حماية الشعب أم خيانة الشعب؟

جان كورد 
 في شهر آذار من كل عام، تحدث مآسي الكورد أو انتصاراتهم، وفي هذه السنة أيضاً تتوالى الأخبار السيئة مع بداية آذار عن أحوال الكورد، وقد تحدث جريمة كبرى تنضم إلى الأحداث التاريخية الشنيعة في تاريخهم المخضب بالدماء.
في الوقت الذي يتم استقبال الرئيس الكوردستاني، مسعود بارزاني،  باحترامٍ في مختلف الأوساط الدولية والمهتمة بمشاكل الشرق الأوسط، ويتعاظم التأييد العالمي لمساعيه من أجل تحقيق الأمن والاستقرار والحرية والاستقلال لشعبه، يشن من يسمون أنفسهم ب”حماة الشعب” حملات شعواء ضده ويعملون لإيقاف مسيرته الظافرة، هؤلاء الذين أضاعوا بوصلتهم الفكرية باعتقال واختطاف معبودهم قبل 17 عاماً، وما عادوا يدرون أين مكانهم الحقيقي في عالم السياسة الدولية، فيرفعون رايات الأممية والشيوعية ويقاتلون في ظل القوات الأمريكية المعادية لفكرهم،
يزعمون الثوروية والتطرّف في الثورة أحياناً ثم يتفقون مع دكتاتورية حولت بلادها إلى “مسلخ بشري”، ويتبجحون بأنهم يملكون قوات ضخمة تسمى ب”وحدات حماية الشعب” وهم يعملون كل شيءٍ إلاّ  “حماية الشعب”. بل إنهم بدأوا بممارساتٍ تشبه ممارسات النازيين الهتلريين من إرهاب المعارضين بشتى الوسائل، حتى وصل بهم الأمر إلى تأشير بيوت المعارضين لهم بإشاراتٍ مضمونها التهديد والوعيد بالقتل، ويعتقلون من ينبس بكلمةٍ لا يريدون سماعها، في الوقت الذي ينددون بسياسات الدول التي تعتقلهم، ويهاجمون مراكز الأحزاب الرافضة للسير معهم في مسيرة الولاء والخضوع لنظام قتل أكثر من نصف مليون مواطن من شعبه، فيحرقون ويحطمون ويهينون علم الأمة الكوردية الذي لم يدنسه حتى الأعداء، فأي حماية للشعب تزعمون يا جماعة حزب الاتحاد الديموقراطي؟ 
بل لا يكتفي هؤلاء “الفانتازيون!” فكراً بإرهاب الشعب الكوردي في غرب كوردستان، وإنما يدعمون رفاقهم الذين استقروا منذ سنواتٍ في جبل “قنديل” الواقع في جنوب كوردستان، الذين لم يتمكنوا بعد ثلاثين عاماً من القتال تحرير قريتين كورديتين، في شمال كوردستان الواسعة التي تضم جبالاً شاهقةً عديدة، في حين يقومون بكل شيءٍ يؤذي الشعب الكوردي في جنوب كوردستان، بل يأتمر “حماة الشعب” بأوامر “القنادلة” العجائز، ويساعدونهم في التشبث بالمواقع العسكرية التي أصبحت في أيديهم بعد هجوم داعش على جبل سنجار، ويعملون معاً على تحويل المنطقة إلى “كانتون” لا علاقة له بكوردستان والشعب الكوردي، على الرغم من أن سكانه الكورد اليزيديون يرفضون رفضاً قاطعاً أن تتحول منطقتهم إلى ساحة نزاعات سياسية، ولا يريدون قتالاً في قراهم ومدنهم بعد أن تم تطهيرها من داعش، فهم شعب مسالم ذو ديانةٍ مسالمة، يود العيش في أمن واستقرار.
إن سياسة “القنادلة ” قد فشلت في كل مشاريعهم السايقة، مثل جمهورية الزاب، وحكومة بوتان، وفي تحرير منطقة ديرسم، وفي هجومهم الغادر على الحزب الديموقراطي الكوردستاني قبل سنوات، بهدف القضاء عليه وتقديم قياداته ل”محكمة الشعب!!!”… مثلما فشل “حماة الشعب” في تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة التي استولوا عليها بقواتهم التي أطلقوا عليها اسم “قوات سوريا الديموقراطية”، فها هي منبج تسلّم من قبلهم إلى نظام الأسد، بعد تحريرها بدماء الكورد، وهاهم البعثيون الذين كان حكمهم سبباً أساسياً في تعريض سوريا إلى كارثة سياسية لا مثيل لها، يسرحون ويمرحون في مدينة القامشلي حول تمثال معبودهم “حافظ الأسد”، في ظل “كانتون ديموقراطي ايكولوجي بامتياز!” وكأنه لا وجود لأي إدارة كوردية في الجزيرة، أو لأن هذه الإدارة تعمل فعلاً مع النظام وبعثه، مع حزب الله وشبيحة الأسد، ومع قتلة الشعب السوري بمختلف أنواع الأسلحة. 
وحيث أن الشعب السوري ومعه المجتمع الدولي يعتبرون رأس النظام السوري فاقداً للشرعية وحزب الله المتعاون معه إرهابياً، فلا يمكن أن يتم استثناء الكورد السائرين في ركب هذا النظام “ديموقراطيين!”، فهذا يتعارض مع العقل والمنطق بالتأكيد. 
إن “حماية الشعب” تتحوّل بسرعة إلى “خيانة للشعب”، رغم أن هذا الشعب قد قدّم الآلاف من التضحيات تحت رايتكم، فلا تستمروا في سياسة العداء لقواه الوطنية، ولا تساهموا في جريمة العدوان التي يمارسها القنادلة ضد حكومة جنوب كوردستان، ولا تمارسوا أساليب النازية والدواعش في تأشير بيوت ومواقع ومحلات ومراكز المعارضين لكم، فسيلفظكم هذا الشعب الذي لم يعد جاهلاً كما تتصورون، بل عودوا إلى رشدكم بعد الخطأ الكبير الذي وقعتم فيه بالتوجه نحو منبج وتعريض حياة الشباب الكورد إلى خطر الموت، ثم الانسحاب منها ذليلين مرعوبين من أن تقصفكم طائرات ودبابات الجيش التركي فقدمتم  منبج لحليفكم الأسد، فهل هناك أذل من  يقاتل المرء من أجل غيره؟ 
أتريدون الإذلال ذاته في إقدامكم على تحويل جبل سنجار إلى “كانتون”، وخوفاً من أن تسحقكم قوات البيشمركة تضطرون للتعاون مع قوات “الحشد الشعبي” وحكومة بغداد؟ أ فليس هذا عاراً عليكم بعد أن أرغمتم عشرات الألوف من فتياننا وفتياتنا على أداء القسم برأس وفكر معبودكم، ثم ترغمونهم على الموالاة لنظام الأسد وللتعاون مع بغداد، عوضاً عن عناق إخوتهم وأخواتهم بيشمركة الكورد وكوردستان؟ 
لا تجعلوا من “حماية الشعب” خيانةً للشعب، إذا كنتم حقاً من أبناء وبنات هذه الأمة، حتى لا يلعنكم الشعب بعد الآن.   
‏04‏ آذار‏، 2017

