وعي الذات الكردية في كتابات محمود عباس.. حلقة 11- عن الكرد وأدبائهم قبل الإسلام

 ابراهيم محمود
” يقال إن التاريخ يكتبه المنتصرون، وفي حالة الأكراد، فإن هذا يعني أن أعداءهم كتبوا التاريخ. “
جوناثان راندل: أمَّة في شقاق، ص16.
===
ماالذي حفّز باحثنا محمود عباس، لأن يكتب ” هل كان للكرد أدباء وفلاسفة قبل الإسلام ؟ “، وعلى امتداد الأسابيع الثلاثة الأخيرة من شباط، وحتى الآن في ستة أجزاء ” حوالي 5500 كلمة”؟ وانطلاقاً من مساءلة الإسلام كسياسة، قبل كل شيء! لا بد أنها مستجدات الجاري !
إنها لمغامرة بحثية مقلقة، وموتّرة للأعصاب، وباعثة- حتى الدوار، نظراً لكون السؤال مساءلة، والمساءلة تحمل معها ” مصابها ” بقدر ما تكون استنطاقاً للذين نهبوا الكرد تاريخاً ولغة وأرضاً وثقافة، ولا بد أن الإسلام كمسلك عملي يجمع إليه من قسَّموهم وتقاسموهم في هذا المنحى !
مغامرة تستحق التقدير، لما فيها من جرأة وشجاعة إراديتين، وهي، وإن لم تكن جديدة في مضمارها تماماً، إلا أنها في هذا الوقت بالذات، بالنسبة لأهلها، والذين يتنكرون للكرد ككيان جغرافي وتاريخي، تكتسب قيمة تاريخية واعتبارية، حيث يتجنب الكثيرون خوض غمارها.
طبعاً، من جهتي، وأن أكبّر فيه هذا ” الجهاد ” المعرفي، كنت أتمنى عليه أن يدع ” الإسلام ” جانباً، كون الكرد لا يقارَنون بالإسلام كدين من ناحية، فلهم تاريخ يتعدَّاه، ولهم دين أسبق، وليس الإسلام هو من يمكن وضعه في الواجهة من ناحية أخرى، إنما سياسات الحكومات التي تعاقبت في المنطقة وسعت إلى اختزال الكرد تاريخياً، وتزييف حقيقتهم لمصلحتها، لئلا يظلَم الإسلام وحده كسياسة هنا، إلا إذا أريدَ منه أن يكون محكاً لاختبار ما إذا كان الذين ينطلقون منه، بوصفه سماوياً، ويطبّقون نصه الديني، أم على الضد من ذلك، بشرعنة عنفهم فيهم !
عباس، ومن خلال مجموعة من المصادر التي يسمّيها في متن بحثه ” وكنت أتمنى أن تكون أكثر تحديداً في معلوماتها، وفي مجموعها، على الأقل من جهة التاريخ والصفحة، ليُستفاد منها بصورة أوسع ، وفي بحث خطير ومهم جداً كهذا الذي لم ينته منه بعد ، كما في حال: الطبري، المسعودي، ابن النديم، ابن عبد ربه، بروكلمان، شوقي ضيف، يوسف الدبس، ابراهيم محمود..”، يذهب إلى حد التأكيد على أن هناك أدباء وفلاسفة كرداً قبل الإسلام، لأن الكرد، تبعاً له، لم ينقطعوا عن التاريخ، وهذا يعني أن لهم أدباً وفكراً، وكما هو مستخلص من تواريخ الآخرين قديماً وحديثاً، وأنهم ” الكرد ” في مجموع مكوناتهم، قد تعرضوا لابتزاز التاريخ والأنظمة التي سعت إلى تشويههم مع تاريخهم، والتعتيم على حقيقتهم.
في الجزء الأول، نقرأ له، في ” 8-2/ 2017 “، ما يفصح عن هاجسه النفسي والمعرفي طبعاً (كتبت قبل فترة كتوطئة لهذه المقالة، عدة جمل في صفحتي على الفيس بوك، كرؤية تاريخية حول، حقيقة تكاد أن تكون شبه مؤكدة، أكثر من أن تكون احتمالية على وجود شعراء وكتاب وفلاسفة كرد قبل الإسلام.)، والمصادر هي التي تعلّم أو تنوّه إلى ذلك،كما في حال ” أردشير ” وأن (تسمية الساسانيين يعود إلى الكاهن الزرادشتي ساسان جد أردشير الأول أبن بابكان الكردي ، مؤسس الحضارة الساسانية، وكان من أسلاف الكرد ).
