نحلم بكردستان ديمقراطية

د. محمود عباس
  شهداء الكلمة والفكر الحر، هم الأكثر خلودا في التاريخ، من سقراط إلى أرخميدس، إلى الحلاج، إلى السهروردي وغيرهم، ونحن لا نتحدث عن الذين تعذبوا وقضوا السنين في المنفى أمثال ابن رشد، أو في الأقبية المظلمة، ذنبهم، الكلمة الأفضل، والمطالبة بتصحيح المسارات. حتى ولو كانت المقارنة غريبة، لكنها تعكس صدى النقد، وكردستان في تاريخها قدمت العديد من شهداء الكلمة، وخسرت أعداد في أقبية السلطات الاستبدادية. 
   كردستان أحد منصات الأنترنيت، تلتقط مفاهيم العالم الحر، وهم يراقبونها كيف ستبنى: ديمقراطية تعتمد عليها، أم دولة استبدادية، تحت غطاء دستور ديمقراطي شكلي، مشابه للسلطات التي ذاقتنا المرارة وعلى مدى قرون؟ ولا شك وفي عصر اللازمن واللامكان واللاحدود، لن تستطيع أية قوة التغطية على سلبياتها، وأخطائها، إلا في حالات النفاق والمصالح، فالأنترنيت أصبح الحارس الأمين الذي لا ينام.
كردستان (جنوب وغرب) على أبواب تكوينين سياسيين، قد يحصلان على موافقات دولية، فمثلما نحتاج، ككرد، دعمهم وعطفهم، نحتاج إلى نقد الذات، اللاذع قبل الهادئ، لتصحيح أخطائنا أولاً وتسويق ذاتنا تحت مفاهيم ديمقراطية أمام الدول الكبرى، ولأننا عشنا ثقافة موبوءة وعلى مدى قرون، فبدون النقد المتواصل، وتنقية الحركة السياسية قبل المجتمع لن نبلغ غايتنا. ولا نستبعد أن مصير كردستان الكبرى ستحدد على ما ستظهره الإدارات السياسية في الإقليمين، من حيث التعامل مع هذه القيم.
  لا شك، وقفت وتقف المربعات الأمنية المسخرة من قبل القوى الإقليمية السياسية الحاكمة المحتلة لكردستان، بشكل مباشر أو غير مباشر، وراء كل اعتداء على أصحاب الرأي، من الكتاب والنقاد والإعلاميين والسياسيين، ونحن هنا بصدد ما يجري في كردستاننا، من أخطاء، وأساليب تعاملهم مع الكلمة الحرة والمعارضة بشكل عام، وللأسف ومنذ أن بلغا مرحلة من القوة، يتناسون أن الماضي كان مريرا، وعيون عالمية تترصدهم، وأن مفاهيم حضارية تدخل كردستان، وهناك شرائح تتقبلها، وأخرى تتبناها، وتقلدها، والبعض يطبقها، فبدل استخدام العقل في تنقية الماضي، وتشذيب القادم، يقومون باستخدام القوة ضدهم،  يبررونها بحجج وذرائع، وجميعها تخدم غاية واحدة، إسكات الناقد وطمس النقد.
   لا نشك بأن العالم الحر والقوى الكبرى تراقب مجريات الأحداث في كردستان ومنها الحيز الديمقراطي ومن ضمنها الاعتداءات على: صاحب الكلمة الحرة، والناقد، والمعارض الوطني، حتى ولو أنه لا يظهرها إعلاميا، لكنهم يسجلونها ويفتحون صفحات سوداء ستؤثر على قادمنا، وخاصة تلك التي تحدث بيد القوى الحاكمة الكردية السياسية -العسكرية، حتى ولو درجت على أنها أعمال فردية، أو مجموعات بأسماء وهمية. ولا نتحدث هنا عن الأعداء، فتلك القوى تقدرها، فبيننا وبينهم حروب كلامية ودموية، تتجاوز حدود الإدانة والاستنكار، وهي قضية مصيرية، أوسع من محيط الكلمة الحرة والمعارضة.