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف تعود سوريا اليوم إلى واجهة الصراعات الإقليمية والدولية كأرض مستباحة وميدان لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى والإقليمية. هذه الصراعات لم تقتصر على الخارج فقط، بل امتدت داخليًا حيث تتشابك المصالح والأجندات للفصائل العسكرية التي أسستها أطراف مختلفة، وأخرى تعمل كأذرع لدول مثل تركيا، التي أسست مجموعات كان هدفها الأساسي مواجهة وجود الشعب الكردي، خارج حدود تركيا،…

روني آل خليل   إن الواقع السوري المعقد الذي أفرزته سنوات الحرب والصراعات الداخلية أظهر بشكل جلي أن هناك إشكاليات بنيوية عميقة في التركيبة الاجتماعية والسياسية للبلاد. سوريا ليست مجرد دولة ذات حدود جغرافية مرسومة؛ بل هي نسيج متشابك من الهويات القومية والدينية والطائفية. هذا التنوع الذي كان يُفترض أن يكون مصدر قوة، تحوّل للأسف إلى وقود للصراع بسبب…

خالد حسو الواقع الجميل الذي نفتخر به جميعًا هو أن سوريا تشكّلت وتطوّرت عبر تاريخها بأيدٍ مشتركة ومساهمات متنوعة، لتصبح أشبه ببستان يزدهر بألوانه وأريجه. هذه الأرض جمعت الكرد والعرب والدروز والعلويين والإسماعيليين والمسيحيين والأيزيديين والآشوريين والسريان وغيرهم، ليبنوا معًا وطنًا غنيًا بتنوعه الثقافي والديني والإنساني. الحفاظ على هذا الإرث يتطلب من العقلاء والأوفياء تعزيز المساواة الحقيقية وصون كرامة…

إلى أبناء شعبنا الكُردي وجميع السوريين الأحرار، والقوى الوطنية والديمقراطية في الداخل والخارج، من منطلق مسؤولياتنا تجاه شعبنا الكُردي، وفي ظل التحولات التي تشهدها سوريا على كافة الأصعدة، نعلن بكل فخر عن تحولنا من إطار المجتمع المدني إلى إطار سياسي تحت اسم “التجمع الوطني لبناء عفرين”. لقد عملنا سابقاً ضمن المجتمع المدني لدعم صمود أهلنا في وجه المعاناة الإنسانية والاجتماعية…