عباس، وفي تعقبه للعلاقة بين الغزوات العربية – الإسلامية، وما كانت عليه الشعوب المغزوة من ثقافة وحضارة، والبنية العصبية والجاهلية للعرب وموقف الإسلام الخصم للثقافات والعقائد المناوئة له، دفعت به إلى القول (وحسب دراستنا المتواضعة للتاريخ تتبين بأن الغزوات الإسلامية الأولى قضت على التاريخين الثقافي والعمراني لتلك الفترة، والتي أدت إلى ضياع المكاتب مع كتبها المتواجدة في مدن تلك الحضارات، ونخصها هنا، إلى جانب المكتبتين الدارجة حولهما الجدال البيزنطي، مكاتب مدن حران وجنديسابور وكركوك وأربيل ” يقال إنها أول مدينة في التاريخ ولم تنقطع عن وجودها كمدينة ومدنية” ونصيبين وآمد، والجدال في هذه القضية يشبه الصراع اللامنتهي بين المذاهب الإسلامية، الشيعة والسنة، فالدمار الذي لحقت بتلك المدن، إلى جانب انتشار فكرة إلغاء كل ما سبق الإسلام، خلفت الشكوك حتى عند رواد هذه الشعوب حول تاريخهم الما قبل الدين الإلهي.).
إنه كلام خطير، ولكنه يتطلب ذهنية متفتحة لمناقشته والدخول معه في حوار.
في ” ج2: 11-2/ 2017 “، يستعير من ديورانت، الكثير المؤكّد لما أخذه الفرس من الميديين، في الكتابة وغيرها،و” أفستا ” مثل حي على هذا التأثير .
ويستمر في التوسع في ” ج3: 14-2/ 2017 “، منوهاً إلى هذا التخريب، وانتهاج أسلوب ” القرصنة ” والقضاء على ما هو مميّز للشعوب المغزوة، والكرد في الواجهة (ولم يؤثر الإسلام تأثيراً عميقاً في شعراء العرب، فقد سلك شعراء العصر الأموي دون مبالاة في مسالك أسلافهم الجاهليين.).
وفي عودة إلى الوراء في ” ج4: 20-2/ 2017 ” يشير إلى مكانة الكرد التاريخية، من خلال أسلاف لهم، وما يترتب على هذا القول من وجود مخطط ثقافي، سياسي معتمَد من قبل أعدائهم الذين أرادوا محو كل أثر لهم في هذا الجانب، وما في ذلك من عداء تجاه الآخر (فحتى عندما كان الكرد فيها يقودون الحضارة الميدية والفرس بدو، كانت شريحة منهم في السلطة، ولولا ذلك لما تمكنوا من السيطرة على الإمبراطورية الميدية ومن داخلها، وعملية اعتماد أحد أمراء الميديين على الفرس لاستلام السلطة معروفة للمؤرخين، لذلك فالمرحلة الأخمينية استمرار للميدية خاصة من الناحية الحضارية.).
وفي العودة إلى الإسلام، وفي ” ج5: 23-2/ 2017 “، ربما نتلمس أخطر نقطة في بحثه حتى الآن، عندما يركّز على فاعلية العصبية القبلية العربية الجاهلية، وكيف أنها إثر وفاة الرسول، عبّرت عن أنها لم تتغير، إنما تجاوبت مع الذهنية البدوية تجاه الآخرين ، كما في التالي:
( 1-على الرغم من أن إله الرسول مات بموت الرسول، ومقولة أبو بكر الصديق الشهيرة كانت في غيرها، لكن الجدلية بين (إشكالية التاريخ) أم (عدم اعتراف) استمرت وفرضت حضورها.
2-لغة أقاويل الديانة الأزداهية و(الإيزيدية) حتى الأن مدموجة بين الفارسية والكردية، وبأسلوب سجعي، تلقى على طريقة كتاب الأفيستا والتي يعتقد البعض أن القرآن كتب بنفس الطريقة.
