عبدو خليل
ما دمت أحمل البندقية أنا سيد نفسي و لن أخدم أية سلطة أو دولة. تلك هي كلمات الراحل الملا مصطفى البرزاني، هذا الرجل البسيط. الملا الذي كان يتوضأ بحرية شعبه خمس مرات كل يوم، لم يدخل بحياته الجامعة و لم ينم على فراش وثير و ربما لم تذق ذقنه رطوبة معاجين الحلاقة، كل ينابيع كردستان العراق تشهد عليه. ما أن تقف على تفاصيل حياته حتى تزكم خياشيمك غبار المعارك والحروب التي خاضها في سبيل القضية التي يؤمن بها، و مع كل انكسار كان يكوي الجرح بملح دموع الأمهات الثكالى و يلملم ما تبقى من رفاق ليعود للساحات مجدداً.
بداية. المقدمة السالفة ليست رسالة مبطنة لأحد، كما قد يخالها البعض. لا ناقة لي ولا جمل في محاباة أحد، لأنني بالأصل رجل فاشل في صناعة الأصدقاء ولست من هذا الزمان. كما يقال، ولكن هذا التوصيف كان اختصاراً لتعريف القائد. في الفترة الماضية انشغلت بالبحث حول ماهية المفردة. المفهوم، لم أجد في نهاية المطاف. بعد قراءات عدة سوى هذا الرجل. البسيط، ليختصر أمامي كل تناقضات الباحثين والدارسين حول توصيف دقيق. للقائد الحقيقي، وليس ذاك القائد. الممحون، بهوس السلطة و الاستعلاء على أفراد شعبه. كما نراه لدى الأنظمة الشمولية و الديكتاتورية.
مناسبة البحث كان سبراً و دراسة حول شخصية عبدالله أوجلان. آبو، و حول سر تعلق البعض به، وهذه المقالة تأتي على هامش تلك الدراسة. لم أتقصد بالأساس النيل من شخصه لعدة أسباب. رغم خلافي الجذري مع منظومته الشمولية، لكن وجوده في السجن جعلني ألزم الجانب العاطفي في الموضوع. كأي كردي تثار حميته لأسباب قومية صرفة، لكن بعد قراءتي لمؤلفاته لم أتمالك نفسي. بدا وكأنني أقف أمام رجل يعاني خللاً سيكولوجياً يصعب تشخيصه ويقود شعبه نحو الهاوية.
في الحقيقة من يدرس تاريخ أوجلان يكتشف أنه لم يحمل السلاح في حياته، كما يتوهم أنصاره، و أغلب زياراته إلى قنديل كانت خاطفة و سريعة. لالتقاط بعض الصور و لإلقاء محاضرات و إملاء أوامره على مساعديه، الرجل ظل ملازماً للفيلا الفاخرة و القريبة من دمشق والتي منحت له من قبل النظام السوري، و بعيد اعتقاله استولت المخابرات السورية على وثائقه وممتلكاته وأرشيفه الشخصي و نقلته إلى جهة مجهولة.
على صعيد آخر من يقرأ كتب أوجلان يكتشف حجم. الأنا، المنتفخة، لدرجة تصل إلى إهانة الآخر، والآخر هنا الشعب. إذ ليس من المعقول أن يصف قائد. يدعي النضال في سبيل قضية عادلة، أن ينعت شعبه بالغبي و يتقزز من أجساد النساء الكرديات بقوله. أنهن ذات رائحة كريهة، كما جاء في كتابه المعنون. كيف نعيش، و ليس من المعقول أن ينهار قائد منذ لحظة القبض عليه ويتنكر للهدف الذي طالما تبجح بالنضال من أجله، و يعتذر لأمهات الجنود الأتراك. متناسياً الأمهات الكرديات اللواتي فقدن أولادهن نتيجة نضاله المزعوم، وأسهب في نكش أصوله التركية، مؤكداً في الوقت نفسه و أكثر من مرة أنه كان يخدم الدولة التركية، لم يتوقف عند هذا الحد، إنما طلب من عناصره حل الحزب و إلقاء السلاح، و وصلت به الأمور ذات مرة لمدح فريق فنر بخجة التركي لكرة القدم. كانت تلك رسالته للدولة التركية من أجل القبول به كفرد من الجمهور لا كقائد. كل ذلك من أجل تخفيف حكم الإعدام الذي كان يقضّ مضجعه.
