جتو بطل أوروبا، في دائرة العمل :3

بافي ايمي

بعد أن حصل بطلنا جتو على حق الإقامة السياسية، صار يفيق من نومه في الصباح و ينظر إلى شكله في المرآة لدقائق طويلة قائلا.
أنا جتو البطل، السياسي، الذكي، أعرف كيف أن كل شيئ في هذه الحياة يمشي ويدور ولايبقى على حال، و بعد أن تزوجت القضية ووصلت لقمة الشهرة:.

لكن الحياة اليومية ومتطلباتها أيضا صعبة ولا بد من العمل و التعب من أجلها: راح أسوي لي هلا فنجان قهوة و بعدين أفكر بهيك شغلات.
يسمع موسيقاه كما تعود، و يفتح التلفزيون والراديو مع البعض، لا بد أن يسمع كل الأخبار السياسية و يقرأها ، لكن الوقت قصير جدا، فيجب عليه أن يكون في دائرة العمل بعد ساعة، ليسجل نفسه من جديد في لائحة الباحثين عن العمل.
ليلته كانت طويلة مع الرفاق والأصدقاء من حوله، فقد ناقش معهم القضايا السياسية و المستجدات على الساحة، و سرد لهم كيف أنه لا راحة له ولا طمأنينة لانشغاله بالأجتماعات والجلسات المهة.
أخبار اليوم لا تعجبه كثير، لأن أسمه غير مذكور و الأفظع من ذلك أن اسم حزبه أيضا غير مذكور: يقفل التلفزيون و الراديو معا و يلبس بسرعة، ليلحق موعد الدائرة.
يقف جتو في محطة الترام منتظرا، و يرن تليفونه الخليوي بين الحين والآخر.
< مموستا جتو: صباح الخير، عندي مشكلة مع دائرة الضمان الصحي و أحتاج لمساعدتك ونصائحك؟
< يا أخي، انسى هالشغلات البسيطة و فكر أكتر، عندنا أمور أهم من هيك شغلات، يعني اجتماع اليوم، لازم نشوف كيف أنو كل الآخرين يسمعونا و كيف نكسب رفاق الحزب ال؟؟؟؟؟
< بس مموستا هاي مشكلة مع دائرة الضمان ولازم: و بعدين في واحد جديد وصل، و بدو ورقة مصدقة من الحزب، و الجمعية وال؟
< تمام، أنا راح اتصل فيك بعدين، عندي هلا اجتماع مع ناس مهمين، و بعدين في مقابلة صحفية كمان معي، و راح اتصل فيك، و روح عند هادا الجديد و خبروا انا جاي.
يصل جتو إلى الدائرة، و لا يعجبه أن ينتظر مثل الآخرين، ولكن ما باليد حيلة، بعد حوالي 40 دقيقة يدخل على الموظف المختص، يسلم عليه و يصافحه بحرارة كما سلام السياسين.
يستغرب الموظف قليلا، لأن عندهم المصافحة لها عاداتها و تقاليدها، مثلا يصافح الأكبر عمرا دائما الأصغر عمرا و هكذا، ولكن لا يبالي الموظف و يقول لجتو، اعطني بطاقتك، الأسم والمواليد؟
جتو: بلغة متلكئة، نعم نعم أنا جتو ……..
الموظف: سيد جتو، أنت كنت تعمل و كنت مسجلا من قبل في لائحة العاملين، ولكنك تركت العمل لماذا؟
< لم أترك العمل، كان عندي فقط اجتماع مهم و لم اذهب ذلك اليوم إلى العمل، و أنتم الأوربيين لا تفهمون أبدا، أن الأجتماعات السياسية أهم بكثير من العمل:
< لن أطيل عليك يا سيد جتو و خير الكلام ما قل ودل، لنتكلم عن المشكلة اليوم؟
< بعد أن سجلت إجازة مرضية * كانت قصيرة جدا فقط ثلاثة أسابيع* لم ترسلوا لي إلى الآن راتبي الشهري؟
<  يا سيد جتو: هذه المرة الرابعة لإجازاتك المرضية خلال سنة واحدة، هل يعقل هذا؟
< كانت عندي مشاكل عائلية و تحضيرات لمظاهرة سياسية، و ….