3- الحضارات التي بناها الكرد والفرس معا، وخاصة الساسانية، لا تعطي الأفضلية للعنصر الفارسي.
4- التأكيد على حقيقة غيبت على مر العصور حول حجم التدمير الثقافي الذي خلفته الغزوات الإسلامية العربية بالحضارة الساسانية وثقافتها.
ذلك ما يتوافق مع التاريخ العملي للإسلام، أي باعتباره سلوكات وليس نصوصاً حصراً، وأن الذين تعاملوا مع الرسول كانوا يعتمدون علامات استفهام وتعجَّب: عن هذا الذين يمكنه القيام أو عدم القيام به، وهم في توزعهم القبلي، الجاهلي، وعن الذي يثير العجب، وهو في سعي منه إلى التحول بهم صوب عالم آخر، ربما وجدوا في ماضيهم القبلي ما يعزّز حضورهم أكثر، وموت الرسول أفصح عن هذه العلاقة جهة القوَّة المفعَّلة، وفي إثرها: حروب الردة، كترسيخ لها.
ويتعزز ذلك في تنامي هذا المسلك وحدّته تجاه الشعوب المغزوة من قبل السلطات القائمة، والكرد كانوا في واجهة هذه التعديات، كما نلاحظ هذا في ” ج6: 28-2/ 2017 “، أي من قبل أيد وأذهان متضامنة، ومتحالفة لتحقيق هذا الهدف، وهو هنا يقارب التاريخ ” المجهول ” أكثر، سائلاً ومتسائلاً عن تلك الأسماء الأدبية والفكرية والسياسية المغيَّبة ولها صلة بالتاريخ، وكيف غيّبت أو جرى إقصاؤها، أو الحيلولة دون بروزها على سطح التاريخ الفعلي، حيث الإسلام كدين مسيس، له دور في هذا السياق الثقافي المركزي(فنشرت السلطات العباسية، مفاهيم شاذة بين المجتمع، بعضها منحطة أخلاقياً، كإطلاق صفة الساساني على الشريحة الدنيا من المجتمع، إلى أن أصبحت كلمة (الساساني) تعني (المتسول أو الشحاذ) بين العرب.)…الخ.
 نعم، في وسعي القول أن كتابة أبحاث من هذا القبيل تبز عمل أغلبية أحزابنا الكردية التي تجهل تاريخها، لأنها تجهل شعبها وما يحتاج إليه في هذا المجال، لأنها تتمثل في عقول تفتقر إلى ديناميكية العقل الذي يلتحم بالتاريخ، ويتفاعل مع المستجدات، ويهتم بموضوعات كهذه، إذا كانت في مستوى اسمها ” أسمائها ” التي تعني أنانياتها، وفي هذا الظرف العصيب أكثر، حيث إن الجاري لا يفهَم بالمعنى السياسي الممارَس، وهو بائس بأكثر من معنى، بما أن السياسة لا تعرّف بنفسها في ” حاضنة ” سياسيينا” وما أكثرهم “، وإنما في السياق الثقافي الذي يصل ما بين مراحل التاريخ جنباً إلى جنب، وهو يكاد يكون غائباً، لأن فاقد الشيء لا يعطي.
هذه أولاً، أما في النقطة الثانية، فهي ترتبط بما هو ممكنٌ الإسهام فيه، لجعل البحث أكثر إثراء من قبل من يملكون المقدرة، كونه فاعل حقيقة، ويتطلب جهوداً مختلفة، وفي هذا الوقت، ليكون هناك تاريخ يقبَل على قراءته، خارج الأطر السياسية والإملائية الضيقة، لا بل والمخزية.
وتأكيداً على حيوية هذا المجال الواسع والمؤثر والخطير والأثير معاً، وأنا أشد على يدي الصديق والباحث الكردي محمود عباس، فإنه يمكنني التنويه إلى النقاط التالية :
أولاً، فيما يخصني: لقد حاولت التعرف على ما هو غامض، ومعتَّم عليه تاريخياً، وتحديداً بالنسبة للإسلام كبنية نصية وسياسة تعامل، وتأثير الزرادشتية في مكوّنه الفقهي وغيره، في العديد من كتاباتي” مؤلفات ومقالات وغيرها “، على الأقل وأنا أسمي كتبي ” الكرد في مهب التاريخ-1995، تقديس الشهوة” النصوص الفلكية في النص القرآني-2000، نصوص آفستا وقراءة في النص الأفستاني-2013…الخ “.
