«العمال» و «الديموقراطي» الكردستانيان: ضريبة نزاعهما يدفعها أكراد سورية

هوشنك أوسي
استيقظ المتبقّون من عناصر وقيادات «المجلس الوطني الكردي في سورية – ENKS» في المناطق الكرديّة السوريّة، صباح السبت 4/3/2017 على وجود رصاصة وقطعة صابون وخرقة بيضاء أمام أبواب بيوتهم. وهذا الأسلوب مارسه حزب «العمال الكردستاني» بحق الساسة والنشطاء والكتّاب والمثقفين الكرد السوريين المناصرين والمشاركين في التظاهرات السلميّة المناهضة لنظام الأسد في مطلع الثورة السوريّة، إلى جانب ممارسة الخطف والاعتقال والاغتيال…، بغية ثنيهم عن الانخراط في الثورة السوريّة.
هذا الأسلوب الترهيبي مارسته أذرع الدولة الخفيّة التركيّة، كاستخبارات الجندرمة التركيّة (JITEM) في حقبة التسعينات ضدّ مناصري ومؤيدي «العمال الكردستاني» في تركيا، وخطفت واغتالت هذه المنظمة السريّة ما يقارب 17 ألف شخص في الفترة 1991 -2000. وعليه، يبدو أن «الكردستاني» بات يقلّد ويمارس أساليب ترهيبيّة بحق معارضيه ومنتقديه، هي نفسها الأساليب التي مارستها الدولة الخفيّة التركيّة بحق أنصار «العمال الكردستاني».
حدث ذلك عقب الاشتباك المسلّح فجر 3/3/2017 في قرية «خان صور» على الحدود العراقيّة – السوريّة بين مقاتلي «وحدات حماية شنكال» التابعة لـ «العمال الكردستاني» و «بيشمركة روج» التابعين لوزارة البيشمركة في إقليم كردستان العراق. حيث أرادت قوات البيشمركة الانتشار هناك، فهاجمتها القوات التابعة لـ «العمال الكردستاني» وسقط قتلى وجرحى من الجانبين. وفي اليوم التالي، شهدت المدن الكرديّة السوريّة هجمات على مكاتب ومقار الأحزاب الكرديّة المنضويّة في «المجلس الوطني الكردي» وتم حرقها، إلى جانب اعتقال العشرات من أعضاء وكوادر هذه الأحزاب في مناطق الجزيرة، كوباني وعفرين، من قبل سلطة حزب «الاتحاد الديموقراطي». إضافة إلى تنظيم الحزب التظاهرات الـ «عفويّة» المناهضة لرئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني وحزبه «الديموقراطي الكردستاني». كل ذلك، والآلة الإعلاميّة التابعة لـ «العمال الكردستاني» وفرعه السوري «الاتحاد الديموقراطي» تقوم بحملة تهييج وتجييش ضد بارزاني وحزبه، وأخفّ النعوت التي أطلقت عليهما: «خائن، عميل، مرتزقة أردوغان…».
صحيح أن الصراع في أصله هو بين إيران التي تدعم «العمال الكردستاني» وفرعه السوري، وتدعم «الاتحاد الوطني الكردستاني»، جناح (ملا بختيار – هيرو ابراهيم احمد) وبين «الديموقراطي الكردستاني المدعوم من تركيا، إلاّ أن من يدفع ضريبة هذا الصراع بالدرجة الأولى هم كرد سورية. الصحيح أيضاً أن «العمال الكردستاني» يمارس أقصى درجات الاستفزاز ويحاول جرّ «الديموقراطي الكردستاني» إلى حرب كردية – كردية، بأي شكل من الأشكال. إذ لم يتوقّف إعلام «العمال الكردستاني» عن تخوين وشيطنة مسعود بارزاني منذ 2011. كذلك إعلام «الديموقراطي الكردستاني» ردّ على تلك الحملات، ولكن ليس بمستوى الشيطنة والتخوين نفسيهما اللذين طفح بهما إعلام «العمال الكردستاني».
