الحرية هي وعي الضرورة

قهرمان مرعي
ربط الفيلسوف الهولندي باروخ سبينوزا ( 1632- 1677 ) الحرية بالوعي كمتلازمتين للحياة البشرية الطبيعية , وربط الضرورة بالأسباب التي تفضي إلى الوعي وبالتالي إلى الحرية .
إذاً نحن أمام حلقات متكاملة متلازمة للحق الطبيعي للإنسان الفرد في التمتع بالحرية وبالتالي حق الشعوب المضطهدة في الإنعتاق ونيل الحرية  ولسنا بصدد مفردات مترادفة مجرَّدة من منظور الفلسفة  .
فعلى مدى قرن كامل من صراع حق الوجود , خاض شعب كوردستان معاركه في مواجهة إعداءٍ ينكرون عليه هذا الحق , وقدم تضحيات جسام في سبيل نيل حريته ورغم ذلك لم يزل وطنه مقسَّماً في جهاته الأربع  ناهيك عن تعثر جهوده في حكم نفسه ضمن إطار الدول المقتسمة له .
يعزى ذلك إلى ضعف العامل الذاتي ومدى تأثيره ومشاركته في عملية الصراع , يتبدى ذلك في حدِّية الإنقسام المفضي إلى تشتيت الجهد وتعثره في أكثر من محطة تاريخية , يكون قد تغيَّر فيه صورة العالم وخارطته الجغرافية والسياسية , بدءاً من الحرب العالمية الأولى ولغاية يومنا هذا .
 لا شك عبر الحركة و التجاذبات و النضال من أجل القضايا الكبرى يولد كل مُحدِث و جديد و يتطور وينمو كل فكر و وعي من خلال التراكمات الكمية , فطبيعة الأشياء ليست ثابتة بالتأكيد  , فلا بد لهذا الكم الهائل من الإخفاقات أن تؤدي الى تبدُّل نوعي يؤدي بالنتيجة إلى تغليب الوعي على الحماقات المثقلة بالأنانيات الذاتية والعصبيات في البنى التقليدية للمجتمع الكوردستاني منه و السياسي المعاصر .
لهذا ( وللأسف) أن الغالبية العظمى من إبناء الشعب الكوردي لم يدركوا جيداً الواقع المُكبِّل الذي أوجدوا انفسهم فيه دون وعي وشعور , بمعزل عن إرشادات العقل , فيدور متوالية الزمن بنا في كل هزة أرضية تضرب متاريس وجدران شرقنا والعالم دون أن نتحرك من تموضعنا , فتنعكس علينا إرتاداتها بمزيد من التشرزم و التشتت والعزلة .
الضرورة التي تقضيها الحرية منا كشعب كوردي هي وعي أسباب تحقيقها , وهذا ما يرشد إليه منطق الاشياء من منظور الإحتياجات , على العكس من ذلك نحن الآن بصدد الضرورة التي تعني وقف الضرر وتفاقمه , الذي تسبب به تدخلات حزب العمال الكوردستاني و إستطالاته المتعددة و تفرعاته المتشعبة , في مصير قضيتنا القومية في كوردستان سوريا على مدى أكثر من ثلاثة عقود و إستئثاره بالمقدرات الإقتصادية وتسببه في إنقسام المجتمع الكوردي على شاكلة سياسيات حزب البعث في كل من العراق وسوريا دون أن يعي مخاطر هذه السياسيات على وحدة الشعب ومستقبله , و العمل على سياسة الإلهاء الأمنية بحق رجالات الحركة السياسية , لإبقاء المجتمع الكوردي وخاصة أنصاره غائباً عن التفكير و الوعي ليستمر في حكم الساحة البديلة التي يتصارع فيها القوى الكبرى والإقليمية المقتسمة لكوردستان بالتوافق مع النظام المجرم لتفويت فرصة إنجاز مهام ثورة شعب على مدى ستة أعوام , يتحقق فيها الحرية لأبناءئها بإعتبارها وعياً للضرورة .
في 23/2/2017 .          
 *
​نشر في جريدة يكيتي العدد (236) شباط 2017 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خليل مصطفى الكلام لأبناء الأُمَّة السُّورية (المُسلمين والمسيحيين والعلمانيين): أوَّلاً ــ منذ عام 2011 وهُم يرفعون شعارات الديمقراطية والوطنية، ولا زالوا لتاريخه (2024)… ومع ذلك لم نجدهُم قد حرَّكُوا ساكناً.؟! ثانياً ــ مِنْ المُعيب (بل المُخجل) أنهُم لا يتمعَّنون بواقع حياتهم المأساوية.؟ وعليه فمن مُنطلقات الديمقراطية والوطنية نسألهُم: إلى متى سيظل الظَّلام مُخيِّماً عليهم.؟ وإلى متى ستظل قلوبهُم وعقولهُم مُغلقة.؟…

سعيد عابد مع تكثيف الضغوط الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في إيران، أصبحت الهجرة استجابة واسعة النطاق في جميع شرائح المجتمع. من العمال المهرة إلى أصحاب الأعمال، يستكشف العديد من الإيرانيين طرق مغادرة البلاد بحثاً عن الاستقرار والفرص في أماكن أخرى. ويشمل جزء كبير من هذا الاتجاه الشباب، حيث اختار العديد من الشباب الإيرانيين التعليم كمسار للهجرة. في المقابل، تتخذ السلطات الإيرانية…

د. عبدالحكيم بشار يخطأ من يظن بأن أمريكا هي فقط دولة المؤسسات وأن الأفراد لا دور لهم، أو أن الدولة العميقة وحدها من تدير كل الأمور في ذلك البلد، أو القول : إن أيَّ رئيس هو مجرد موظَّف كبير في البيت الأبيض، وأن السياسة الأمريكية تُرسم في مكان آخر في أمريكا غير المكان الذي يُقيم فيه الرئيس طوال سنوات حكمه،…

صلاح بدرالدين خلال الانتخابات البرلمانية في ١ كانون الأول عام ١٩٦١ ، وكانت اخر انتخابات حرة في تاريخ سوريا ، وعندما ترشح الراحل الدكتور نورالدين ظاظا عن حزبنا (الحزب الديموقراطي الكردي في سوريا) أتذكر انني كنت في عداد – وكيل متنقل – لحملته وليس وكيلا رسميا ثابتنا بسبب مانع قانوني وهو صغر سني ، وكنت اتنقل بين مراكز الاقتراع ،…