ثانياً، من جهة المصادر التي تستحق القراءة، رغم قلَّتها، فهي مفيدة في إنارة بحثنا هذا:
بالنسبة إلى تاريخ اليوناني هيرودوت”:484- 425 ق. م” ، ترجمة: عبدالإله الملاح، مراجعة: أحمد السقاف، وحمد بن صراي، المجمع الثقافي، أبو ظبي 2001، ثمة أكثر من إشارة إلى مدنية الميديين الكرد وتأثيرهم في الفرس، عدا المذكور سالفاً،كقوله مثلاً( وليس كالفرس شعب ينزع إلى الأخذ بمناهج من هو غريب عنه، فهم يرتدون أزياء الميديين، مثلاً لاعتقادهم بأن تلك الأزياء أكثر أناقة من أزياهم..ص 96.).
إذ إن الأناقة ذات خاصية حضارية وتشي بوجود ثقافة وأدب بالمقابل. 
وعندما يشير ابن البلخي:، في كتابه فارس نامه ، حققه وترجمه عن الفارسية وقدَّم له: يوسف الهادي، الدار الثقافية ، القاهرة، 2001، إلى قوة الكرد والاعتماد عليهم في جيش فارس. ص153، ومغزى ذلك هو في أهميتهم.
ولم أسمّ ديورانت هنا، وقد نوّه إليه في بحثه .
وفي كتاب ادوارد براون: تاريخ الأدب في إيران، ترجمه إلى الفارسية: علي باشا صالح- إلى العربية: أحمد كمال الدين حلمي، تقديم : محمد علاء الدين منصور، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2005، ج1: البابان 1+2، ثمة الكثير من الحقائق ذات الصلة بتاريخ، في إشارته ذات الدلالة إلى أن ( لغة آفستا هي لغة الماد.ص 62..وهناك من يقول إن اسم ماد ” سومري ” حيث ” مد بفتح الميم والدال “: بلاد..ص 63…وزرادشت شخصية تاريخية ميدية. ص 74.. كان زرادشت معاصراً لكورش الأكبر.ص 170.. وفي الحديث الشاهنامة منظومة عظيمة مكونة من ستين ألف بيت.ص 189…والضحاك هو نفسه الثعبان الذي ورد في الآفستا باسم ” اژدهاك ” . ص 193..مسخ الفردوسي الدهاك في صورة عربي.. ونتيجة لهذا التحول أصبح اسمه في الشكل العربي ” الضحاك “والضحاك ظالم قتل أباه، وآلة اختارها الشيطان.ص 194، وهذا يحتاج إلى الربط بين ” ضحاك الفردوسي وضحاك الكردي “، و: ساسان خالط الأكراد واتخذ من الرعي حرفة له.. وأصبح مؤسس الدولة الساسانية لاحقاً.ص 198..وهناك إيضاحات من قبل المترجم: وعن الميديين أخذ الفرس لغتهم الآرية وحروفهم الهجائية التي تبلغ 36 حرفاً، وتأثروا  بهم، استبدل الفرس في الكتابة والرق والأقلام بألواح الطين، كما أخذوا عنهم قانونهم الأخلاقي، هذا، وقد كان ملوك الامبراطورية الميدية يحترمون دين المجوس ويعترفون به رسمياً.ص 369 )..ودين المجوس دين زردشت الكردي بالتأكيد تاريخياً .
ولا بد من توضيح نقطة في غاية الأهمية والخطورة في هذا المضمار، وهي أن ” الضحاك ” المختلف عليه كثيراً، لدى الفردوسي، يتمثل في ” ستياجيس ” الميدي، والذي زوَّج ابنته ” ماندانا ” من الفارسي المغمور ” قمبيز ” فكان  ” كورش ” حفيد الميدي، ومن ثار عليه وعلى مملكته، ليكون ذلك انعطافة تاريخية فارسية كبرى، حيث ” خلَّدها ” الفردوسي على طريقته، بجعْل ستياجس نفسه الضحاك، إبرازاً لمكانة الميديين طبعاً.
