بين أمريكا وروسيا.. خيبات وآمال.

أحمـــــد قاســــــم

 كانت الآمال مفقودة مع عهد أوباما لدى الشعب السوري باتباعه سياسة ” اللاسياسة ” تجاه الأزمة في سوريا, والحرب المعلن من النظام ضد شعب أراد أن يعيش حراً.
 طوال خمس سنوات من القتل والتدمير وتهجير الشعب والتغيير الديموغرافي من قبل النظام للفرض عليه خيار الإستسلام لحكم إستمر أكثر من خمسة عقود من الظلم والإضطهاد. ومع إرتكاب قوات النظام أبشع أنواع من الجرائم بما فيها إستعمال السلاح الكيماوي عام 2013 في غوطة دمشق, إلا أن أمريكا لم تتحرك بما هو مطلوب تجاه النظام في دمشق لوضع حدٍ لجرائمه وإنقاذ الشعب من تلك الحرب المجنونة التي تدفع بسوريا نحو المجهول, ناهيك عن فتحه المجال لتنظيمات إرهابية التي أخذت على عاتقها محاربة المعارضة الديمقراطية وحصر الخيار للمجتمع الدولي بين النظام والإرهاب 
بما أن القوى الديمقراطية لم ترقى إلى مستوى أن ” تكون بديلاً للنظام عند إسقاطه ” لطالما أن الدعم الدولي والإقليمي ذهب باتجاه القوى المتشددة دينياً والمتطرفة قومياً, مع غياب الدور الأمريكي ” الداعم ” للقوى الديمقراطية التي كانت تتأمل أن تكون إلى جانبها. حيث كان أوباما يصرح بشكل مستمر على ” أنه لايتدخل عسكرياً بالشأن السوري, ولا يمكن أن يتورط في تلك الحرب الدائرة في سوريا, ولا تكرر ما أصابتها من خسائر جراء تدخلها في العراق …” لكنه في حقيقة الأمر, اتبعت أمريكا سياسة قوامها الحفاظ على ديمومة الصراع السوري ضمن معادلة لاغالب ولا مغلوب والإستثمار في هذا الصراع بوضع الأطراف المناكفة لها ( روسيا وإيران وتركيا وبعض الدول العربية ) في دائرة الإستنزاف لمواجهة بعضها, إضافة إلى ترك الأمور على حالها لتوفير بيئة آمنة لإسرائيل لعقود من الزمن. هذا الموقف من الولايات المتحدة في عهد أوباما, كان بمثابة رسالة إطمئنان للنظام في دمشق, وذلك مع إطمئنانه على الدور الروسي الداعم للأسد في مجلس الأمن كرادع أمام إتخاذ أي قرار ملزم بحق النظام في دمشق من خلال إستعماله حق النقض ( الفيتو ). مما ترك الشعب بدون أي سند دولي, أو دعماً عسكرياً من شأنه الضغط على النظام للقبول بمطاليب الشعب الذي انتفض من أجل تحقيقها وهي ” الحرية والكرامة “. إلا أن الشعب مع مواجهته لأبشع أنواع القتل والتدمير والتهجير الذي مارسته قوات النظام والميليشيات الشيعية التابعة لإيران, وكذلك ميليشيات حزب الله اللبناني مع العجز الدولي.. كل ذلك خيبت آمال الشعب السوري في الإنتصار على النظام مع رفضه القاطع الرجوع إلى كنف الإستبداد والإستسلام له, ما دفع به إلى الهجرة نحو الخارج أو بقائه محاصراً يواجه الموت والجوع, منتظراً ” قد ” يأتيه من ينقذه في لحظة غير محسوبة.
