عشية انتخابات رئيس لرابطة الكتاب السوريين خلفاً للفيلسوف العظم

د. محمود عباس
 رابطة الكتاب السوريين إحدى المنظمات التي نبتت من أحضان الثورة السورية السلمية، تشكلت على بنية المفاهيم التي كانت شعوبها تطمح إليه، وهو النظام الديمقراطي، حيث الكلمة الحرة، والحيز الجغرافي المفتوح في كل المجالات الفكرية، ولجميع شرائح المجتمع، بموزاييكه اللامع، بمذاهبه وطوائفه المتعددة، والتي كانت مفخرة سوريا، كوطن بديمغرافية متنوعة وجغرافية حديثة التشكيل.
ورغم أن سوريا كانت وليدة سياسات دولية غير متفقة عليها بين أطياف شعوبها، لكنها وعلى مر العقود قبلت كوطن جامع يحتضن الجميع، إلى أن هيمنت عليها الدكتاتوريات الحزبية والطغاة أمثال الأسد الأب المقبور، والأبن المجرم، ببعد طائفي وغطاء حزبي سياسي، وهو ما أدى إلى ظهور الصراع المميت، فأغرقوها في بحار من دماء الأبرياء. ولا تزال الكوارث تتفاقم وفي تصاعد.
فبهيمنة المنظمات الراديكالية، الإسلامية، السنية والشيعية على الساحة كمعارضات أو سلطة، إلى جانب شريحة واسعة من الانتهازيين، أو الذين خدموا سابقا سلطتي البعث والأسدين، ومجموعات متنوعة الأطياف من التكفيريين والجهاديين، وتجار الحروب، مقابل جبهة أئمة ولاية الفقيه، تمت التغطية على المنظمات الديمقراطية أو الطامحة لتغيير أو إسقاط النظام وتشكيل إدارة حضارية.
الطرفان المتصارعان على السلطة حرّفا مسار الثورة السورية، ولم تنفذ منها سوى شرائح أو منظمات متناثرة، من بينها رابطة الكتاب السوريين، والتي يؤمل بأنها ستعمل جاهدة في الحفاظ على شعار الثورة بخلفيتها الثقافية والسياسية (إسقاط النظام) والتمسك بالنهج الديمقراطي في العمل وطريقة الانتخاب، وتقبل الآخر، وعدم تفضيل الأغلبية على الأقلية، ديانة أو قومية، وتطبيقها بشكل عملي ضمن هيئاتها التنظيمية، مثلما حاولت في السابق على مدى السنوات الماضية برئاسة فيلسوف سوريا القدير المرحوم الدكتور صدق جلال العظم (1934م-2016م) الرجل الذي قدم بأفكاره وطروحاته وعلى مدى عقود، الكثير للحراك الفكري الثوري السوري، والذي حاربته على مواقفه ومفاهيمه، المعارضة التكفيرية الإسلامية، كمنظمات وشخصيات، ليس في سوريا فقط بل في العديد من الهيئات والمراكز الدينية الإسلامية خارج سوريا، وقد شاركتهم في هذا سلطة بشار الأسد بكل مربعاتها الأمنية ومراكزها الإعلامية.
خسرت سوريا والرابطة والشريحة المثقفة برحيل الفيلسوف أحد أعمدة الفكر الحر العلماني من الوطن، ولتخليد ذكراه لابد للرابطة من العمل بتفان، وخدمة سوريا الكل، واتباع النهج الديمقراطي الصادق في اختيار رئيسها القادم، وأن تبتعد هيئتها الانتخابية قدر المستطاع عن التحزب، ومنطق الأغلبية والأقلية، وألا تفرق بين العربي والكردي، أو غيرهما من القوميات، أو الديانات، فلتكن وطنية سوريا هي الأصل، في الترشيح والانتخابات. ولتكن الرابطة هي المنبّه الذي يجب أن تصدر عنها المفاهيم الثورية السلمية، لتغيير بنية النظام الماضي، بدءاً من السلطة الشمولية الدكتاتورية إلى المعارضة السياسية الانتهازية والعسكرية التكفيرية، التي أبعدت معظم أصدقاء الشعوب السورية عنها.
نراقب عن كثب مجريات مسيرة الرابطة قدر ما تصلنا من معلومات، والتي وللأسف نجدها وحتى الأن على الأقل لا ترقى إلى سوية أحداث سوريا، مع ذلك نأمل بأنها ستتجاوز مصاعبها، وستتمكن من مواجهة مؤسسات سلطة بشار الأسد الثقافية والإعلامية يوماً ما، وهذه في كثيره تعتمد على نهجها، ومفاهيم الذين سيمثلون هيئتها الإدارية، ومدى تفانيهم في العمل، وتحديد موقفهم من المنظمات التكفيرية، مثل مواجهتهم لسلطة بشار الأسد، الطرفان المشتركان بشكل مباشر في حصر المجتمع السوري، وتشويه كل ما يتصل بالثورة أو حتى بذكراها، وابتذالها، وإلصاقها بالتكفيريين، رغم ما بلغته سلطة بشار الأسد ومسانديه من سويات الإجرام.
نتمنى لجميع الإخوة في اللجنة الانتخابية، التوفيق والنجاح في العمل، وتحقيق مطالب الثورة السورية، في حدود جغرافيتها الانتخابية حاليا، ومسيرتها ونشاطاتها ونهجها الفكري مستقبلا.
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
20/3/2017م
نائب رئيس الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الكرد في سوريا

