محي الدين عيسو
هذه الفلاشات الصغيرة ليست من نسج خيالي أو من عالم آخر وإنما من بيئة نتعايش معها يوميا، وربما نأكل ونشرب معهم، فثمة فارق كبير بين من يملك الحكمة والعقل وبين من لا يملكها إن صح التعبير.
وهذا الفارق مرده الطبيعي هي الوعي والإدراك بماهية وحقيقة الأشياء التي تحيط به رغم مرور ورؤية حالات من الحكمة صادرة عن أولئك حتى دون دراسة ولكن نتيجة لتعاملهم الصادق والصريح مع المحيط.
وهذا الفارق مرده الطبيعي هي الوعي والإدراك بماهية وحقيقة الأشياء التي تحيط به رغم مرور ورؤية حالات من الحكمة صادرة عن أولئك حتى دون دراسة ولكن نتيجة لتعاملهم الصادق والصريح مع المحيط.
فالمجنون أو المهبول مصطلح يطلق على فاقدي الأهلية والاتزان والذين هم غير مسئولون عن تصرفاتهم أمام المجتمع، والشيء المشترك بين الاثنين بين العاقل واللاعاقل هو الخوف من السلطة القائمة سواء كان من خلال زي الشرطي ودولاب الأجهزة الأمنية أو من خلال تراكم ثقافة الخوف
وربما عدم الحديث في الأمور السياسية بالنسبة للعاقل خوفا وتحسبا وهو ما يعطي للمجنون الشريك الآخر في الخوف الطلاقة والحديث دون أي حسبان أو تحمل لتبعات حديثهم،وتحمل آلام وصعوبات الحياة في سبيل عدم التصادم مع من يملك القوة والثروة والخيزران ، حاولنا الدخول إلى عوالم هؤلاء الناس البسطاء والاستماع إلى صدقهم وسجيتهم في الحديث ،وكيف يفكرون ويعيشون ؟ بماذا يحلمون ؟ من ماذا يخافون ؟ كيف يزنون الأمور وخاصة السياسية متأملين تحليلاتهم للوضع القائم من منطلق إنهم جزء من الحقيقة الواضحة المعبرة عما يجول في القلوب دون رتوش ومواربات.
على الرغم من إننا لا نملك إحصائية رسمية عن عدد المجانين أو المهابيل في سوريا عموما أو محافظة الحسكة على وجه التحديد ، وهم لا يخرجون كثيراً من أحيائهم التي يحرسونها ويعرفون الداخلين والخارجين أليها وخاصة الفتيات اللواتي يحبسن داخل منازلهن خوفا من جلب العار إلى العائلة ، ونماذج هؤلاء كثيرة ممن صادفناهم أثناء بحثنا عنهم ومنهم :
السيدة سحر الحاقدة على والدها ورحلة الكلام الصريح بيننا في النقل الداخلي .
سحر سيدة تصرفاتها الغريبة تنبؤ عنها فهي في الأربعين من العمر ذات عينين سوداوين ووجه أسمر ، الشحوب يغطي حياتها كما غطى بشرتها السمراء في أصبعها خاتم الزواج من النوع الذهبي ، جالسة في المقعد المعاكس لي للسرفيس المتجه إلى منطقة القامشلي قالت دون استئذان ومقدمات بأنها تكره الشوايا (الشاوي كلمة تلقب على البدوي في محافظة الحسكة) ، وكانت تندب حظها التعيس وتحسد امرأة تجلس في المقعد الأمامي مشيرة إليها ، طلبت مني سيكارة فأعطيتها وفعلت وقدمت لها الدخان والقداحة وهي تستنشق تلك السيكارة بشراهة غريبة ويخرج الدخان من قلبها المجروح والمحروق على منزل تنام فيه وهي المشردة في شوارع محافظة الحسكة ، وقد تحدثت عن معاناتها مع الأهل والأصدقاء والأب والأقارب ، معاناتها مع الكنائس والجوامع ، بدأت تشتم والدها الذي أقفل باب المنزل والحياة في وجهها ومنعها من الدخول ورجمها بالحجارة والمياه الباردة ، فلا منزل أبيها حافظ عليها من التشرد والجنون ولا كنيسة قوميتها آوتها، ولا جوامع جيرانها احتضنتها، فبقيت تتسول في شوارع المدينة بحثا عن مكان تنام فيه.