 روسيا, وبعد أن إطمئنت من الدور الأمريكي في عهد أوباما, وفي أواخر أيامه سارعت إلى تغيير اللعبة مع الدول الإقليمية والحصول على موافقتها لعقد لقاء بين النظام والمعارضة المسلحة في ( آستانة ) عاصمة كازاخستان, وذلك في 23 ينايركانون الثاني 2017 لطالما أن لقاءات ( جنيف ) الأربعة لم تثمر نوعاً من التقدم نحو حلول سياسية. وبمحاولتها من خلال هذا اللقاء هو التحرر من بيان جنيف1(2012), ومن جهة أخرى, سحب المفاوضات من تحت المظلة الدولية ومجلس الأمن الدولي, لفرض سياساتها على المعارضة من خلال ممارسة نوع من المساومة مع تركيا وإيران لإقناع تركيا بالضغط على المعارضة لقبول ما تطرح روسيا من حلول في ( آستانة ) بشكل تدرجي بعيداً عن الدور الأمريكي والأوروبي. وقد نجحت الدبلوماسية الروسية مع تركيا في وقت كانت الخلافات التركية الأمريكية تتعمق جراء رفض أمريكا الطلب التركي في تسليم ( كولن ) الذي تتهمه تركيا على أنه وراء عملية الإنقلاب العسكري الفاشل في 15تموز 2016, وكذلك الإتحاد الأوروبي الذي إتهم النظام في تركيا على أنه يتجه باتجاه الدكتاتورية والإسائة إلى حقوق الإنسان جراء حملاته الأمنية واعتقال عشرات الآلاف من المواطنين وتسريح أضعافهم من الوظائف على خلفية ذلك الإنقلاب الفاشل. هذا من جهة, ومن جهة مساعدة الولايات المتحدة الأمريكية لوحدات الحماية الشعبية ( الكوردية ) العائدة لحزب الإتحاد الديمقراطي في سوريا ـ الجناح السياسي لحزب العمال الكوردستانيتركيا ـ عسكرياً بالعدة والعتاد في محاربة ” داعش “..
 إن إبعاد روسيا لدور الولايات المتحدة في لقاءات ( آستانة ) بين المعارضة المسلحة السورية مع (المشاركة الشكلية للمعارضة السياسية) والنظام , ظناً منها, على أنها ستتحكم بالأزمة في سوريا, وتفرض على الأطراف المتصارعة أجنداتها مع مراعاة مصالح تركيا وإيران ” تلك التي لاتتعارض مع مصالح الروس في المنطقة وسوريا بشكل خاص ” كان يكفي أن تتراجع المعارضة عن كثير من ثوابتها تجاه النظام في المرحلة الأولى من لقاء (آستانة) لطالما أن الإرادة الدولية ظهرت وكأنها استسلمت للمبادرة الروسية بموافقة تركيا والسعودية أيضاً مع غياب الدور الأمريكي.. حيث أن دخول تركيا على الخط العسكري كان جزءاً من توافقات ( الثلاثية الضامنة والراعية للقاء آستانة: روسيا وتركيا وإيران ) ودخول قواتها مع الجيش الحر في عملية ( درع الفرات ) والسيطرة على منطاق الريف الشمالي لمحافظة حلب ( بين مدينة إعزاز وجرابلس ), وكذلك تلك العملية التي تمت بموجبها إخلاء الأحياء الشرقية لمدينة حلب من المعارضة المسلحة والمدنيين المحاصرين, وتهجيرهم إلى ريف أدلب الذي تشرف عليه المعارضة المسلحة, كانت العملية تعني وكأن روسيا فرضت نفسها لاعباً دولياً وإقليمياً, وممسكاً بالورقة السورية وذلك إستكمالاً للتغيير الديمغرافي (الطائفي) الذي يقوم به النظام عشية التغيير في الإدارة الأمريكية على خلفية الإنتخابات الرئاسية التي فاز فيها المرشح الجمهوري ( دونالد ترامب ).. حقيقة, ومن خلال تصريحات ترامب المثيرة, كانت روسيا تحاول وبسرعة كلية الحصول على مكتسبات إستراتيجية من المعارضة قبل إكمال الإدارة الأمريكية الجديدة في ترتيباتها والتأسيس لسياساتها الخارجية, والدور الذي ستعتمده الإدارة الجديدة برئاسة ( دونالد ترامب ) تجاه الأزمات في المنطقة.. وخاصة, أن المتابعين والمهتمين لمعرفة الخطوط العريضة التي سيعتمد عليها الرئيس الجديد في سياساته الذي أثار جدلاً واسعاً في الوسط العالمي عجزوا عن تشخيصها التي ” يمكن البناء عليها ” وبموجبها قد تحتاط من لها مصلحة من الدول تجاه المتغيرات المنتظرة في الولايات المتحدة. حيث أن المنظومة العالمية وقعت في إرتباك حقيقي تجاه ما ستتمخض من المتغيرات من سياسات أمريكية تجاه العالم ” وفي شتى المجالات, الإقتصادية والأمنية ومجال تأمين الطاقة “, في وقت تبين الدور الأمريكي تجاه الأزمات الساخنة في تراجع واضح على المستوى العالمي في عهد أوباما.