وهذا يضعنا في مواجهة عمل الذاكرة الجمعية وانزياحات الاسم فيها، بين ” ازدهاك ” الذي هو ستياجيس الميدي وقد أطيح به فارسياً، والفارسي والذي قضي عليه ونظامه المستبد كردياً، حيث الشارة التاريخية: كاوا، والضحاك العربي، رمز ظلم تاريخي، مقضي عليه عربياً .
وهذا ما يتكرر لاحقاً، مع زواج الشاه عباس الصفوي، أعتى ملوك الصفويين من أخت قباد خان رئيس عشيرة موكَريان الكردية طبعاً، في إقليم أذربيجان الغربية ” مهاباد الحالية “( والشاه الرهيب سمع بجمالها فطلبها من أخيها وتزوجها وقضى معها ثلاث ليال، في صباح اليوم الرابع مباشرة أمر عباس الصفوي بإبادة الموكريانيين عن بكرة أبيهم أينما وجدوا. فما حصل يا تُرى ..لا معلومات مؤكدة… لكن ربما يُفسّر ذلك من خلال مكان المرأة في المجتمع الكردي والضغط عليهن ” عبر الانتماء إلى بيت الأب وبدافع البروز إذ يتمرد عليه..)، كما يشير إلى ذلك محمد مسعود محمد، في كتابه ” المدن ولعبة الأجيال، ص129 “، ومن المعلوم أن الحركة الصفوية ذاتها خارجة من رحم كردي، الحركة أو الطريقة الصفوية، عُرفت بهذه التسمية نسبة إلى مؤسسها الشيخ صفي الدين اسحق الأردبيلي الذي وُلد في عام 650/1252، وتوفي في عام 735/ 1334. وقد ذكر نسبه درويش توكلي بن إسماعيل بزاز، المعروف بابن بزاز أردبيلي في كتاب صفوة الصفا كالآتي( شيخ صفي الدين أبو الفتح إسجق ابن الشيخ أمين الدين جبرائيل ابن الصالح ابن قطب الدين أبو بكر أحمد ابن صلاح الدين رشيد ابن محمد الحافظ لكلام الله ابن عوض ابن بيروز شاه زرين كلاه الكردي السنجابي ابن محمد شرفشاه…. ابن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب …الخ ” .)، وينظَر حول ذلك في كتاب علي إبراهيم درويش: السياسة والدين ” في مرحلة تأسيس الدولة الصفوية 1501- 1576 “، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت، ط1،2013، ص 61.
 وفي كتاب يُزف فيزهوفر: فارس القديمة550 ق.م- 640 م ” التاريخ – الحضارة- العبادات- الإدارة- المجتمع- الاقتصاد- الجيش، ترجمة: محمد جديد، مراجعة : زياد منى، مراجعة الأسماء الفارسية : د. عباس صبّاغ،شركة قدمس، بيروت، ط1، 2009، ما يعبّر عن مكانة الزرادشتية في الحاضرة ” الفارسية ” وخارجها، وهو يشدد على ذلك ” صص 126-134 “.
وحتى بالنسبة لـ ا.ج. أربري، في كتابه: تراث فارس، تأليف جماعي، اشترك في كتابته وأشرف على نشره: أربري، ترجمة: محمد كفافي وآخرين، القاهرة، 1959، فإنه رغم اختزال تاريخ إيران في نطاق ” فارس ” الجزء المعمَّم طبعاً، وما في ذلك من تعسف تاريخي، لم ينس التأكيد على الزردشتية ذات العلامة الكردية حينذاك، عند الحديث عن كيفية انتشار دين زردشت في إيران، ومن قبل المجوس، وهم أتباع زردشت.ص3..وإن زردشت كمنشىء للدين الفارسي كان له دلالة عظيمة في تاريخ الفكر.ص36…الخ.