من جهة أخرى، يتعامل «العمال الكردستاني» بمنطق وضع اليد وفرض الأمر الواقع والاستفادة من الأزمات. ففي أزمة 1991، والهجرة المليونيّة التي شهدها إقليم كردستان العراق، وسّع «العمال الكردستاني» من منطقة انتشاره داخل كردستان العراق. كذلك استفاد من الاقتتال الذي حصل بين «الاتحاد الوطني الكردستاني» و «الديموقراطي الكردستاني» (1994- 1998). واستفاد من سقوط النظام العراقي السابق وانشغال الحزبين الكرديين العراقيين بأمور ترتيب الحكم والسلطة في بغداد. والاستفادة الكبرى كانت من هجوم تنظيم «داعش» الإرهابي على منطقة سنجار (شنكال) الإيزيديّة، وارتكاب الإبادة المعروفة للقاصي والداني، وانسحاب مقاتلي «الديموقراطي الكردستاني» في شكل مفاجئ وغريب. حيث استثمر «العمال الكردستاني» محنة الإيزيديين للحدود القصوى في حربه السياسيّة والأيديولوجيّة ضد مسعود بارزاني وحزبه، وزجّ الحزب الأوجلاني بمقاتليه في منطقة سنجار، بهدف تحرير المنطقة. وبعد إنجاز ذلك، رفض «العمال الكردستاني» الانسحاب، وتعامل مع المنطقة وفق مبدأ، «وضع اليد» و «فرض الأمر الواقع. وبل حاول «العمال الكردستاني» فصل منطقة سنجار عن إقليم كردستان وتشكيل «كانتون» خاص منفصل، تابع لقيادة الحزب في جبال قنديل. ولكن الحزب عدل عن ذلك، ولو شكليّاً، تحت الضغط وردود الفعل الكرديّة الناقدة والساخطة، من دون أن يسحب قواته من تلك المنطقة. وصارت هذه القوّات تنسّق مع «الحشد الشعبي» الشيعي المدعوم من طهران.
حاليّاً، يتواجد بين قرية «خان صور» التابعة لمنطقة «سنوني»، على الحدود السوريّة – العراقيّة ومنطقة شنكال – سنجار ما يقارب 2000 مقاتل تابع لـ «العمال الكردستاني» تحت مسمّى وهمي هو: «وحدات حماية شنكال» على شاكلة «وحدات الحماية الشعبية» التي شكلها «العمال الكردستاني» في المناطق الكردية السورية منذ مطلع الثورة السوريّة.
الحقّ أن «العمال الكردستاني» وبعد قتال ضد تركيا دام أكثر من ثلاثة عقود، لم يستطع تحرير قرية جبليّة واحدة، إلاّ أن الحزب يسيطر الآن على مناطق واسعة من كردستان العراق (قنديل، زاب، خواكورك، حفتانين، متينا، كاريه، مخمور وشنكال)، ومع سيطرته على كردستان سورية، صار الحزب الأوجلاني يحاصر كردستان العراق من الشمال والغرب والجنوب، بينما يتكفّل حليفه «الاتحاد الوطني الكردستاني» بالسيطرة على محافظة السليمانيّة. ضمن هذا الطوق، تلعب قرية «خان صور» مكان الاشتباك دوراً رئيساً ومهمّاً كمعبر لمقاتلي «العمال الكردستاني» محملين بالأسلحة والأموال من سورية إلى قنديل وبالعكس. كذلك تعتبر هذه المنطقة الثغرة الآمنة التي يعبر منها المقاتلون الشيعة العراقيون والإيرانيون لنصرة نظام الأسد في سورية. لذا، تفاجأ «العمال الكردستاني» بالحركة العسكريّة التي قام بها «الديموقراطي الكردستاني» في قرية «خان صور» إذ اعتبرها محاولة قطع الشريان الواصل بين جبال قنديل والمناطق الكردية السوريّة. إلى جانب ما يشكله هذا «الكوريدور» الواصل بين الحدود الإيرانية وسورية من فوائد لنظام الأسد.
