ماجد ع محمد
كان رحمه الله مطرب الملاحم الكردية الفلكلورية (عبدالرحمن عمر ـ أبو صلاح) ذا ذاكرة خصبة وحس فكاهي في استنباط الحلول ومقاربة الإشكاليات، ومن بين ما أذكره من مواقفه في لبنان أنه كان يوماً ومجموعة من السوريين قاصدين بعض أصدقائهم في حي الجناح في بيروت عام 1996 وبعد وصولهم الى المكان تساءل الراحل أبو صلاح ممن معه، كيف سنعرف هذا العنوان إن أردنا المجيء مرة أخرى إلى هذا المكان؟ فجاوبه أبو لاوند الذي كان برفقته، سنعرف العنوان من خلال هذه البقرة المربوطة أمام المحل،
فرد عليه أبو صلاح وهل ستبقى البقرة مربوطه ههنا إلى يوم الدين؟ وهل هذا الباب يشير بأنه بابٌ مزرعة للأبقار أم بابٌ لمحلٍ في الشارع؟ أم البقرة ههنا مؤقتاً عند القصاب ليتم ذبحها اليوم أو غداً؟ أما تعرف بأن بقرتك التي تريد استخدامها كعلامة أو كشاخصة لتستدل بها المكان في المرة القادمة قد تنحر بعد ربع ساعة؟ فانسَ أمرها إذن وابحث عن شاخصة ثابتة أو بناءٍ معروف أو صرحٍ لا يزول اثره بسهولة، حتى تحفظ العنوان جيداً فيفيدنا ذلك في المرة القادمة إن قدِمنا لزياة الأخوة في الجناح.
ومناسبة المقدمة أعلاه عن البقرة المركونة أمام المحل هو التهليل بحضور المدرعات الأمريكية على الحدود التركية السورية، ومشيها الهوينا على التخوم بين روج آفا وتركيا عقب القصف التركي الذي أعقبه ارتفاع ملحوظ في الاحتجاكات الكردية للإنسحاب من مشروع تخليص ما تبقى من المناطق من يد تنظيم داعش، ومرادنا من المثال هو أن الدبابات الأمريكية حالها كحال تلك البقرة التي كانت مركونة مؤقتاً هناك، وأن المدرعات ستغادر المنطقة كما غادرتها البقرة بعد حين، وأن التصرف الأمريكي هو جاء فقط كرد اعتبار خجول من الإدارة الأمريكية على القصف التركي للمناطق الكردية في سوريا، أما محاولة تصور ذلك التصرف الأمريكي على أنه رد مباشر للنظام التركي الذي لا يزال من أكبر حلفائهم في الناتو هو إما يأتي من باب استغباء الناس، وإما هو موضع شكٍ واستهجان لدى كل من كان حريصاً على إدامة عمر الأمان في المناطق الكردية، علماً أنه بموازاة ربط ونزهة المدرعات الأمريكية على الحدود تحدثت وهللت بعض المصادر عن بدء انتشار القوات الروسية في عفرين وقرب الحدود التركية، ردا على التعزيزات التركية التي وصلت الحدود، بالتزامن مع انتشار القوات الامريكية بدءا من الفرات حتى نهر دجلة شرقاً.
مع أن السلوك الأمريكي برمته قد لا يكون أكثر من محاولة أمريكية سطحية لإرضاء الشارع الكردي ومن ورائه حزب الاتحاد الديمقراطي ليتوهموا بأن الأمريكان وقفوا بوجه الجيش التركي كرمى عيونهم، بينما الغاية القصوى لتلك الحركة المسرحية المؤقتة للأمريكان هي حتى ينسى الشارع الكردي امتعاضه من الإعتداء الذي نتج عنه ضغط جماهيري على الاتحاد الديمقراطي لكي يوقف خدماته للتحالف الدولي وفي مقدمتهم الأمريكان في الطبقة والرقة وغيرها من المناطق التي لا تعني الكرد بشيء، وبالتالي لكي يثابروا على تحرير المناطق التي يريدون انتزاعها من تنظيم داعش ولو على حساب دم آخر عنصر من وحدات الجماية الشعبية الذين تستخدمهم كل من أمريكا وروسيا إلى حين.
وبهذا الخصوص عبّرت جهات كردية حريصة على دم الشباب الكردي، ولا تريد أن يكون الجسد الكردي مجرد جسر مؤقت لقوات التحالف في حربها مع داعش، قائلين بأن اتهام رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي ريتشارد هاس تركيا بعرقلة الحرب على داعش، فيما يتعلق بقيام الأخيرة بقصف مواقع وحدات حماية الشعب، هو كان من باب رفع العتب لا أكثر باعتبار أن الأصوات الأمريكية التي انتقدت الجانب التركي كانت من مستوى الدرجة الثالثة في الإدارة الأمريكية أي أن أصحاب القرار الأمريكي لم يعطوا أصلاً أية أهمية قصوى لذلك الموضوع.