وكتاب أرثر كريستنسن: إيران في عهد الساسانيين، ترجمة: يحيى الخشاب، مراجعة:د. عبدالوهاب عزام، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة،1998، عندما يقول عن أن أطول
النقوش الساسانية نقش بايكولي بكردستان، شمالي قصر شيرين، وهو مكتوب باللغتين الرسميتين لذلك العهد، اللغة البهلوية الأشكانية واللغة البهلوية الساسانية ، على جوانب برج مربع الشكل.ص 37…
وكتاب حسن بيرنيا” تاريخ إيران القديم حتى نهاية العهد الساساني ” مؤثّر هنا، وهو يتحدث عن الدور الكردي في التاريخ الفارسي كتخصيص، والإيران كتعميم، والبعد الثقافي الذي كان له مداه الواسع في المنطقة، وكيفية احتكاره .
وحسبي أن أشير إلى المقال الثمين لشيركو عن ” تاريخ كتابة اللغة الكردية ” والمنشور انترنتياً، وهو يقدّم أمثلة مفيدة جداً، عن هذا التاريخ، وضمناً كتاب ” بيرنيا “، وكيفية انتشاره في المحيط والجوار، أو تصريفه، ومن قبل الذين حاولوا نسفه هنا وهناك.
ومن ذلك ما ورد في أصل المقال (عن القراءة والكتابة باللغة الكردية قبل الميلاد وحتى اليوم:كان (تنك كه لوو) الملقب ب(شه لكلول) الكردي الأصل ، عالماً وأديباً في الجزيرة ، وفي مناطق شمال الموصل قبل الميلاد ب/700/ عام له كتب عديدة باللغة الكردية في المواضيع الدينية والفلكية .(آرياته) عالم وطبيب مشهور كتب كتباً بالكردية عن فنون الطب باللغة الكردية ، وبالأبجدية الكردية آنذاك . يقول حسن بيرنياس في تاريخ (إيران باستا ندا ) كان لزردشت كتابان : 1- آويستا 2- ويين كورد وكان (ويين كورد) مكتوباً على جلود (12000) جاموس . وضع (آزربورد مارسويه ند ) ألفباء للخط البهلوي ، يتكون من /42/ إشارة تحافظ على مقام جميع الأصوات الصعبة من فتحة وكسرة وضمة ، وهي الحروف التي كتب بها (آويستا )وسميت ب(زه ند) والخط الزندي .(نموذج الخط الكردي والأبجدية الكردية قبل الميلاد ب(2800) عام ) وهذه صفحة مترجمة من (آويستا) ومن كتاب (كيكرو كوهن) إن (ويين كورد) هو أقدم كتاب كوردي باللغة البهلوية ولغة اللور والكلهور الرعاة . يقول (آه زربود) بعد ظهور الإسلام ( أنا آزه ربود) ابن ( هه مه د) زعيم البادينان ، وبوساطة الورق الذي يبدو وسيلة ، بعون الله تم كتابة (ويين كورد) بأجمعه مرة أخرى .ويقول هيرودوت : لعل أفراد سلسلة السلاطين للإمبراطورية المادية ، كانوا يقرؤون عرض حالاً عند المحاكمة.).
وعن الأبجدية الكردية قبل الإسلام) كانت الأبجدية الكردية تستعمل حتى أواخر عصر الخلفاء العباسيين والأمويين كتب أحمد بن وحشي النبطي في إحدى مذكراته ( شوق المستهام في معرفة رموز الأقلام ) في سنة /241/ هجرية ، موضوعاَ عن الأبجدية الكردية قائلاً : ( لقد رأيت بأم عيني /30/ مجلداً من الكتب الكردية مكتوبة بالحروف الكردية ، ويوجد في الشام (دمشق) من قبل ، موضوع أحدهما غرس النخيل وتربيته ، والثاني موضوعه التنقيب عن المياه في الأماكن اليابسة والجافة ،أظن أنهما ترجما إلى العربية ، حتى يستفيد البشرية منهما .ويقول أحمد نبطي : هذه الأبجدية في غاية الإتقان والتطبيق من بين الأبجديات عامة ، حيث توجد فيها مجموعة أخرى من الحروف التي خرجت عن نطاق الأبجديات المألوفة ،فحرفا ب ، ج مميزان ، وفيها (7) انواع من أخرى من الحروف حيث لا نظير لها في أية لغة أخرى ، وأصواتها لا توجد في لغة ، فهناك ستة حروف لا مثيل لها في الأبجديات والكتابات الأخرى ، فهي سلسة في هجائها وحركاتها وذلك بسب مخارج تلفظها . قراءة جميع اللغات سهلة عند الأكراد ، فيقرؤون القرآن بطلاقة كعربي وربما أفضل منه لفظاً ونطقاً . اقتبس العرب كلمات كثيرة من الأكراد وهي كردية في أصولها وجذورها ، وما زالت قائمة ومثبتة في اللغة الكردية وحدها ، وغير موجودة في اللغة العربية .)..الخ.
