لماذا سمحوا لأردوغان قصف كردستان

د. محمود عباس
 لا تناقض بين تصريحات إدارة أردوغان والإدارتين الروسية والأمريكية، كما ولا يجب تكذيب أو تصديق أي طرف، فهي مجرد خباثة سياسية وتلاعب بالخبر من خلال أروقة النفاق الدبلوماسي، فتركيا أعلمت القوتين الرئيسيتين ومعهم إدارة الإقليم الكردستاني بأنها ستقصف كردستان، تحت حجة مواقع العمال الكردستاني، وتم إعلام السلطتين السورية والعراقية بقنوات خاصة، وفي لحظة ما بلغ الخبر البعض من قادة العمال الكردستاني داخل الإدارة الذاتية، ونتحفظ على تفاصيلها، وتفاصيل ما تم إيصاله إلى إدارة الإقليم الفيدرالي. وبدراسة القصف تتبين بأنه طغى عليها العبثية، وكأن الغاية كانت أرض كردستان، فتم استشهاد خمسة من البيشمركة التابعين لقوات الإقليم، واستشهاد قرابة عشرين إعلاميا في قرا تشوك وليسوا عسكريين.
 فما تقوله إدارة ترمب على لسان ناطق من الدرجة الثالثة بأنهم لم يستلموا الخبر إلا في المراحل الأخيرة، تقصينا الحدث، كانت حقيقة، لكنها حقيقة مفبركة وغارقة في الخداع، وللتصريح والإدانة خلفياتها، فقد تم الاتفاق مسبقاً على التنديد والتكذيب والرد التركي، وفعلاً استلم الناطقين الرسميين  في وزارتي الخارجية الأمريكية والروسية، المعلومة من هيئاتهما العليا، عندما كانت العملية في مراحلها الأخيرة، علماً بأنهم ابلغوا قائد القوات الأمريكية في كردستان (جنوب وغرب) بإحداثيات القصف، تحت هدف سلامة آليات والجنود الأمريكيين، وفي المرحلة اللاحقة أي بعد العملية بساعات كان لقائد القوات في غربي كردستان علم بكل التفاصيل، وأعطي له كامل الصلاحيات لاستكشاف مناطق القصف، والظهور على الإعلام بعملية الزيارة لتهدئة الشارع، وهنا قصد من الشارع أطراف الحركة الكردية الأخرى، والحركة الثقافية، أما الأطراف السياسية المعنية بالأمر في الإقليمين فتم التعامل معهم بطرق أخرى، ونتجت عنها تصريحات إعلامية بأنها ستؤثر على عملياتهم ضد الإرهاب، وغيرها من التصريحات والبيانات الساذجة سياسياً.
   وحتى اللحظة لم يصدر تصريحاً على مستوى الإدارتين الأمريكية والروسية من الدرجة الأولى، وتتماشى في الواقع الأمريكي مع قادم اللقاء المرتقب ما بين ترمب وأردوغان، مثلما السماح بالقصف بحد ذاته تندرج ضمن نفس الغاية، وكنا قد تحدثنا عنها في مقالنا السابقة ورسائل أردوغان، وهنا تكمن إشكالية التكذيب والتأكيد على إبلاغ المعلومة أو عدمه، حيث التلاعب على السويات الدبلوماسية العليا الخبيرة بالخباثة السياسية، والمراحل التي مرت بها المعلومة قبل نقلها من الهيئات العليا، التي لن تصرح وستبقيها في غموضها، إلى هيئات دونية وإعطاء الصلاحيات لموظفي الدرجة الثالثة بالتصريح، وهم فعلا أبلغوا بها قبل العملية بساعات، أي بعد أن تم دراسة كل جوانبها عسكريا وسياسياً، وهنا تكمن بعدين  حول التكتم الأمريكي والروسي:
1- الإدارة الأمريكية أو لنقل على مستوى الكونغرس والبيت الأبيض ووزارتي الخارجية والدفاع لا تعيران الكرد عامة ومن ضمنهم إدارة روج آفا المتمثلة بال ب ي د دوراً سياسيا ذات أهمية دولية أو لنقل على سوية أحد أحلافها في المنطقة، والأحزاب أو القوات العسكرية، وبشكل خاص غربي كردستان، الذين يتم التعامل معهم في المجالات العسكرية المحصورة ضمن محاربة الإرهاب، وبالتحديد المنظمات الإسلامية التكفيرية داعش وتوابعها، ويمكن تسميتها باستخدامهم على خلفية ما قامت به تركيا الأردوغانية وسكوت كرملين والبيت الأبيض حيالها، كما ولأن التعامل معهم ليست على سوية بحث قضاياهم في الهيئات العليا، وبالـتأكيد علاقات الكرملين ليس بأفضل من البيت الأبيض، فلم يرتقيا تعامل الطرفين مع الحركة الكردية في غربي كردستان بعد إلى سوية وزارة الخارجية والدفاع، وفي الواقع الظروف الذاتية للحركة الكردية وخاصة الأحزاب، تضعهم في سوية اعتبارية متدنية سياسياً، وعليه فلا يرقون إلى مرتبة الأهمية ليكونوا الحليف الذي يدفع بالبيت الأبيض الاعتراض على مخططات واستراتيجية حليفها الرئيس في الناتو، ولا بالكرملين ليبعد أردوغان المنحاز في الفترة الأخيرة إلى استراتيجيتها في مجريات أحداث سوريا، حيث جر المعارضة إلى حيث المبتغى، إلى جانب علاقاتهما الاقتصادية المتصاعدة، وما تم سابقا بالحد من التدخلات التركية في سوريا ومنعها من إقامة منطقة آمنة، كانت مبنية على استراتيجية الدولتين ولم يكن دفاعا عن القوات أو الإدارات الكردية. وعلينا نحن الكرد أن نرى الحقيقة من كل أبوابها، المرة قبل المفرحة، فإن تمادي تركيا العسكري، وتخاذل الدول الكبرى، ناتجة بشكل رئيس من العامل الذاتي قبل أن تكون مؤامرة خارجية، وخلافاتنا وتخويننا للبعض وتحفيز إعلام أحزابنا على تصعيد التلاسن وتوسيع الخلافات، تؤدي إلى ما يتم من قتل الكرد بدم بارد، ولا نستبعد أن تمادينا في خلافاتنا، وسذاجتنا السياسية، أن يكون القادم أبشع.
