف ” و ” إنهاء ” ؟ وهل جاء القرار لإنهاء الأعمال القتالية أم لتخفيفها ؟ وهل يعني هذا أن تستمر الحرب ويسمح بقتل أعداد قليلة من السوريين ؟
أما بشأن المنطقة الكردية والتي تبدلت تسمياتها كثيراً ، فمن كردستان سوريا ، إلى روزافا ، إلى الشمال اللسوري ، كيف صنفت ؟ هل اعتبرت منطقة نفوذ تابعة ومؤيدة للنظام ومحمية وستسلم إليه ؟ أم أن لها وضع خاص لم يتضح بعد ؟ وهل هذه المناطق الأربع ممهدة ومقدمة لتقسيم سوريا مع عدم الوضوح والغموض في وضع المنطقة الكردية ؟ وهل تغلق هذه المناطق ويمنع على الطيران الحربي الأمريكي وطيران التحالف الدولي بالتحليق في سمائها ، ويسمح للطيران الروسي بأن يصول ويجول فيها ؟
كل المؤشرات لا تبشر بالتفاؤل بسبب السوداوية والغموض الذي يلف الاتفاقية وقد دخلت مرحلة الاختبار ، فهل ستصمد الاتفاقية ؟ أم ستلحق بغيرها من الاتفاقيات والهدن الأربع التي لم تصمد ؟ .
6/5/2017

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

بوتان زيباري في رياح السياسة العاتية التي تعصف بأطلال الدولة السورية، يبدو أن الاتفاق الموقّع بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وهيئة تحرير الشام (هتش) لم يكن سوى وميض برقٍ في سماءٍ ما لبثت أن اكتظت بالغيوم. فها هو مؤتمر قَامشلو الأخير، بلغة ملامحه المضمرة وتصريحاته الصامتة أكثر من الصاخبة، يكشف عن مكامن توتّرٍ خفيٍّ يوشك أن يطفو على سطح…

إبراهيم اليوسف لقد كان حلم السوريين أن يتوقف نهر الدم الذي فاض وارتفع عداده ومستواه، تدريجياً، طيلة العقود الأخيرة، أن يُفتح باب السجون لا ليُستبدل معتقل بآخر، بل ليُبيّض كل مظلوم مكانه، أن يتحول الوطن من ساحة للبطش إلى حضن للكرامة. لقد كان الأمل كبيراً في أن تؤول الأمور إلى دولة ديمقراطية، تُبنى على قواعد العدالة والحرية والكرامة، لكن هذا…

صالح جانكو حينما يتوهم القائمون على سلطة الأمر الواقع المؤقتة بأنهم قد شكلوا دولة من خلال هذه الهيكلية الكرتونية، بل الكاريكاتورية المضحكة المبكية المتمثلة في تلك الحكومة التي تم تفصيلها وفقاً لرغبة وتوجهات ( رئيس الدولة المؤقت للمرحلة الانتقالية)وعلى مقاسه والذي احتكر كل المناصب والسلطات و الوزارات السيادية لنفسه ولجماعته من هيئة تحرير الشام ، أما باقي الوزارات تم تسليمها…

خالد جميل محمد جسّدت مؤسسة البارزاني الخيرية تلك القاعدة التي تنصّ على أن العمل هو ما يَمنحُ الأقوالَ قيمتَها لا العكس؛ فقد أثبتت للكُرد وغير الكُرد أنها خيرُ حضن للمحتاجين إلى المساعدات والمعونات والرعاية المادية والمعنوية، ومن ذلك أنها كانت في مقدمة الجهات التي استقبلَت كُرْدَ رۆژاڤایێ کُردستان (كُردستان سوريا)، فعلاً وقولاً، وقدّمت لهم الكثير مما كانوا يحتاجونه في أحلك…