عن خان شيخون الكوردية نتحدث

شفان إبراهيم
شكلَّ مشهدّ التضامن الكوردي مع خان شيخون في كل من قامشلو, حلبجة في كوردستان العراق, وسردشت في كوردستان إيران، مع الحدث الأسخن والأكثر فظاعة منذ أحداث قصف الغوطة. شكل لوحة جديدة في نمطية التعامل الكوردي – العربي.
 على الرغم من عدم تفعيل أو تجسيد هذه اللوحة بالشكل العملي المطلوب، ربما لعدم رغبة الاعلام اللامحايد في تعميق أي صورة لأي تجسيد إنساني في علاقة الكورد – والعرب. أو ربما لكبر حجم مأساة خان شيخون أو لنقل لأسباب أخرى غير معروفة. 
وعلى الرغم من قلة عدد المشاركين خاصة في قامشلو وتعدد انتماءاتهم السياسية والقومية والدينية؛ لكنها كانت تأكيداً على وحدة الحال في القضايا الإنسانية. وكانت النقلة النوعية في مدينة سردشت تحديداً،  من حيث نوعية العلاقة بين شريحتين من شرائح المجتمع الإنساني في الشرق الأوسط. فسردشت الكوردية تبعد آلاف الكيلومترات عن خان شيخون وأكاد أجزم أن لا احد من أبناء المدينتين قد سَمِعى بالأخرى أو قد زارها. بل أن حجم الجهل بالقضية الكوردية في الأجزاء الأربعة، لدى شرائح واسعة من المجتمع السوري، دففع بالموقف الكوردي في إيران إلى صدارة المشهد الإنساني.
إن كانت السوشيال ميديا قد ألغت وأذابت الحواجز والحدود بين الدول والمجتمعات، لتحمل هموم كل منطقة إلى ضمائر العالم في الطرف الأخر من الأرض، فإن موقف أهالي العاصمتين التونسية والأردنية وبني وليد في ليبيا ومدن في فلسطين المنددين بالقصف الأمريكي على مطار الشُعيرات لم يأتي بجديد لجهة عدم الاكتراث العربي بمأساة العصر الحديث، مأساة الشعب السوري من2011. 
اليوم، يمر أكثر من  شهر على الذكرى الـ 29 لفاجعة حلبجة، الجريمة التي وقعت منتصف آذار من عام 1988، والتي كان الموقف الرسمي، خاصة الأمريكي آن ذاك، يمثل بحد ذاته جريمة تضاهي الجريمة نفسها. فالنفاق السياسي والإنساني الأوربي والدولي تجاه حرق الإحياء بغازل الخردل والسيانيد في حلبجة في مقابل مُجاملة النظام العراقي في حربه ضد النظام الإيراني أوصل الكورد إلى جينوسايد القرن الماضي. 
ولعل أكثر المستفيدين من الصحافة والإعلام في القرن الماضي كانوا أهالي حلبجة الذين تعرف العالم على أندر المحارق بشاعة ونوعية، عبر بعض الصحفيين والإعلاميين اللذين لولاهم ربما ماتت القضية كغيرها ومثيلاتها الكثيرة.
 اليوم وبعد أكثر من ربع قرن لا تزال العقلية ذاتها والنفسية عينها والتصرف نفسه يُعاد ومن جديد وفي رقعة جغرافية متصلة إنسانيا. ولا تزال المبادئ والخطو الحمراء والحماية الإنسانية الدولية للمستعطفين هي – هي مجرد هباء أو غطاء لمخططات أكبر، ولا تزال الحماية الدولية للمدنيين مُجرد تلاعب بهلواني بالألفاظ لا أكثر.
 بعد أكثر من ربع قرن تكررت الجريمة نفسها، أبيد أطفال خان شيخون بتوأمة المادة التي أبيد بها أطفال حلبجة بالأمس. وما كانت حلبجة ولا كانت خان شيخون في هذه الحالة لولا التخاذل الدولي تجاه القضايا الإنسانية. 
ربما الفرق بين حلبجة وخان شيخون هو أن الرد الأمريكي جاء مباشرةً، وهي من المرجح أن “تكون رسالة” ترامبية إلى بوتين في عدم تخطيه الخطوط المرسومة في توزيع مناطق النفوذ بينهما في سوريا. لكن على الأرجح فالأمريكيين نفسهم يتحملون مأساة حرق أطفال خان شيخون، فمنذ بدايات 2011 والى ما قبل مآساة خان شيخون كانت الخطوط الحمراء الأمريكية تتكرر دوما بمناسبة أو دون مناسبة، دون أي تنفيذ أو تهديد أو تشكيل خطر حقيقي على التجاوز المستمر. خاصة وأن الطائرات الروسية كانت ولا تزال تشكل الخطر الأكبر على المدنيين والعزل ولا تزال السيخوي نفسها تحصد أرواح المئات يومياً.
بالأمس حاول مجلس الأمن حفظِ ماء وجهه، لكن المنشفة الروسية آبت إلا أن تُبقي وجه مجلس الأمن قبيحاً وكاشفاً عورته وحقيقته، خاصة وأن أعضائه الدائمون كان بإمكانهم أن يتصرفوا خارج تلك الغرفة التي أباحت قتل وهدر دماء السوريين. الفيتو الروسي الثامن ضد الشعب السوري يشبه إلى حد التطابق، التأمر السوفيتي على جمهورية مهاباد الكوردية.
 لا يزال التاريخ يُعيد نفسه ما عانه الكورد من أعتا الأنظمة العربية، باتت الشعوب العربية هي ذاتها تتذوق من الكأس عينها، ومن كان بصمته وتجاهله –الأوربيين وأمريكا سابقاً- نتيجة لأوجاع قلوب وأكباد الكورد، بات السوريون خصوصاً والعرب عموماً يزرفون الدموع ذاتها. 
لا أتوقع أن تنكسر إرادة أهالي خان شيخون ولا إرادة عموم السوريين. فالمسرح في حلبجة واضح والإرادة في إقليم كوردستان واضحة، بعد حرق ودفن مئات الألف من الإحياء، لا تزال الإرادة الكوردية تتجه نحو مزيد من الدفع باتجاه الاستقلال والحرية من الأنظمة المتشابهة فكريا وعقائديا. في خان شيخون سيتكرر مشهد المقاومة ذاتها، وستنتصر الأنفاس الأخيرة للأطفال قبل وداعهم لهذا العالم السافل.
كما انتعشت حلبجة وأضحت قُبة الشهداء فيها مربطاً لكل دول الغرب والشرق، ستتحول خان شيخون هي الأخرى إلى نقطة فارقة في الحدث السوري.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…