2- بغض النظر عن الحوارات الجارية ما وراء الكواليس، حيث تبادل المصالح، فهناك قوى وإسرائيل من ضمنها، حبذت القصف التركي لتحديد المد الشيعي أو على الأقل إيصال رسالة لأئمة ولاية الفقيه، بأن محاولاتها بالمرور من خلال كردستان طريق محفوف بالأخطار، وهنا ستكون الإدارة الذاتية والعمال الكردستاني، بشكل أو آخر قد أعطوا مبرراً في هذه المرحلة لأردوغان بالحصول على مباركة من الأطراف المعادية لإيران على إراقة الدم الكردي، وذلك من خلال العلاقة مع الهلال الشيعي، وللتأكيد فقد لحقها القصف الإسرائيلي أطراف مطار دمشق الدولي ولنفس السبب. 
3- كما ويقال إن إدارة ترمب بدأت مرحلة فرز الحلفاء مع روسيا، بشكل خلاف على الشرق الأوسط، ربما لامتصاص القليل من النقمة الداخلية. وتركيا أحد أهم الدول التي لا يود الطرفان التخلي عنها، رغم أنهما يدركون ما تصبوا إليه السلطة الدينية الإسلامية، لحزب العدالة والتنمية، وما تفعله تحت غطاء الليبرالية في الدين، فحقيقة علاقاتها مع المنظمات التكفيرية لا يمكن إخفائها عن استراتيجيي وخبراء الدولتين، وهم يعلمون ما وراء كل دعاية إعلامية، ومطلعون على علاقاتها مع المنظمات الإرهابية وفي مقدمتهم داعش والنصرة، وعليه، فمسايرتها إلى مرحلة معينة، تحت شرط التخلي عن هاتين المنظمتين، الأولى كدعم لاستراتيجية أمريكا والثانية لروسيا، وتوابعها. وعليه سمحتا لها بضرب كردستان، بعملية مشابهة لقصف أمريكا لمطار الشعيرات. قد تلبي طموح جهات عديدة: طموحها بترهيب ال ب ي د في غربي كردستان، وطموح أمريكا إضعاف داعش بتقليل الدعم التركي لها، وكذلك روسيا وسلطة بشار الأسد بتحجيم الدعم للمعارضة المسلحة والتضييق على نشاطات السياسية منها أو إرضاخها لشروط خاصة في مباحثات جنيف القادمة. ولا يعني هذا أنه لا يجب التوقع من (الجاهل-المتجاسر) تكرار العملية.
المطلوب من أطراف الحركة الكردية في غربي كردستان
   هل لنا جميعا أن نقف على ما يجري من كوارث بحق شعبنا، فرغم  إدراكنا أن أعداء الكرد يخلقون التبريرات من العدم، أو يضخمون الموجود، لقتلنا، وكثيرا ما لا يحتاجون إليها، لكن مع ذلك لا بد من الحكمة في العلاقات، وعدم إعطاء تبريرات للقوى الكبرى بالتسهيل للسلطات الإقليمية على قتل الشعب الكردي، فاليوم قامت تركيا وتحت مسوغات هدرت الدم الكردي، دون تمييز، وحصلت على الضوء الأخضر من معظم القوى الكبرى، على خلفية أخطاء الإدارة الذاتية، وعلاقات العمال الكردستاني، وتحالفاته التي تخدم الأجندات الخارجية أكثر من أن تكون للمصلحة القومية، ولا نستبعد غدا أن تقدم الأطراف الكردستانية الأخرى، وعلى خلفية علاقاتها وارتباطاتها، نفس المبررات للقوى الإقليمية الأخرى بهدر الدم الكردي، وفي الحالتين شعبنا هو الذي يراق دمه، وأرض كردستان تقصف وتنتهك حرمتها، والأجندات تبقى خارجية، لا تخدم حاضر ولا مستقبل الشعب ولا القضية الكردستانية.