تحدثت على مدى ساعة كامل عن معاناته مع هذا الزمن وقالت أطلب من أبي الحقير أن يحويني ويبني لي بيتا لأنام مع أبنتي الوحيدة، فهذا الكلب لا يموت الشعب العراقي يوميا يموت ولبنان يحترق وأبي لا يموت .وقد صدمتني بهذه الجملة الغريبة فقلت لها لماذا لا تعطيك الدولة بيتا فقالت الدولة ليس لها علاقة بي وهي غير مسؤولة عني.
أبي هو المسؤول عني ؟!
هكذا، حتى المجانين في وطني يخافون من الحديث عن السياسة ونقد سياسة الجوع والتشرد في وطن من اغني الدول المحيطة ، تحدثت سحر عن مرضها في الرقبة (الغدة الدرقية) فهي لا تملك مالا للدخول إلى المشافي الخاصة والمعالجة عند الأطباء الاختصاصيين ، والمشافي الوطنية لا تستقبلها وقالت بأنها دخلت إلى المشفى الوطني في القامشلي فطردوها وجلبوا لها الشرطة الذين انهالوا عليها بالضرب رغم معرفتهم المسبقة بوضعها الخاص حتى أغمي عليها فذهبت إلى المشفى الوطني في الحسكة الذين طردوها أيضا وعاملوها بطريقة ذاتها من الطرد والركل وهي تنام حاليا في الحدائق العامة وتتسول في الشوارع بحثا عن مكان آمن وغرفة صغيرة تنام مع ابنتها الوحيدة ، سحر بدأت تشتم الله بأقسى العبارات ” علينا هنا لا ننظر إلى الأمور من منظرونا فنظرتنا للأمور والعقائد مختلفة عنهم وأن نوزن كلامهم وفق لإدراكاتهم دون إسقاطات ” وتقول لو كان الله موجودا لقتل والدي وخلصني منه وأمن لي منزلا أنام به
سعدو الشرطي
سعدو أخ لسبع إخوة مجانين وأبن لشيخ جليل في بلدة صغيرة شمال سوريا يمارس هواية أن يكون الشرطي عند مدخل المدينة رأس ماله بدلة وصفارة يقوم بإيقاف السيارات الداخلة والخارجة ويعمل على تنظيم السير ويأخذ الأتاوي من السائقين لكن تسعيرته عشر ليرات فقط بعكس الشرطي النظامي الذي يأخذ خمس وعشرون ليرة أو أكثر
سعدو يكره الأجهزة الأمنية لأنه تعرض إلى التعذيب والضرب المبرح في أحداث القامشلي على أيدي إحدى المفارز الأمنية واعتقل عدة مرات لأنه لا يملك ترخيصا في العمل الذي يقوم به يرفض الحديث في السياسة ويجد فيها مضيعة للوقت ولا جدوى منها فالجميع دجالون حسب رأيه والساسة هم أولئك الدجالين
إسماعيلو من المُعارض إلى الوطني محّملا بالشعارات …فقط!!!
يقف إسماعيلو بمنتصف الشارع العام في منطقة القامشلي يشتم النظام من أصغرهم حتى أكبرهم وفق مختلف المستويات دون حسيب أو رقيب ولا يخشى شيئا ، حتى أصبح إسماعيلو الرئة التي يتنفس منها المعارضة الصامتة في شوارع القامشلي لكن أصحاب الأقلام الجميلة والرفيعة أخبروا الأجهزة الأمنية عن وجود معارض خطر يهدد الأمن العام ويحاول المساس بكرامة الوطن ، فاعتقلته الأجهزة الأمنية لمدة ثلاثة أيام وعاد إسماعيلو إلى نفس الشارع منقلبا إلى آخر لكن حاملا صور الرئيس وأعلام الحزب وينادي بالروح بالدم نفديك ……..
وشعارات أخرى … حتى هذه اللحظة
الشهيد المجنون
كل شيء يبدو عاديا من لا يعرف قاسم عن قرب لا يعلم بأنه مجنون أو مختل عقليا تزوج بطريقة غريبة وله ثلاث أطفال ، تزوج عن طريق الوعيد والتهديد والحب ، كان يحمل جرة الغاز ويذهب إلى بيت الفتاة التي يحب ويهددهم بأنه سيفجر هذه الجرة أن لم يزوجوه حبيبته ، وفي النهاية تزوج وليمارس جنونه وهوايتها في شرب العرق والويسكي إلى حين اعتقاله في أحداث الثاني عشر من آذار ، وتعرض للتعذيب الشديد كباقي المعتقلين وخرج من المعتقل بعد عدة أشهر وآثار التعذيب والصدمات بادية على رأسه ، وبعدها بعدة أيام توفي قاسم فكان بين شهداء أحداث القامشلي ، كان قاسم يخشى الأجهزة الأمنية كثير فهي تلاحقه دائما واعتقلته عدة مرات بسبب حديثه عن السياسة وعن ممارسات النظام تجاه قومه.