لا غرابة إذاً، أن يكون أسلوب الحرق” حرْق الكتب، الأشخاص، المدن، المزروعات..الخ “، من بين الأساليب الأكثر ترويعاً وإرهاباً بالمفهوم الأخلاقي وترهيباً للمعنيين بذلك، لأن الحرق إذ يأتي على المعرَّض له، لا يُكتفى بجعله رماداً وتذريره فحسب، وإنما تحويله إلى أثر بعد عين أيضاً، ويترتب عليه إعدام كل تاريخ يخصّه، أو التخلص منه كلياً، كما لو أن التاريخ يبدأ من هاهنا، والكتب ثقافات شعوب، جماعات، أمم، وتعريضها للحرق، هو الإعلان عن لحظة إخراجها الكلي من التاريخ، وهو الإجراء البالغ السوء والهمجية، والتنكر للتنوع طبعاً .
وهنا تصح مقولة جاك غودي، في كتابه ” سرقة التاريخ- 2010 ” وهي ( إن  سرقة التاريخ ” ليست فقط سرقة للزمان وللمكان، ولكنها احتكار للمراحل التاريخية أيضاً.ص 43 ).
وما أكثر من يتعرض له الكرد من نهب لمقدراتهم، وتشويه لثقافتهم، وحتى اسمهم، وما يصلهم بالماضي، وما تلعبه السياسات الدينية الطابع وغيرها من دور مدمّر لهويته، وما لهم من دور ذاتي بالمقابل في هذا الخراب الكينوني، أو التشتيت التاريخ بالمقابل.
إنها سياسات معتمدة وعلى أعلى مستوى، يمكن تتبعها من قبل المعنيين بهذا الجانب” على الأقل، وأنا أشير إلى ما عاناه أكاديميون كرد وهم يقدّمون أطاريح جامعية لهم، في العراق: محسن محمد حسين، عبدالفتاح بوتاني، حسن كريم الجاف “، وكيف تبذَل محاولات في التشويه المتعمد، إلى جانب ” الاستعراب ” الذي يتفعل من قبل الكرد أنفسهم، تحت تأثير الدين وتجاوباً مع مصالح ضيقة ” ولقد فصَّل في ذلك الصديق الباحث الأكاديمي” ريبوار سيويلي، في كتابه النفيس: القفص الحديدي ، وبمكاشفة رائعة لهذه السياسة ! “.
لذلك لا يجب علينا أن نستغرب حين يسمّي الفرس الكرد في تاريخهم، أن الكرد هم ” أعرابهم “، أي أهل هوامش المدن، انتقاماً تاريخياً منهم.
لا يجب أن نستغرب حين يشدد العرب المعنيون بالأنساب، وعقدتها، من ربط الكرد بالعرب، بهم، أو إحالتهم إلى عالم الجن والعفاريت، سعياً إلى إخراجهم من التاريخ الذي يمثّلهم.
لا يجب الاستغراب مما يقوم به إيديولوجيو الأتراك، وعلى أعلى مستوى، من ملاحقة كل مسعى كردي للكشف عن حقيقة الدائر تركياً ” التقاء التتريك بالتفريس والتعريب والاستعراب، كما هو الاستفراس والاستتراك، إن جاز التركيب “، بعدم كتابة حروف ذات صلة بالثقافة الكردية وألفبائها، وفي الواجهة ” حرف د “، فالكرد ” كرت ” و” فرهاد: فرهات ” و” فرزاد: فرزات…الخ “، وهي سياسة مريعة، لطالما فضح بنيانها السلطوي المفكر التركي اسماعيل بيشكجي، في العديد من كتبه، ومن ذلك ” أطروحة التاريخ التركي.”…الخ.