  لهذا وللمستقبل، نتوجه بطلب إلى جميع الأطراف الكردية والكردستانية، وخاصة الحركتين الثقافية والسياسية في غربي كردستان قبل الأقاليم الأخرى (رغم إدراكنا لإمكانياتنا الهزيلة، وهيمنة القوى الإقليمية والكبرى على مقدراتنا، والتي هي الآمرة والناهية) بأن نتحاور، لنحاول تقليص المبررات للقوى الإقليمية، التي تهدر الدم الكردي بحقد، ولا بد من الاتفاق على أبسط النقاط، ونترك المتخالفة عليها، ونتخلى عن تخوين البعض، وتوزيع صكوك الانتماء إلى الكردية أو عدمه، أطلب من قيادات الأحزاب بتنبيه مؤيديهم على ترك التلاسن، ومن بعض الأقلام التقليل من المزاودة على الشارع الكردي، ونطلب من الإدارة الذاتية إطلاق سراح المعتقلين السياسيين والمثقفين بدون شروط. 
  وليعلم الجميع، إن القوى الإقليمية لن يسمح لطرف بالانتصار على طرف آخر، مهما كان، وسيستمر الصراع والتآكل الداخلي إلى ما لا نهاية له. فكم هي تربتنا ملائمة لذلك، وللتدخلات الإقليمية بيننا! واعلموا أن ما حذر منه أردوغان في تصريحه الأخير 28-4-2017م أمام قمة المجلس الأطلسي في مدينة إستانبول، بأن كل من يفكر بإقامة دولة كردية في شمال سوريا جاهل، وأضاف أن الجهلاء جسورين، خطير جداً، وهي تتلاءم وأهداف أئمة ولاية الفقيه، وسلطة الأسد والمعارضة التكفيرية الإسلامية العروبية. 
  لا شك، الوصف مردود عليه، وهو (يتجاسر) على حرمة دول مجاورة وشعب يطمح إلى بعض الحرية، وبعنجهية السلطنة العثمانية. وليس هنا مربط الخيل، بل في الطريقة التي يدمج بها تصريحه (الجسور) ما بين الفيدرالية والدولة المستقلة وبتقصد وخباثة، لتمويه الإعلام العالمي حول غاية الكرد في غربي كردستان، ولتمرير منطقه حيث الاعتراض على المسارين، الأول تقسيم سوريا المقسمة، وإقامة كردستان حتى ولو بأجزاء، يحرض بين فترة وأخرى أعضاء من المعارضة السورية السياسية لإثارة قضية، النظام الفيدرالي، تحت صيغة التقسيم أو الانفصال، وهنا يتلاقون وسلطة بشار الأسد.
  وبدراسة خلفية تصريحات أعضاء من المعارضة وسلطة بشار الأسد، وكلمات أردوغان الحالية وتصريحاته الماضية، في هذا الاتجاه، نلاحظ بأنه ضد الشعب الكردي عامة وطموحاته، إن كانت الإدارة تحت سلطة ال ب ي د أو أي طرف أخر من الحركة الكردية أو جميعها معا!؟ فكل طرف يفرز المجموعة الملائمة لأجنداته، والكل يرفض الوجود الكردي السياسي في غربي كردستان، ولا شك وكمنطق سياسي فلا عتب على الأعداء، بل علينا نحن الذين نتماهى مع عدو ضد عدو، ونبقي ذاتنا ضعفاء أمام إملاءاتهم، ولا نستثني هنا أحداً من الأحزاب، والسذاجة في قمتها عندما يعري طرف كردي طرفاً، ويتعامى أو يجد المبررات للآخر! ونحن في هذه الجدلية اللامنتهية منذ أكثر من نصف قرن، سياسيا، وقرون عشائريا وقبلياً، ولا أستبعد لو تمكن أحد الأطراف إزالة الأخر المختلف معه، بأنه سيدخل في صراع مع ذاته لخلق جهة يخالفه، وكإننا أما ثقافة ألغاء الذات، ومعارضة النفس، فهل هذه حالة مرضية، أم نحن أمام شخصية كردية غريبة الأطوار، ونحتاج إلى قرون لولادة الشخصية المناسبة!؟
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
28/4/2017م

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…

نظام مير محمدي* عادةً ما تواجه الأنظمة الديكتاتورية في مراحلها الأخيرة سلسلةً من الأزمات المعقدة والمتنوعة. هذه الأزمات، الناجمة عن عقود من القمع والفساد المنهجي وسوء الإدارة الاقتصادية والعزلة الدولية، تؤدي إلى تفاقم المشكلات بدلاً من حلها. وكل قرارٍ يتخذ لحل مشكلة ما يؤدي إلى نشوء أزمات جديدة أو يزيد من حدة الأزمات القائمة. وهكذا يغرق النظام في دائرة…