جميعنا نعلم، فما بالنا بالدول الكبرى، أن الأفراد أو المجموعات الشبابية المستقلة ، التي لا تربطها بالسلطات علاقة، لا يستطيعون حمل السلاح في وضح النهار، وضمن كيان ذو سيادة، ونقصد إقليمي كردستان الجنوبي والغربي، فما يجري فيهما من اعتداءات واعتقالات، بلغت حدود الشك بالاغتيالات في بعض الحالات، حتى تلك التي توجه فيها الأصابع إلى المربعات الأمنية التابعة للسلطات المحتلة، بدءاً من عفرين إلى عاموده وقامشلو، وهولير، لا يمكن تمويهها، والتعتيم عليها وإدراجها في خانة نزعات فردية أو مجموعات خارجة عن القانون، والاعتداء الأخير أمام المجتمع على الباحث والناقد فرهاد بيربال، مخطط، ومدبر، تستنكرها العالم الحر قبلنا، ولا  نظن بأنهم يبرئون السلطة الكردية منها، وإن تم فيما بعد اعتقال الذين قاموا بالجريمة أو إسكاتهم، فهي  من ضمن عمليات خداع المجتمع، والتلفيق على الديمقراطية بكل المعايير.
مهما كان أسلوب الكاتب والناقد فرهاد بيربال مخالفا (للمجتمع المحافظ، وهذا المصطلح فيه إشكالية وهو نسبي)، سرياليا أو عبثيا أو صوفياً، أو حتى منفرا اجتماعيا، فلقد كان ناقداً وصاحب رأي وكلمة، وهناك من كان يستمع إليه، ويوافقه على رأيه، أي له جمهوره، والأساليب التي يجب مواجهته بها عديدة، وجميعها تنفي الضرب والإهانة، أو السجن بدون محاكمة أو بجرم النقد السياسي. ولا شك هذه ينطبق على ما يجري في غربي كردستان، وحيث لا يزال العديد من أصحاب الرأي الحر والإعلاميين وبعضهم لا يزالون في بداية العمر في سجون اسايش غربي كردستان، وكان قد تم الاعتداء الجسدي على بعض الكتاب والسياسيين، في الوقت الذي يجوب فيه جنود وخبراء الدول الكبرى جغرافية المنطقة، لابد وأنهم يدرسونها ويقيمونها، ولا نظن بأنها ستمر بدون ملاحظات مصيرية.
إن كنا شعباً نطمح إلى الديمقراطية فلنبين ذلك لمجتمعنا أولا وللعالم ثانية، فعلى السلطات السياسية في جنوب، وغربي كردستان، إيقاف الأوامر اللامباشرة والمباشرة، والتي تهدف طمس حرية الكلمة، وإلا فإننا أمام مستقبل سوداوي، سنبني سلطات استبدادية لا تختلف عن الذين نناضل للتحرر من نيرها.
 هل كان نقد أو تهجم فرهاد بيربال، وبأسلوبه الشاذ كردياً! أقسى وأخطر من خطب أئمة الجوامع التكفيريين الراديكاليين الذين تعج بهم المدن الكردية على مصير كردستان؟ أيهما سيكون مقبولا من الدول الكبرى التي نطمح بأن يساعدوننا في بناء مستقبلنا؟ وهل السياسيين والإعلاميين الذين في سجون الأسايش أو الذين يستخدمون أقلامهم في نقد السلبيات والأخطاء التي تحدث في غربي كردستان، أخطر على الكيان الكردستاني أو الأممي، من القوى العروبية التي تجوب المنطقة وتعبث فيها؟
ليعلم الجميع أننا نحن الكرد والوطنيين من أبناء المنطقة من الشعوب الأخرى، أمام موجة جديدة من مؤامرات العنصريين والتكفيريين العروبيين والإسلاميين. الصراع مصيري، فبهذه الأساليب نقويهم، قبل أن نضعف ذاتنا، ونبعد الدول الحضارية الكبرى عن دعمنا، إن لم يكن اليوم فغداً. 
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
13/4/2017م

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…