إن المضي قُدُماً بهذا الموضوع يأخذنا إلى ما لا عين رأت، وكان قد رأته سابقاً، وقد عتّم عليه، وما لا أذن سمعت، وكان قد سمعته، وقد سعيَ إلى كتْمه، ولا تهجَّاه لسان، وكان قد تهجاه كثيراً، وقد تم لجمه فيما بعد، وهذا يدفع بنا إلى تكثيف الجهود الضامنة لمعرفة كهذه، وفي وعي الذات الكردية في كتابة محمود عباس قيمة معرفية وأخلاقية تستحق التعزيز والتقدير مجدداً !
==
ملاحظة: أتوقف هنا، لأسباب خاصة بي، إذ إن هناك، وكما خططت، أكثر من عشر حلقات أخرى” في الشأن الكردي: أربع حلقات ، في الشأن السوري: ثلاث حلقات، في الشأن العربي: حلقتان ، في الشأن الدولي: حلقتان، على مستوى ذات الكاتب: حلقة…الخ”، وما كتابتي لهذه الحلقة، إلا لأهمية موضوعها بالنسبة إلي.لهذا ربما تكتمل الحلقات أقل أو أكثر قريباً أو إلى إشعار آخر، ربما ضمن كتاب، أو تبقى كما هي “، يعني ذلك أن ما كتبته كان عبارة عن تجربة أخرى مع الكتابة، والكتابة قراءة في الآخر وبه بالمقابل.
بالتالي، فإنني لا أحتاج إلى تقديم اعتذار لأي كان: الأصدقاء، وما أقل أقلهم، يقدّرون سلفاً، فلا يحتاجون اعتذاراً، والقرّاء الآخرون، لا يعتذّر إليهم، لأنهم بفطنتهم سيقدّرون ذلك، ومن تبقَّوا، وما أكثرهم، فإنهم ليسوا في مستوى الاعتذار أصلاً، كونهم خارج حِرَفية الكتابة والقراءة !
دهوك، في 4-3/2017 
 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس   إن حملة وحماة القومية النيرة والمبنية على المفاهيم الحضارية والتنويرية لا يمكن أن يكونوا دعاة إلغاء الآخر أو كراهيته. على العكس، فإن القومية المتناغمة مع مبادئ التنوير تتجسد في احترام التنوع والتعددية، وفي تبني سياسات تعزز حقوق الإنسان والمساواة. ما أشرت (هذا المقال هو بمثابة حوار ورد على ما أورده القارئ الكريم ‘سجاد تقي كاظم’ من…

لوركا بيراني   صرخة مسؤولية في لحظة فارقة. تمر منطقتنا بمرحلة تاريخية دقيقة ومعقدة يختلط فيها الألم الإنساني بالعجز الجماعي عن توفير حلول حقيقية لمعاناة النازحين والمهجرين قسراً من مناطقهم، وخاصة أهلنا الكورد الذين ذاقوا مرارة النزوح لمرات عدة منذ كارثة عفرين عام 2018 وحتى الأحداث الأخيرة التي طالت مناطق تل رفعت والشهباء والشيخ مقصود وغيرها. إن ما يجري…

المهندس باسل قس نصر الله ونعمٌ .. بأنني لم أقل أن كل شيء ممتاز وأن لا أحداً سيدخل حلب .. فكانوا هم أول من خَرَج ونعم .. بأنني كنتُ مستشاراً لمفتي سورية من ٢٠٠٦ حتى الغاء المنصب في عام ٢٠٢١ واستُبدل ذلك بلجان إفتاء في كل محافظة وهناك رئيس لجان افتاء لسائر المحافظات السورية. ونعم أخرى .. بأنني مسيحي وأكون…

إبراهيم اليوسف بعد الفضائح التي ارتكبها غير الطيب رجب أردوغان في احتلاله لعفرين- من أجل ديمومة كرسيه وليس لأجل مصلحة تركيا- واستعانته بقطاع طرق مرتزقة مجرمين يعيثون قتلاً وفسادًا في عفرين، حاول هذه المرة أن يعدل عن خطته السابقة. يبدو أن هناك ضوءًا أخضر من جهات دولية لتنفيذ المخطط وطرد إيران من سوريا، والإجهاز على حزب الله. لكن، وكل هذا…