توأما بينوسانو يشعلان شمعتهما السادسة…!.

إبراهيم اليوسف
استطاعت جريدة”بينوسانو/القلم الجديد” والتي يصدر منها عددان شهريان، بانتظام، أحدهما باللغة الكردية والآخر باللغة العربية أن تكرس اسمها في المشهدين الثقافي الكردي والسوري، على حد سواء، ليس لأنها ابنة مؤسسة ثقافية كردية يحق لها الاعتزاز بأنها كانت أول مؤسسة ثقافية وكردية ولدت من رحم انتفاضة آذارالمقدسة2004 و تبنت الثورة السورية السلمية فور اشتعال أوارها. ومن يعد إلى إرشيف رابطة الكتاب/ الاتحاد العام للكتاب والصحفيين. المؤسسة الأولى لحملة الأقلام الكرد والتي بلغ عدد أعضائها أكثر من أربعمئة زميل وزميلة  يجد أن هذه المؤسسة آلت على نفسها، منذ ولادتها الانحياز إلى صوت المظلومين. إلى صوت المضطهدين، في وجه آلة القمع والدكتاتورية.
حقيقة. إنه وبعد أشهر من انطلاقة الثورة استطاعت الرابطة أن توسع دائرة أعضائها، تدريجياً. لاسيما من خلال استقطاب هؤلاء الكتاب والكاتبات الذين وجدوا فيها أحد عناوين الثقافة المقاومة، وإن كان سينضم إليها- وهو أمر طبيعي وفق تقويمنا- خلال هذه “الفورة”  بعض هؤلاء الذين توهموا أن يجدوا فيها معبراً للحصول على بعض المكاسب، بعد أن قصروا باتجاه الحراك الذي يتم. بل إن بعضهم-وربما في بالي ليس إلا مجرد حالة فردية شاذة- حاول أن يجعلها مطية لأغراضه، وهو متحفظ على اتخاذ أي موقف من النظام الاستبدادي- وإدارة الاتحاد على علم بأمر أمثال هذا الأنموذج وهو جد ضئيل بسلوكه غير الرشيد وغير محفوظ الذمة الأخلاقية – من خلال قفزه بين المراكب الثقافية التي باتت تنشأ. بوصلته في كل ذلك” ما الذي سيكتسبه؟”. وقد كان حتمياً ابتعاد هذا الأنموذج الدخيل على الثقافة عن هذه المؤسسة الثقافية، وفق بارومتر المصلحة، وإن كنا سنجد ثمة زملاء أبرياء، مخلصين، خدموا هذه المؤسسة، سنخسرهم، ويخسروننا، خلال هذه المعمعة، لاسيما وإن تلك الآلة التي تربت جيداً في أحضان المستبد، أو حتى تلامذته واصلت تشويشها على عمل هذه المؤسسة الفاعلة، وإن من قبل بعض العابرين الذين انتبهوا للكتابة لداع واحد، هو أن يدخلوا بها إحدى المؤسسات، حتى وإن كان معيار ذلك طباعة  كتاب تفضحه رائحة اللهاث التسلقي كما أكثر من حالة محددة……!!!!.
 