وربما عدم الحديث في الأمور السياسية بالنسبة للعاقل خوفا وتحسبا وهو ما يعطي للمجنون الشريك الآخر في الخوف الطلاقة والحديث دون أي حسبان أو تحمل لتبعات حديثهم،وتحمل آلام وصعوبات الحياة في سبيل عدم التصادم مع من يملك القوة والثروة والخيزران ، حاولنا الدخول إلى عوالم هؤلاء الناس البسطاء والاستماع إلى صدقهم وسجيتهم في الحديث ،وكيف يفكرون ويعيشون ؟ بماذا يحلمون ؟ من ماذا يخافون ؟ كيف يزنون الأمور وخاصة السياسية متأملين تحليلاتهم للوضع القائم من منطلق إنهم جزء من الحقيقة الواضحة المعبرة عما يجول في القلوب دون رتوش ومواربات.
على الرغم من إننا لا نملك إحصائية رسمية عن عدد المجانين أو المهابيل في سوريا عموما أو محافظة الحسكة على وجه التحديد ، وهم لا يخرجون كثيراً من أحيائهم التي يحرسونها ويعرفون الداخلين والخارجين أليها وخاصة الفتيات اللواتي يحبسن داخل منازلهن خوفا من جلب العار إلى العائلة ، ونماذج هؤلاء كثيرة ممن صادفناهم أثناء بحثنا عنهم ومنهم :
السيدة سحر الحاقدة على والدها ورحلة الكلام الصريح بيننا في النقل الداخلي .
سحر سيدة تصرفاتها الغريبة تنبؤ عنها فهي في الأربعين من العمر ذات عينين سوداوين ووجه أسمر ، الشحوب يغطي حياتها كما غطى بشرتها السمراء في أصبعها خاتم الزواج من النوع الذهبي ، جالسة في المقعد المعاكس لي للسرفيس المتجه إلى منطقة القامشلي قالت دون استئذان ومقدمات بأنها تكره الشوايا (الشاوي كلمة تلقب على البدوي في محافظة الحسكة) ، وكانت تندب حظها التعيس وتحسد امرأة تجلس في المقعد الأمامي مشيرة إليها ، طلبت مني سيكارة فأعطيتها وفعلت وقدمت لها الدخان والقداحة وهي تستنشق تلك السيكارة بشراهة غريبة ويخرج الدخان من قلبها المجروح والمحروق على منزل تنام فيه وهي المشردة في شوارع محافظة الحسكة ، وقد تحدثت عن معاناتها مع الأهل والأصدقاء والأب والأقارب ، معاناتها مع الكنائس والجوامع ، بدأت تشتم والدها الذي أقفل باب المنزل والحياة في وجهها ومنعها من الدخول ورجمها بالحجارة والمياه الباردة ، فلا منزل أبيها حافظ عليها من التشرد والجنون ولا كنيسة قوميتها آوتها، ولا جوامع جيرانها احتضنتها، فبقيت تتسول في شوارع المدينة بحثا عن مكان تنام فيه.
تحدثت على مدى ساعة كامل عن معاناته مع هذا الزمن وقالت أطلب من أبي الحقير أن يحويني ويبني لي بيتا لأنام مع أبنتي الوحيدة، فهذا الكلب لا يموت الشعب العراقي يوميا يموت ولبنان يحترق وأبي لا يموت .وقد صدمتني بهذه الجملة الغريبة فقلت لها لماذا لا تعطيك الدولة بيتا فقالت الدولة ليس لها علاقة بي وهي غير مسؤولة عني.
أبي هو المسؤول عني ؟!