وبالعودة إلى تاريخ العلاقة بين «الديموقراطي الكردستاني» و «العمال الكردستاني» نجد أن جريدة «سرخوبون – الاستقلال» الناطقة باسم «العمال الكردستاني» نشرت في العدد 20، الصفحة 16، آب (أغسطس) 1983، نصّ الاتفاق المبرم بين الحزبين، والذي وقّعه في دمشق كل من مسعود بارزاني بصفته رئيساً لـ «الديمقراطي الكردستاني» وعبدالله أوجلان، بصفته السكرتير العام لـ «العمال الكردستاني». وتألّف الاتفاق من 11 بنداً، أهمّ ما فيه، هي البنود الخمسة الأخيرة (من 7 حتى 11)، لأن البنود الأولى تركّز على تشكيل جبهة مقاومة مشتركة لمناهضة الامبرياليّة والاستعمار وتركيا وأميركا. وجاء فيه:
7 – «التحرر الوطني الكردستاني، يتم في كل جزء من كردستان على حدة، اعتماداً على القوى السياسيّة لذلك الجزء…». يعني، يمنع تدخّل حزب كردي في شؤون الجزء الآخر من كردستان الذي لا ينتمي إليه.
8 – «احترام خصوصية كل جزء من كردستان. وعدم تشكل أي حزب، لحزب آخر مرتبط به، خارج الجزء الكردستاني الذي ينتمي إليه». يعني رفض تشكل «الديموقراطي الكردستاني» حزباً مرتبطاً به في كردستان تركيا. وبالعكس، رفض تشكيل «العمال الكردستاني» حزباً مرتبطاً به في كردستان العراق.
9 – «النضال الأيديولوجي بين الأحزاب الكردستانيّة لا ينبغي أن ينعكس سلباً على العلاقات بين هذه الأحزاب. ورفض اللجوء إلى السلاح لحل أي خلاف قد يحصل بين الطرفين…».
10 – عدم تدخّل أي حزب في شؤون الحزب الآخر، واحترام الاستقلال الأيديولوجي والسياسي لكل حزب».
11 – في حال حدوث أي خرق أو انتهاك أثناء تطبيق هذا الاتفاق، ينبغي على مسؤولي الحزبين إبلاغ بعضهما بعضاً. وفي حال تجاهل أي طرف لهذا الإبلاغ والتنبيه، فسيكون الحزب الآخر في حِلّ من هذا الاتفاق، ويمارس نضاله في شكل مستقل».
كان ذلك عام 1983، لكن، حين اشتد عود «العمال الكردستاني» وقويت شكوته، اتخذ في مؤتمره الرابع المنعقد في كردستان العراق عام 1990، قرار تشكيل «حكومة حرب» في منطقتي «بهدينان (كردستان العراق)» و «بوطان (كردستان تركيا)». ومنطقة «بهدينان» تاريخيّاً هي منطقة نفوذ «الديموقراطي الكردستاني». وبالتالي، ناهيكم عن نقل «العمال الكردستاني» ساحة حربه ضد تركيا إلى كردستان العراق، قرر ضم منطقة واسعة من كردستان العراق إليه. وهذه كانت أولى خطوات انتهاك الحزب الأوجلاني الاتفاق الذي وقعه مع مسعود بارزاني.
عام 1991، وعقب الانتفاضة الكردية العراقية، وتشكيل منطقة الملاذ الآمن، قرر «العمال الكردستاني» تشكيل حزب مرتبط به، تحت اسم «حزب الحرية الكردستاني (PAK)»، صحيح أن أعضاؤه كانوا كرداً عراقيين، ولكن الإدارة كانت خاضعة لقيادة «العمال الكردستاني».