كل هذا يحتاج إلى وقت.
< سيد جتو، إن كانت لك شركة خاصة، هل تقبل بأن يكون عمالك مثلك و كل فترة و أخرى في إجازة مرضية و يتوقف العمل.
جتو يصمت قليلا.
< سيد جتو، انظر كيف الوضع، أن نجد لك عملا هذا ليس بالسهل.
< هلا راح اكون صريح معك يا سيدي و احكي لك كمان بالعامية، يعني تقبل أنا درست و بعدين حتى أصدقائي هون ينادوني بالمموستا والدكتور، و أنتو تبعتوني اشتغل حمال موبيليا و تعبيد الشوارع:
< سيد جتو أنا فاهمك، بس دراستك بالنسبة لسوق العمل النا قليلة هون، بعدين شوف كم دكتور و مهندس عندنا من بلدنا و بيشتغلوا كعمال و بياعين في شركات خاصة و يدوروا دايما على عمل.
< نحن الأجانب دايما، بتعاملونا مو متل الأوادم و العنصرية عندكم ما راح تنتهي.
< يا سيد جتو، المسألة موضوعية، و مو مسألة عنصرية، و بعدين على ما يبدو، يعني لا عندك علاقات مع السياسين عندنا و أصحاب القرار، يعني ما عندك واسطة.
< بس أنا بعرف كتير من السياسين والمهمين.
< نعم سيد جتو، هذا ممكن بس مع الأسف ما الهم حكي وقرار هون، بعدين مين تقصد من معارفك؟
< سكرتير حزبنا و مسؤولينا و أعضاء…..
< بس يا سيد جتو، هدولي مهمين هنيك ببلدكم و عندكم، بس هون ما الهم كلام و اتخاذ القرارات.
بعدين نحن في بلد ديمقراطي و كل انسان هون الو حقوقو والو واجباتو.
< يا سيدي، أنتو ما بتفهموني، أنا مناضل و والله حتى يعني اتزوجت القضية * صحيح ما صار لي زمان بس* بعدين يعني هنيك كانوا بيحكولنا، انو بس تصل لأوروبا، ما الك دعوة، هن بيتكفلوا بكل شي و الدولة هي اللي بتعطيك كل شي، وأنا حتى مستعد للشغل و ما في عندكم عروض عمل غير الحمالة وتعبيد الطرق و أعمال البناء.
< يا سيد جتو، أنك تشتغل هون، هدا مو منية منك، وكل انسان بدو يعيش لازم يشتغل، وين في هدايا ببلاش بالشوارع؟ بعدين حضرتك صاير لك فترة هلا بأوروبا و شايف بعينك كيف الناس بيشتغلوا، و هيك حكي متل ما قالولك مو صحيح أبد، في عندنا نظام التكافل الأجتماعي، بس تصور هذا متل طنجرة و بتتعبى هالطنجرة من رسوم الضرائب اللي بيدفعها كل العاملين والفلاحين وال……..، بعدين بيتوزع المبلغ اللي في الطنجرة، على المعوقين و دور العجزة و بيوت الشباب و النساء المطلقات اللي ما الهم مصدر آخر للعيش و كمان للاجئين اللي بيجوا على بلدنا، يعني أنت شفت بحالك، أكيد ساعدوك في المسكن و الطعام وال…..

حتى اليوم؟ يعني بالفصيح للمحتاجين ولفترة محدودة فقط.
< آخ يا سيدي، والله وجعتلي راسي، يعني بدك تعلمني كل شي هون، يلا أنا راح امشي، ما عندي وقت أكتر، عندي مواعيد مهمة، و هاي سجل اسمي من جديد، باحث عن عمل و هاي لبيت دعوتكم و اخدت من وقتي الثمين و اجيت لهون، دير بالك، لا تنسوا تدفعوا راتب إجازتي المرضية.
< أوكي سيد جتو، راح اعتبر انو انت فهمت حكي هالمرة و اذا لقينا لك عمل هالمرة، مافي مرض كل شهر و شهر، و راح نعتبر هالجلسة بمثابة انذار الك، و الا راح تنقطع كل المساعدات عنك، و هذا موعد جديد براس الشهر الجاي بتمر علينا، تمام؟
< تمام، بس أنتو عنصريين وراح اكتب عنكم في مجلات وجرائد حقوق الأنسان.
< اوكي سيد جتو، و لا تنسى فترة البطالة عندنا محددة بست شهور، و بعدين بينقطع عنك الراتب و نحولك لدائرة المساعدات الأجتماعية، و هي كمان فترة مؤقتة.

مع السلامة سيد جتو.
يخرج جتو من الدائرة، و هو يردد كلماته، يا أخي هدولى ما بيفهموا علي، و بيكرهوا الأجانت، أكيد راح أخلص منهم قريبا ، يعني أو أفتح شركة لحالي، أو أستنى عرض حزبنا، يعني اسمي راح يقترح قريبا لتسليم وزارة، وين طقمي وكرافاتتي، هاه لازم البسهم اليوم ؟
 و راح اشوف هلا امشي أموري بالمصاري الموجودة في خزينة الحزب والجمعية، هدا بس دين و راح ارجعوا، يعني أنا بشتغل لهدا الحزب و لابد أنو الحزب كمان يكون مستعد لتقديم العون والمساعدة.
راح اعيد المصاري وارجعها مع استلامي أول راتب وزاري.
——

* مرشد اجتماعي، مترجم.

النمسا.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد.   الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء…

إبراهيم اليوسف إنَّ إشكالية العقل الأحادي تكمن في تجزئته للحقائق، وتعامله بانتقائية تخدم مصالحه الضيقة، متجاهلاً التعقيدات التي تصوغ واقع الشعوب. هذه الإشكالية تطفو على السطح بجلاء في الموقف من الكرد، حيث يُطلب من الكرد السوريين إدانة حزب العمال الكردستاني (ب ك ك) وكأنهم هم من جاؤوا به، أو أنهم هم من تبنوه بإجماع مطلق. الحقيقة أن “ب ك ك”…

شيروان شاهين سوريا، الدولة ذات ال 104 أعوام البلد الذي كان يومًا حلمًا للفكر العلماني والليبرالي، أصبح اليوم ملعبًا للمحتلين من كل حدب وصوب، من إيران إلى تركيا، مرورًا بكل تنظيم إرهابي يمكن أن يخطر على البال. فبشار الأسد، الذي صدع رؤوسنا بعروبته الزائفة، لم يكتفِ بتحويل بلاده إلى جسر عبور للنفوذ الإيراني، بل سلمها بكل طيبة خاطر…

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…