هكذا، حتى المجانين في وطني يخافون من الحديث عن السياسة ونقد سياسة الجوع والتشرد في وطن من اغني الدول المحيطة ، تحدثت سحر عن مرضها في الرقبة (الغدة الدرقية) فهي لا تملك مالا للدخول إلى المشافي الخاصة والمعالجة عند الأطباء الاختصاصيين ، والمشافي الوطنية لا تستقبلها وقالت بأنها دخلت إلى المشفى الوطني في القامشلي فطردوها وجلبوا لها الشرطة الذين انهالوا عليها بالضرب رغم معرفتهم المسبقة بوضعها الخاص حتى أغمي عليها فذهبت إلى المشفى الوطني في الحسكة الذين طردوها أيضا وعاملوها بطريقة ذاتها من الطرد والركل وهي تنام حاليا في الحدائق العامة وتتسول في الشوارع بحثا عن مكان آمن وغرفة صغيرة تنام مع ابنتها الوحيدة ، سحر بدأت تشتم الله بأقسى العبارات ” علينا هنا لا ننظر إلى الأمور من منظرونا فنظرتنا للأمور والعقائد مختلفة عنهم وأن نوزن كلامهم وفق لإدراكاتهم دون إسقاطات ” وتقول لو كان الله موجودا لقتل والدي وخلصني منه وأمن لي منزلا أنام به
سعدو الشرطي
سعدو أخ لسبع إخوة مجانين وأبن لشيخ جليل في بلدة صغيرة شمال سوريا يمارس هواية أن يكون الشرطي عند مدخل المدينة رأس ماله بدلة وصفارة يقوم بإيقاف السيارات الداخلة والخارجة ويعمل على تنظيم السير ويأخذ الأتاوي من السائقين لكن تسعيرته عشر ليرات فقط بعكس الشرطي النظامي الذي يأخذ خمس وعشرون ليرة أو أكثر
سعدو يكره الأجهزة الأمنية لأنه تعرض إلى التعذيب والضرب المبرح في أحداث القامشلي على أيدي إحدى المفارز الأمنية واعتقل عدة مرات لأنه لا يملك ترخيصا في العمل الذي يقوم به يرفض الحديث في السياسة ويجد فيها مضيعة للوقت ولا جدوى منها فالجميع دجالون حسب رأيه والساسة هم أولئك الدجالين
إسماعيلو من المُعارض إلى الوطني محّملا بالشعارات …فقط!!!
يقف إسماعيلو بمنتصف الشارع العام في منطقة القامشلي يشتم النظام من أصغرهم حتى أكبرهم وفق مختلف المستويات دون حسيب أو رقيب ولا يخشى شيئا ، حتى أصبح إسماعيلو الرئة التي يتنفس منها المعارضة الصامتة في شوارع القامشلي لكن أصحاب الأقلام الجميلة والرفيعة أخبروا الأجهزة الأمنية عن وجود معارض خطر يهدد الأمن العام ويحاول المساس بكرامة الوطن ، فاعتقلته الأجهزة الأمنية لمدة ثلاثة أيام وعاد إسماعيلو إلى نفس الشارع منقلبا إلى آخر لكن حاملا صور الرئيس وأعلام الحزب وينادي بالروح بالدم نفديك ……..
وشعارات أخرى … حتى هذه اللحظة
الشهيد المجنون
كل شيء يبدو عاديا من لا يعرف قاسم عن قرب لا يعلم بأنه مجنون أو مختل عقليا تزوج بطريقة غريبة وله ثلاث أطفال ، تزوج عن طريق الوعيد والتهديد والحب ، كان يحمل جرة الغاز ويذهب إلى بيت الفتاة التي يحب ويهددهم بأنه سيفجر هذه الجرة أن لم يزوجوه حبيبته ، وفي النهاية تزوج وليمارس جنونه وهوايتها في شرب العرق والويسكي إلى حين اعتقاله في أحداث الثاني عشر من آذار ، وتعرض للتعذيب الشديد كباقي المعتقلين وخرج من المعتقل بعد عدة أشهر وآثار التعذيب والصدمات بادية على رأسه ، وبعدها بعدة أيام توفي قاسم فكان بين شهداء أحداث القامشلي ، كان قاسم يخشى الأجهزة الأمنية كثير فهي تلاحقه دائما واعتقلته عدة مرات بسبب حديثه عن السياسة وعن ممارسات النظام تجاه قومه.
ملاحظة : أسماء هؤلاء المجانين غير حقيقة حتى لا تعاقبهم السلطات المختصة بتهمة تصريحات إعلامية توهن نفسية الأمة.