 
وبالرغم من مثل هذه النكسات العرضية التي عانت منها المؤسسة خلال مسيرتها، إلا إنها ظلت تواصل مسيرها على الخط الذي تخيرته، وذلك لأنها تنطلق من رؤى واضحة، هي- في التالي- نتاج رؤى أسرتها، ومؤسسيها- حيث اعتبرنا وما زلنا نعتبر- كل من التحق بها هومن مؤسسيها، ما دمنا في مرحلة المخاض النقابي، وفي حالة الحرب، واللاوطن، بعيد تجاوزنا نفق العمل النقابي غير المعلن، بالشكل المطلوب، عندما كانت الرابطة صوت الكتاب الهادر في مواجهة الاستبداد وسياسات المحو العنصري بحق هوية الكردي. تقف إلى جانب كتابنا، و إعلاميينا، أنى تعرضوا للأذى من قبل آلة النظام الرهيبة، أو أية جهة مستبدة، وفي هذا ما يشكل ملامح شخصية هذه المؤسسة التي تضم الكثيرين من خيرة الكاتبات والكتاب والإعلاميات والإعلاميين، بالرغم، من استقلاليتنا، وعدم قبولنا أن ننتمي إلا إلى رسالتنا واضحة الهوية.
واستطاعت جريدة بينوسانو التي صدرت نسختها الأولى باللغتين العربية والكردية أن تستقطب كبار حملة القلم، إلى جانب الأسماء الجديدة التي باتت تشق طريقها، وتكرس ذاتها، تدريجياً- ولدينا الكثير من الأسماء- حيث يتم نشر ما لا يقل عن خمسين بحثاً ودراسة ومقالاً ونصاً إبداعياً بل وخبراً،  في الجريدتين، بحيث يجد متابع هذا المشروع الإعلامي تفاعلاً كبيراً من قبله والمشهد الثقافي العام، لاسيما إننا نجد إلى جانب ما هو-استراتيجي- بلغة السياسي-تلك المادة اليومية- لتحقق بينوسانو تكاملية الإعلامي والثقافي، ضمن هذا الوعاء الإلكتروني الذي يصل إلى آلاف المتابعين، بتين اللغتين: العربية والكردية.
لن أذيع سراً حين أبين أن حلمنا لما يزل يتجسد في أن تصل الجريدة مطبوعة إلى يدي متلقيها، إلا إن إمكاناتنا البسيطة لا تسعفنا في تحقيق هذا الطموح الكبير، وذلك لأننا آثرنا ألا نمد أيدينا إلى أحد، ومن هنا، فإن كتابنا لما يزالوا يكتبون بشكل تطوعي، كما أن أسرة الجريدة تعمل بشكل تطوعي، لأننا نحمل في أعماقنا هاجس الثقافي الإعلامي ذي الرسالة، ونرى أن مهادنا قد غدا ساحة صراع، وفي هذا ما يعزز ثقتنا وإيماننا بالمهمة التي نؤديها.
كما لابد من الاعتراف أن جريدتنا: التوأم بينوس، بالرغم من المصاعب المستمرة التي تواجهها فإنها تستطيع- وعبر خط مسيرها البياني التصاعدي- أن تترك أثرها البين، الملحوظ، من قبل المتابع المنصف، الجاد، المهموم بثقافته وقضيته، ليلمس ذلك التطور الذي تنجزه، سواء أكان ذلك على صعيد الإخراج الفني، أو على صعيد المحتوى، وما إصدار ستين   عدداً-من كل جريدة أي مئة وعشرين عدداً من الجريدتين- حتى الآن إلا أكبر دليل على اعتبارنا الجريدة- الكردية منها والعربية- جزءاً من أدوات عملنا الثقافي في خدمة إنساننا ومكاننا، من خلال وعي حقيقي، بعيداً عن الابتذال و المهاترة.
 
لا يمكن لأي تاريخ للصحافة الكردية-المقاومة- في مهادنا إلا وأن تتناول تجربة الاتحاد العام للكتاب والصحفيين، كعلامة ثقافية بارزة، من خلال تعاضد افراد أسرته في أداء رسالتهم، عبر وعي عال، كما أنه لا يمكن لأي تاريخ للصحافة الثقافية إلا وأن تعنى بتجربة”بينوسانو” من خلال الدور الذي أدته، وفي أحلك الظروف، عندما افتقد الكثيرون البوصلة. إذ كانت له رؤيتها، وفعلها، بعيداً عن أي تهافت وزئبقية عرضيين، وهو ما كان أن يتحقق-في الواقع- إلا عبر تضافر جهود  المئات من أصحاب الأقلام الذي وثقوا بهذه المؤسسة، وتعاونوا معها..!.
وإذا كانت جريدتنا قد ولدت كحاجة ثقافية كردية، بعيد الثورة السورية، وفي فضائها- وهي الحقيقة التي نعلنها ونعتز بها- فإنه كانت لدى أسرتها معادلتها، ورؤاها، لاسيما وأننا اخترنا ولادتها في يوم الصحافة الكردية من العام2012، تحديداً، كدلالة رمزية إلى هويتها، أي بعد مرور حوالي سنة على بدء الثورة. إذ تفاعلت الموضوعات اليومية التي تنشرها مع فضاء مهاد كتابها، لتكون في التالي، سجلاً لمرحلة صعبة، تراجيدية، خاصة، إذا استقرأنا التحولات الهائلة التي تمت، في ظل الحرب التي نجمت في هذا الشريط الزمني من الثورة التي تمت محاولات الإجهاز عليها، من قبل أدوات وجهات كثيرة، في خدمة آلة النظام التي لم يهمها لا إنسان المكان ولا المكان نفسه، طالما هناك موطىء كرسي يسع مؤخرته…!.
ولن أكون منصفاً البتة ان أتحدث عن بينوسانو، من دون أن أشير إلى الجهد العظيم الذي يقوم به الصديق خورشيد شوزي الذي فاجأنا منذ العدد الثالث        من الجريدة، بأنه يعمل بطاقة مؤسسة كاملة. إذ هو- في الواقع- الكاتب- المحرر-الفني المخرج،  ورئيس التحرير إلخ، ويستهلك توأم بينوس الذي كبر منه حوالي عشرين يوماً من كل شهر. بل إنه يعمل في اليوم الواحد أكثر من عشر ساعات، في مطبخ الجريدة: صالة بيته الصغير، عالمه الجريدة. منذ وضعه مخطط كل عدد، و من ثم  تكليفه لكتاب كل عدد بالكتابة، ومروراً بمتابعة بريد  الجريدة، وتدقيق المحتويات، إلى لحظة إعداد فهرست محتويات العدد، وتوزيعه، لتأتي مهمة فني الموقع الإلكتروني البسيط بنشره العام، وجعله في متناول كل مبحر للفضاء الافتراضي، على امتداد العمارة الكونية.
 
