برزان شيخموس
يعتبر أمراً طبيعياً طُغيان أخبار ومألات أحداث يوم الجمعة المنصرمة في بلدة “خانة سور” التابعة لقضاء شنكال بكوردستان العراق على الإعلام الكوردي وأحاديث حوانيت ومقاهي كرُدستان وكل ملتقى يجمع كوردياً أو أكثر، يتبادلن فيه أحاديث التهدئة وتخوين الآخر في مشهد لم ولن يكُن مطمح كلِ غيور على مصلحة أمة يلوح خلاصُها في الأفق القريب من خلال الحقبة الذهبية المتاحة المتزامنة مع المخاض العسير الذي تشهدُها المنطقة جمعاء.
من منطلق الحرص على المصلحة العليا المتمثلة في خدمة الشعب الكوردي وطموحه ومبتغاه يكون الدم الكوردي واقتتال الأخوة محرماً ليس لاعتبارات أخرى تتجسد بأن الشعب الكوردي شعب منزل أو شعب الله المختار ودمائه طاهرة فهو كأقرانه من شعوب المعمورة والمنطقة يحوي في جنباته الجيد والوفي والمخلص والمسيء في الأوان ذاتها، فغالبية ثورات الشعوب تندلع ضد الطغاة من نفس الشعب وضد من أساء للشعوب وأساء استخدام السلطة من أي طبقة كان أو مما يمتلك من نفوذ أي ليس بالضروري أن يكون الخصم من غير أمة أو عرق أو غير مذهب أو طائفة ولعل الفرنسية في السلف والتونسية في الحاضر المعاش خير مثال.
الحرص الشديد على عدم أراقة الدم الكوردي يأتي أيضاً من منطلق الغيرة والوفاء داعياً كل غيور إلى الدعوة إلى التهدئة وعدم إراقة الدم الكرُدي أملاً في استغلال الفرصة الذهبية المتاحة، كون الظروف الموضوعية مُهيأة لحد كبير لنيل الشعب الكرُدي حريته المطلقة عبر بناء دولته المنشودة والتي هي على مرمى حجر، مع الجهود التي يبذلها الرئيس البارزاني من خلال اقناع المجتمع الدولي ومن خلفه قوات البيشمركة التي أثبت نفسها كقوة يعتمد عليها من المجتمع الدولي باتفاق صريح موقع برعاية البارزاني بشخصه، ورص الصفوف في الداخل الأمر الذي تعارض مع مصالح الدول الغاصبة لكرُدستان على مدى عقودٍ طويلة، والتي بدأت تحرك أدواتها لهدم البنيان وافتعال مشاكل تكون كفيلة بإجهاض حلم ومبتغى الأمة التي انتظرت هكذا ظروف منذ أمدٍ بعيد.
هنا بالذات وعند المس بالمحظورات وتخطي الخطوط الحمراء المتمثلة في الحلم الكوردي ومصلحته، بهدم كل ما بني ويبنى بعرق ودماء المناضلين على قدمٍ وساق تُحضر مقولة ” ليس بعد الكفر ذنب “، وتباح كل الشرائع والسنن ويباح كل محظور نصرةً للحلم المنشود كون التاريخ الكوردي ذاخر بمأكل الكتف من الملة ونخر الشجرة من دودها، كما يوضحه المؤرخ الكوردي محمد أمين زكي في مؤلفه (تاريخ كورد كوردستان) بأن دويلة كوردية نشأت في منطقة (جيلان في كوردستان الشرقية ) بقيادة الملك “اولوجاي بوتوخان ” عام 1245 ميلادياً، مضيفاً إنه في العام الثاني عشر على حكمها هوجمت من قبل المغول بقيادة “جنكيز خان” ، حينها فشل المغول في اقتحام أسوار ( قلعة بهار ) وتكبدوا خسائر فادحة وصلت إلى مقتل 40000 مقاتل من المغول ونحر قائدهم الميداني على يد الأمير “شمدين” .
حينها غير جنكيز خان وجهته نحو بغداد من ثم إلى الشام حيثُ المماليك، وبعد انتصاره في الموقعتين، ظل زكام الهزيمة ملوحاً في أنف القائد المغولي “جنكيز خان”، إلا إن مستشاره ” الشاه خودا بندا” كان عنده الحل والدواء الشافي، إذ وجد حل المعضلة في تجنيد أبناء نفس الأمة ( الكوردية ) في تجنيد اختياري مقابل أجر مرتفع، سال لها لعاب أخوة الدم وأبناء الأمة الواحدة ، ليشكلوا جيشاً عرمرماً قوامه 100 ألف مقاتل كردي اجتاح بهم جنكيز خان العاصمة الخامسة لكوردستان، مستولياً على عاصمتها (قلعة بهار) حيث كتب المستشار حينها على جدار “قلعة بهار” (Kew dijminê serê xwe ye) أي (الحجل عدو رأسه) .
من منظور أخر يستطاع شرح الاقتتال (الكوردي – الكوردي) بمفاهيم أخرى وقد طبقت جميعها ونفذت فعندما يزج بالشباب الكوردي في معارك دون عائد و في مناطق وأراضي غير كوردستانية يكون ذلك قتلٍ للأخ للكوردي، عندما تغسل دماغ الكوردي بأفكار طوباوبية دون مطامحه يكون ذلك قتلٍ للأخ للكوردي، عندما يخدع الكوردي بأنه محمي وتسفك أرواحهم بدماء باردة وهم في غفلة يكون ذلك قتلٍ للأخ للكوردي بل قتلاً جماعيةً، عندما يجند أطفالنا وقاصرينا وهم في عمر الورود حينها ينحرون وهم براعم فتية، عندما تصوب البنادق الخفيفة والمتوسطة لصدور متظاهرين عزل حينها أيضاً يقتل الأخ الكوردي، عندما يكون القول شيء والفعل شيء كما في اتفاقات عدة يقتل حينها أيضاً الأخ الكوردي، عندما توجه دفة جيل كامل من الطلبة والتلاميذ نحو أمية بحتة تحت شعارات رنانة – كلمة حق يراد بها باطل- حينها يكون الموت الأزلي لأجيال كاملة من الأخوة الكورد.
لا ريب ولا شك ولا شبهة بأن الاقتتال الكوردي شر من الضروري تجنب وقوعه، لكن ما القول عندما ندرك أن أخانا ينحرنا يومياً من الوريد إلى الوريد، يخدعنا يهلكُنا يعمينا يفسدنا يؤدلج أفكارنا يجند قاصرينا يدفع بشبابنا إلى مقاصل حرب لا ناقة ولا جمل لنا فيها أو إلى غياهب يمٍ تتلاطم أمواجه بلا رحمة ولا شفقة من تجار البشر …. ويحارب بكل قواه حلمنا الفتي وأملنا المنشود وفي براغماتية لأصحاب هلال يمر من أراضينا.