الضربة العسكرية مقدمات ناجحة لاستحقاقات قادمة

زهرة أحمد
صورُ الموت في خان شيخون بأنفاسها الأخيرة هزت وجدان العالم، واستخدام الاسلحة المحظورة دوليا أفاقت أمريكا من سبات ترددها الطويل، وعكرت صفوة غفلتها العميقة. خشيتها على أمنها القومي بثّت الروح في قراراتها التي جاءت سريعة وبدون تردد بخلاف المتعود من إدارتها السابقة، لتوجه ضربة عسكرية على سوريا التي تفوح منها رائحة الموت والدمار والسارين، لتغير في المعادلة العسكرية على الارض السورية التي كانت موازينها بيد روسيا بإهمالٍ مقصود من أمريكا، فكانت روسيا اللاعب الاساسي على الأرض وفي السماء وعلى طاولات المفاوضات لتزيد من اهتراء الحياة في سوريا الممزقة منذ ربيع ست سنوات.
أمريكا الغائبة الحاضرة على المسرح السوري تثبت وجودها بشكل قوي ومؤثر، قلبت موازين القوى العسكرية، وحجمت أدوار مجرمة لعبت بوحشية على المسرح السوري، ووضعت حدا لكل من يتجاوز الخطوط التي تراه أمريكا حمراء، ليكون لها حضور مؤثر في الملفات السياسية على طاولات المفاوضات السورية.
قال ترامب في خطابه: ((يجب أن يحدث شيء)) وأحدث هذا الشيء بضربة عسكرية على المطار الذي أقلعت منه طائرات النظام لقصف المدنيين في خان شيخون بالسلاح الكيماوي.
فكانت الضربة العسكرية خروجاً من رتابة أوباما وحالته اللامبالية وبداية الدخول الى مرحلة جديدة واستحاقات ستبرز على الوجود وربما تغيير في أولويات امريكا بشأن الملف السوري، لتُدخِل بذلك نوراً خافتاً  الى قلوب أدماها ظلام الاستبداد.
وروسيا الضامن لجرائم الاسد، الغارقة في مستنقع السوري لم تبدِ حزنا ولا حتى أسفا على أرواح بريئة عانقت بنبلها رفعة السماء، حاولت وبخبث سياسي تسليط الضوء على الضربة الامريكية ووصفها بـ«العدوان العسكري» وانتهاك سيادة دولة سوريا كما وصفها مندوب سوريا في مجلس الامن، وبالتصعيد في حرق منطقة تحترق أصلا وبشكل إفرادي وخارج الأطر والقرارات الأممية.
وذلك للتمويه على انتهاك سوريا للاتفاقيات الدولية الموقعة عليها والتي تحظر استخدام الاسلحة المحرمة دوليا وتأثير ذلك عليها باعتبارها الداعم والضامن لاستبداد الأسد ونظامه الفاشي.
الغارات مستمرة من قبل النظام الأسدي، وضحايا المدنيين من البراميل المتفجرة والغارات التقليدية تفوق بكثير ضحايا السلاح الكيماوي، لكن الضربة العسكرية الامريكية كانت ضرورية ومفرحة أيضا، فقد جاءت في صبيحة ميلاد البعث السوري الذي سجل تاريخاً أسود من الجرائم بحق شعب بريء لايزال يئن بصمت.
كما أعادت الضربة الدور الامريكي الهام والضروري في المنطقة بعد أن جمدتها بإرادتها، وغضت النظر لجرائم النظام وداعميه لتتحمل أيضا مآلات الشعب السوري ومآسيه.
إن أي ضرب أوتدمير لوسائل وقواعد وأدوات التدمير والقتل في سوريا موضع رضى وارتياح، لكنها كانت ضربة محددة ولأهداف محددة أو ربما كانت تنبيهية أو رادعة بدون أن تكون هناك استراتيجية عسكرية واضحة أو معلنة.
لذلك لا بد من أن تسعى أمريكا لإحياء العملية السياسية وذلك بترجمة ضربتها العسكرية الى مشروع عمل سياسي تقوده بقوة وإرادة قوية للحل، تلزم فيها الأطراف السياسية في سوريا بضرورة الرجوع الى طاولة المفاوضات بجدية والعمل الجاد لانتقال سياسي في سوريا وفق القرارات الأممية لتحمي بذلك البقية الباقية من الأرواح السورية التي تناجي بصمت، أو أن تسعى الى تطبيق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لأن جرائم الأسد وإرهابه على شعبه وتصديره للإرهاب بدعم حماته الدوليين أصبحت تشكل تهديدا واضحا للأمن والسلم الدوليين.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…