وحيال العجز السياسي لحزب الاتحاد الديمقراطي وفشله في أن يكون صاحب تأثير على مراكز القرار السياسي في العالم، بالرغم من أنه قدم ولا يزال يقدم آلاف الضحايا أكثر من كل القوى المشاركة في التحالف الدولي، ومحاولة لجوئه أو الدفع بأنصاره لأن يطالبوا بقصة الحظر الجوي، قال المهندس زهير علي متسائلاً باستهجان “اذا كنتُ من التحالف الدولي وعلى أرضي عشرة آلاف جندي أمريكي وعلى الأقل ثلاث قواعد عسكرية أمريكية وشبه قاعدة روسية، والتحالف الذي أنا جزء منه يضم ستين دولة وانا القوة العسكرية الأساسية فيه على الأرض، أليس طلب الحظر الجوي هو تغطية واضحة على العجز السياسي والدوبلوماسي لي ولمنهجي وخطي السياسي”؟.
وفي السياق عينه كان الدكتور محمود عباس قد أورد في مقالته المعنونة باسم:(لماذا سمحوا لأردوغان قصف كردستان) بأن “الإدارة الأمريكية أو لنقل على مستوى الكونغرس والبيت الأبيض ووزارتي الخارجية والدفاع لا تعيران الكرد عامة ومن ضمنهم إدارة روج آفا المتمثلة بال ب ي د دوراً سياسيا ذات أهمية دولية ولا يعاملونهم بسوية أحد أحلافها في المنطقة، ولأن التعامل معهم ليس على سوية بحث قضاياهم في الهيئات العليا، فلم يرتقيا تعامل الطرفين مع الحركة الكردية في غربي كردستان إلى سوية وزارة الخارجية والدفاع، وعليه فلا يرقون إلى مرتبة الأهمية ليكونوا الحليف الذي يدفع بالبيت الأبيض الاعتراض على مخططات واستراتيجية حليفها الرئيس في الناتو أي تركيا”.
ومن باب الاستنتاج نقول أليس الانتشار المؤقت للمدرعات الأمريكية وعدم استصدار أي قرار سياسي حقيقي حيال تصرف الجيش التركي معناه أن تلك القوات ستغادر تلك المنطقة فور تنفيذ الاتحاد الديمقراطي لأجند التحالف الدولي في ريف الرقة ودير الزور؟ وأنه وقتها سيكون حالهم حال البقرة التي رُبطت هناك على باب المحل مؤقتاً، وأن معني هذه المسرحية الأمريكية في نشر المدرعات على الحدو الهدف منه القول لأنصار الاتحاد الديمقراطي بأننا في الوقت الراهن لن نسمح لتركيا بأن تضرب مواقعكم، لذا عليكم الآن متابعة مقاتلة داعش وانتزاع ما نريده من المناطق من التنظيم الإرهابي نيابةً عنا، ومن ثم سيكون لكل حادث حديث، أي أن وجودنا على الحدود مؤقت يا قليلي الحيلة والدهاء السياسي، وأنه فور الانتهاء من المهام المؤكلة إليكم ستعود الأمور إلى ما كانت عليها، وأن الجيش التركي قد يستأنف اعتداءه ذلك الوقت ربما بشكلٍ أشمل وأعنف مما كان عليه، بما أن أنقرة ستدرك وقتها بأن التحالف الدولي لم يعد بحاجة إلى القرابين البشرية المقدمة من الاتحاد الديمقراطي، وقد تغض الطرف وقتها كل القوى الدولية عما ستفعله أنقرة، تماماً مثلما فعل الإعلام الغربي والأوروبي بشكل عام، عندما دمر الجيش التركي نصيبين وبوطان وشرناخ ولم يحركوا أي ساكن حيال كل ذلك التدمير الذي قام به الجيش التركي في المناطق الكردية.
وفي الختام نقول بأن حملة الهشاغات قد تحرك وسائل الإعلام قليلاً وقد تشغل مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي إلى حين، وقد ترفع من وتيرة الإحساس بالمسؤولية تجاه ما يجري للأهل في الداخل، إلا أنها لن تغير شيء من قاعدة التعامل الغربي عموماً والامريكي خصوصاً مع الاتحاد الديمقراطي وإدارته الذاتية، وأن كل هذه الطاقات التي تصرف في الهشاغات ستذهب هدراً كما ذهبت دماء مئات الشباب الكرد المضحى بهم في منبج وغيرها هدراً، طالما أن الحزب غير قادر حتى هذه اللحظة على أن يخرج من عباءة التبعية للأنظمة المغتصبة لكردستان أولاً، وثانياً غير قادر على أن يجعل من نفسه حليفاً استراتيجياً للأمريكان على غرار تركيا وغيرها من دول المنطقة، وإذا كان الاتحاد الديمقراطي فعلاً حريص على سلامة المناطق الكردية من أي عدوان عسكري لاحق، عليه أن يكف عن كونه جندي ميداني للقوى الدولية، وأن يرتقي في تعاطيه معهم إلى مستوى الحلفاء السياسيين الحقيقيين الذين وقتئذٍ لن تقدر تلك القوى الدولية أن تفرّط به لا في الوقت الراهن ولا في وقتٍ لاحق.