ثمة كتاب، التزموا مع بينوسانو منذ العدد الأول وحتى الآن، وقد بحثنا في هيئة التحرير أمر تدوين أسمائهم”د. محمود عباس أحد هؤلاء” لنشرها ضمن عدد خاص، على أمل أن يتم تكريمهم، لاحقاً، أنى توافرت إمكاناتنا، كما أن كل من كتب مجرد مقطع صغير، ضمن هذا المشروع الثقافي الإعلامي العام، هو في دائرة من يكرموننا بمشاركتهم، كما أنهم من عداد من سنحتفي بهم، ونكرم أسماءهم، أنى واتتنا الفرصة المناسبة، وقد تكون سانحة، إن تكللت بحرية وتحرير مكاننا بسقوط دواعي الاستبداد، بكل أشكاله، في مهادنا ذاك الذي طالما دفع ضريبته الكبرى، وهو في طريقه إلى ضفاف الحرية المنشودة.
وإذ كنت أحيي الصديق خورشيد، فإنني أحيي كلاً من الصديقين: د. أحمد خليل وإبراهيم محمود اللذين تتاليا على رئاسة تحرير بينوس العربي، والصديق الكاتب قادو شيرين الذي رأس تحرير بينوس الكردي. كما أحيي الصديق عبدالباقي حسيني وفريق تحرير بينوس الكردي. بل وفريق تحرير بينوس العربي، وواضع لوغو الجريدة والرابطة: عنايت ديكو أحد أقطاب مشروع الاتحاد، وكل من عمل ويعمل فنياً، في خدمة الجريدة، ويحتاج هؤلاء إلى وقفة خاصة. إذ إننا لن ننسى دور كل من خدم هذا المشروع الثقافي الإعلامي المهم.
وأحب أن أبين أن أبواب الجريدتين مفتوحة لكتابنا وكاتباتنا جميعاً. كما أن أبواب قلوبنا مفتوحة لزملائنا  اللواتي والذين غادرونا لهذا السبب أو ذاك. فإننا- أيضاً- نتحمل المسؤولية، لاسيما من قبل من يرى فينا موئلاً للثقة والتغلب على الظروف القاهرة. وأشدد على أن من غادروا الرابطة لهذا السبب أو ذاك-ماعدا حالات طفيفة جداً- هم أصحاب أقلام شريفة، وعزيزة، وسنظل معاً في خندق واحد، نؤدي مهماتنا الثقافية الإعلامية…
ومعاً يداً بيد على طريق الموقف والكلمة والإبداع
وكل عام وأنتم بخير…!.
 
*افتتاحية بينوسانو العدد60

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لقطات من المسافة صفر: يقف عند باب منزله في الشيخ مقصود، ذات صباح أسود، وهو يحدق في الجدران التي شهدت تفاصيل حياته. على هذا الحائط علّق صورة عائلته الصغيرة، وعلى ذاك الركن كانت أول خطوات طفله. كل شيء هنا يروي حكاية وجوده، لكن اللحظة الآن تعني الفقد. جمع بضع” حاجيات” في حقيبة مهترئة، نظراته ممتلئة بالحزن، وكأنها تقول…

عبدالرحمن كلو يبدو أن منطقة الشرق الأوسط أمام معادلة توازنية جديدة وخارطة علاقات أساسها أنقاض المشروع الشيعي العقائدي المهزوم. ويمكن تسمية المرحلة على أنها مرحلة ما بعد هزيمة دولة ولاية الفقيه. فحرب غزة التي أشعلتها إيران نيرانها أشعلت المنطقة برمتها، ولم تنتهِ بصفقة أو صفقات كما توقع البعض، إذ خابت كل التوقعات والمراهنات بما في ذلك مراهنات البيت…

قهرمان مرعان آغا تقع موصل على خط العرض 36.35 على إمتداد إحداثيات موقع حلب 36.20 بالنسبة للحدود السياسية التركية جنوباً ، والنظر إلى الخريطة تفيد إنها تقع على خط نظري واحد و تعتبر تركيا هذه المساحات مجالها الحيوي منذ تشكلها كدولة إشكالية سواء من حيث الجغرافيا أو السكان وتتذرع بحماية بأمنها القومي و ضرورة رسم منطقة آمنة لها ، لكنها…

إبراهيم اليوسف إلى أين نحن ذاهبون؟ في الحرب الغامضة! ها نحن نقف على حافة التحول المباغت أو داخل لجته، في عالم يغمره الغموض والخداع، في مواجهة أحداث تُحاك خيوطها في غرف مغلقة لا يدخلها إلا قلة قليلة. هذا الزمن، بملامحه الغامضة، رغم توافر أسباب وضوح حبة الرمل في قيعان البحار، ما يجعلنا شهودًا على مأساة متكررة…