في خريف 1992 دخل «الاتحاد الوطني الكردستاني» و «الديموقراطي الكردستاني» في حرب ضروس إلى جانب الجيش التركي ضد «العمال الكردستاني». وفجأةً، انسحب «الاتحاد الوطني» تاركاً «الديموقراطي الكردستاني» وحده في تلك الحرب.
عام 1994 بدأ الاقتتال بين «الديموقراطي الكردستاني» و «الاتحاد الوطني الكردستاني». واستفاد «العمال الكردستاني» من انشغال الحزبين العراقيين ببعضهما بعضاً، ووسّع مناطق نفوذه في كردستان العراق. وعام 1995، وبالتنسيق مع «الاتحاد الوطني الكردستاني» هاجم «العمال الكردستاني» مناطق «الديموقراطي الكردستاني» من الخلف. فأصبح مصير حزب بارزاني على كف عفريت، حزب طالباني من الشرق وحزب أوجلان من الشمال، فلم يبقّ أمام بارزاني إلاّ الاستنجاد بجيش صدام حسين عام 1996، وكان له ذلك. وبعد أن استقرّ الوضع لبارزاني، التفت «الديموقراطي الكردستاني» إلى «العمال الكردستاني» بخاصة أن الأخير أعلن منطقة «زاب» منطقة خاضعة لنفوذه وأطلق عليها اسم «جمهورية زاب».
منذ عام 2000 ولغاية 2008، رفض «الديموقراطي الكردستاني» وزعيمه الضغوط التركيّة للدخول مجدداً في حرب مع «العمال الكردستاني» ورفض إطلاق وصف الإرهاب على حزب أوجلان، في حين وصف «الاتحاد الوطني» حزب أوجلان مراراً بالإرهاب، وشنّ هجوماً واسعاً على جبال قنديل عام 2000، محاولاً الاستفادة من البلبلة التي حصلت داخل حزب أوجلان بعد اعتقال الأخير وخطفه من نيروبي عام 1999. لكن هجوم حزب طالباني فشل، وخسر مناطق أخرى كانت خاضعة لنفوذ «الاتحاد الوطني». معطوفاً عليه، دعم وتمويل «الاتحاد الوطني» كل حالات الانشقاق التي حصلت في «العمال الكردستاني» وفرعه السوري عام 2004. في حين لم يفعل «الديموقراطي الكردستاني» ذلك.
ومن المفارقات الكرديّة حاليّاً أن حزب جميل بايك، (بعد ان فقد اوجلان السيطرة عليه)، و «الاتحاد الوطني الكردستاني» هما حلفاء يتبعان محور طهران – القرداحة. ولأن حزب طالباني صار ضعيفاً، بات يستخدم «العمال الكردستاني» كعصا ضاربة ضد حزب بارزاني.
قصارى القول: يتعرّض مسعود بارزاني لضغوط متعددة من تركيا، تهدف إلى الزجّ به في حرب ضد «العمال الكردستاني»، ويرفض بارزاني ذلك منذ 2008. ويتعرّض لضغوط من جانب إيران والحكومة العراقية، ولضغوط من جانب حلفاء إيران «الاتحاد الوطني الكردستاني» و «حركة كوران»، إلى جانب الانشغال بالأزمة المالية التي يعانيها الإقليم والحرب على تنظيم «داعش». ومن غير المعروف إلى متى يمكن لبارزاني ممارسة ضبط النفس، بخاصة حيال ضغوط «العمال الكردستاني» الذي بات يتعامل مع كردستان العراق، كتعامل الفصائل الفلسطينيّة مع الأردن عام 1970، وتعامل منظمة التحرير مع لبنان مطلع الثمانينات. إذ يريد «الكردستاني» تعويض فشله في كردستان تركيا، عبر تحقيق مكاسب في العراق وسورية، وحطبه في ذلك كرد سورية.
———— 
جريدة الحياة

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…