 مع عجز روسيا من أن تقدم شيئاً ملموساً للمعارضة في ( آستانة ), وفشلها لوقف إطلاق النار من جهة النظام وميليشياته الطائفية لتضارب المصالح بين كل من ( إيران وروسيا من جهة, ومن جهة بين تركيا وإيران ) كانت كافية أن تتردد المعارضة في التجاوب مع طلبات ومشروع روسيا الذي كان يهدف في حقيقة الأمر إلى عزل المعارضة من الدول الداعمة لها ومحاصرتها في دائرة مصالح الدول الثلاثة الراعية للقاء ( آستانة ).. إلا أن تمسك المعارضة المسلحة بمباديء وقف الحرب, ومن ثم الشق السياسي لايمكن بحثه إلا في إطار مؤتمر جنيف وتحت المظلة الدولية كان بمثابة الجدار المنيع أمام محاولة الإختراق الروسي للمعارضة, حتى تلك التي أتت لضم المنصات ( القاهرة وموسكو ) إلى الهيئة العليا للمفاوضات مؤخراً لم تثمر إلا المزيد من الفشل بعد أن تحركت الدبلوماسية الأمريكية باتجاه الأزمة في سوريا, وتشخيص التدخل الإيراني في المنطقة, وتسميتها بأنها أكبر دولة راعية للإرهاب, وبالتالي, تبنيها لإستمرارية الحرب على الإرهاب بشكل أقوى واجتثاثه من جذوره, بعثت ذلك نوعاً من الأمل في روح المعارضة لتراجع مواقفها من جديد والتمسك بمباديء الثورة, أملاً في أن تتحرك الدبلوماسية الأمريكية باتجاه الدعم للشعب السوري وتقرير مصيره بحرية في وطنه الذي يرى فيه حريته وكرامته.
 ومع إستعمال النظام للسلاح الكيماوي في خان شيخون بمحافظة أدلب, كان التحرك الأمريكي بشكل سريع عسكرياً وقصفها لمطار الشعيرات الذي إنطلق منه الطائرات المحملة بالغازات الكيماوية, رسالة أكثر وضوحاً للعديد من الإتجاهات الدولية, وفي مقدمتها روسيا.. ومتابعة للضربة, أكد ( دونالد ترامب ) الرئيس الأمريكي في حديثه, بأنه لن يتوانى أبداً إن أقدم النظام في دمشق مرة أخرى لإستعمال الأسلحة الكيماوية في الردع بصورة أقوى, ولن يكون بعد اليوم الأطفال السوريون فريسة سهلة لنظام يرتكب الجرائم بحقهم.. واستغرب لموقف روسيا الداعم ( لجزار مجرم وحيوان ).
 مع الضربة الأمريكية, وتأكيدها على أنها مع أي إنتهاك لقواعد الحرب ستتحرك بشكل منفرد عسكرياً لردع النظام وتوقيفه عن إرتكابه للجرائم بحق المدنيين, إنتعشت في نفوس السوريين آمالاً من جديد, ودفعتهم لملمة قواهم الديمقراطية بشكل أقوى, مع العمل لفرز المعارضة المتطرفة والمتشددة ـ التي في حقيقة الأمر كانت تساعد مشاريع النظام ومصالح إيران الطائفية ـ من المعارضة الوطنية الديمقراطية, وكذلك التوجه نحو كافة مكونات الشعب السوري لفتح حوار جاد بينها من أجل وضع صيغة لمشروع وطني جامع بحيث ” أن يرى كل مكون نفسه مسؤولاً عن وطن هو ملكه ويستوجب عليه الدفاع عنه وإدارته بشراكة من المكونات الأخرى من دون تهميش أو إقصاء أحد “
 أعتقد أن التحرك الأمريكي بشكل فاعل تجاه الأزمة في سوريا, سيقرب نهاية الحرب في سوريا وسيضع نهاية لنظام إستأثربالسلطة عانى الشعب من ظلمه أكثر من خمسة عقود. 
————
17/4/2017

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…