أما النقطة الأهم التي يجدر التوقف عندها و الإحاطة بها تكمن في ديكتاتورية أوجلان التي قاد من خلالها أنصاره و حوّلهم إلى عبيد و قطيع، تلك الثقافة التي تجذرت و ندفع ثمنها اليوم. و حول هذه النقطة تحديداً. ديكتاتورية أوجلان، سأسرد مثالاً قمت بالتحقق من مصداقيته من أكثر من مصدر. تقاطعت كلها حول تلك الحقيقة.
القصة باختصار شديد. التقيت منذ عامين ونيف مع شخص تربطه بنبيل ملحم علاقة عائلية. أتحفظ على الاسم لأنني أسرد الواقعة دون مشورة رسمية منه، حدثني الرجل وقال. رافقت نبيل ملحم في زياراته لمقابلة عبدالله أوجلان. أثناء اشتغاله على كتابه الشهير. سبعة أيام مع آبو. يقول. كثيراً ما كنا نصل إلى المخيم الواقع في البقاع اللبناني، ننتظر أوجلان ريثما ينتهي من رياضته الصباحية، وما أن ينتهي حتى يجلس على الكرسي وهنا يسارع أحد ما. ذكراً كان أم أنثى، لفك رباط حذائه الرياضي و نزع جواربه عن قدميه و نعلهِ خُفاً آخر، ثم يتوجه أوجلان لأخذ حمام. و زاد الرجل في قوله، حتى البيضة كان هناك من يقوم بتقشيرها و تقديمها له.
لن أسهب في تفصيلات أخرى سمعت بها من أشخاص آخرين . الحيوات الشخصية لها حرمتها وقدسيتها رغم اختلافنا مع الرجل، و لكن الصورة السابقة هي لذاك القائد المغوار. صورة يظهر بها أمام أنصاره و ضيوفه. أي أنها خرجت من الدائرة الشخصية و باتت ملكاً للعموم. صورة القائد الديكتاتور.
و في السياق ذاته وقعت على رسالة لأوجلان موجهة للنساء الكرديات في آذار من عام 2015، يقول فيها. إن الشعار الذي رفعتموه، و يقصد هنا النساء الكرديات. حرية المرأة من حرية القائد أوجلان. هو شعار جيد. أي أنه يربط حريته بحرية المرأة، وتلك إحدى سخافات القدر، أن يربط الرجل ذاته. أوجلان، حريته بحرية النساء اللواتي وصفهن في كتابه الشهير. كيف نعيش، وقال بأن أجسادهن ذات رائحة كريهة. كما أسلفنا ذلك، تلك المفارقة التي لا يريد البعض التوقف عندها. لا بل يزيد قائلاً. أعرف إن المرأة استمدت قوتها مني. تأملوا هذه. الأنا، المنتبجة كما الجيفة النتنة تحت لهيب الشمس. بربكم أي ديكتاتور قالها من قبل؟. هل فعلها صدام حسين أو كاسترو حتى قذافي المجنون لم يتجرأ على التفوه بإرهاصات كهذه.
أخيراً و للأمانة. كل “الميزات الفنية والتعبوية”* لأوجلان. كقائد، تفضي لنتيجة واحدة، وتضعنا حيال حقيقة قاسية بالنسبة لنا كشعب مضطهد و مكافح. أوجلان ليس أكثر من شخصية ديكتاتورية أقل ما يقال عنها أنه جَيّر جزء كبير من شعبنا لخدمة نرجسيته و ألوهيته المزيفة، و باتت رمزية أوجلان لدى أنصاره ليس فقط حجر عثرة أمام أي مشروع كردي مستقبلي، إنما حجرة لرجم كل من يختلف معه حتى الموت.
• كناية عن الميزات الفنية والتعبوية للبارودة الروسية و العبارة معروفة و هي محل أستهجان و استهزاء عناصر الجيش السوري نظراً لتكرارها الدائم.