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف   منذ 2011، فتحت تركيا أبوابها للسوريين، ليس دعماً لهم، بل لاستغلال نزوحهم، على أكثر من صعيد، متوهمةً أن سقوط النظام لن يطول. استقبلت الأيدي العاملة، بأجور جد زهيدة، و استغلتهم عبر أساليب مشينة، واستفادت من ضخّ المساعدات الدولية الممنوحة للسوريين، بينما اضطر رجال الأعمال إلى نقل مصانعهم إلى هناك، لاستمرار معيشتهم وديمومة حياتهم، ما عزّز الاقتصاد…

في إطار الاهتمام العالمي بالقضية الكردية عامّةً، وفي سوريا على وجه الخصوص، بعد الأحداث الدامية في 12 آذار 2004م، ازداد اهتمام العواصم الأوروبية بقضيتنا الكردية؛ فأوفدتْ مندوبين عنها إلى الجزيرة من قبل الاتحاد الأوروبي والقارة الأمريكية (كندا)، وذلك للوقوف على الحقائق كما هي في أرض الواقع؛ بغية الوصول إلى رسم تصوّرٍ واضحٍ ومباشرٍ لوضع الشعب الكردي في سوريا ومعاناته الاجتماعية…

ماهين شيخاني كان يكبرنا سناً ومحل احترام وتقدير لدينا جميعاً وفي المؤتمر (……) كان بيني وبينه وسادة، لمحته ينظر لوجوه المؤتمرين، هامسته : هل أكملت جدول الانتخاب ..؟. أجاب: مازال قائمتي بحاجة الى بعض المرشحين ..؟!. وضعت ورقتي المليئة بالأسماء التي انتخبتهم حسب قناعتي بهم على الوسادة أمامه، تفضل ..؟. نظر أليَّ باستغراب، رغم ثقته بي ووضع…

صلاح بدرالدين   منذ عدة أعوام ولم تنفك وسائل اعلام أحزاب طرفي ( الاستعصاء ) – ب ي د و انكسي – تنشر تباعا عن تدخل وسطاء دوليين لتقريب الطرفين عن بعضهما البعض ، والاشراف على ابرام اتفاقية كردية – كردية ، وانهاء عقود من حالة الانقسام في الصف الكردي السوري !!، من دون توضيح أسس ، وبنود ذلك الاتفاق…