ماذا يجري في جنيف-4

د. محمود عباس
   اللهم لا شماتة بالشعوب السورية وقضيتهم، وهي قضيتنا بشكل أو آخر، لكننا أمام مهزلة أخرى أسمها جنيف -4، فقبل يومين بالضبط استخدمت روسيا وللمرة الخامسة حق الفيتو في مجلس الأمن، ومعها الصين، دفاعاً عن سلطة بشار الأسد، ومنعت أوروبا وأمريكا من إدانتها، رغم استخدامها للمرة الثالثة إن لم يكن أكثر، الأسلحة الكيميائية المحظورة دولياً، علماً أن تدميرها لسوريا تتجاوز الأسلحة الكيميائية بألاف المرات، والبشرية صامته، واليوم صرح رئيس الهيئة العليا للمفاوضات في جنيف، أن دي ميستورا أشار بأن السلطة أبدت مرونة حول قضية الانتقال السياسي، وقيل بأنه هناك ضغط من الحاضر الغائب عن المسرح، والذي يتحكم بمجريات الأحداث في جنيف وما بعدها، روسيا، بعكس أمريكا التي لا تزال إدارتها الجديدة مختفية وراء ضبابية المواقف،
وعلى الأغلب، أنه لا حل نهائي في سوريا دونها، واحتمالية مصير الأسد ذاته متوقف على الاتفاق بينها وبين روسيا. وبعد التصريح بدقائق وبتنقيب من الإعلام، تبين أن ما ذكره السيد دي ميستورا ليس سوى فهم أو ترجمة خاطئة لحديث غير رسمي مع شخصيات من الهيئة العليا، وأن روسيا لم تصرح لا في الإعلام ولا أثناء المفاوضات، عن انتقال سياسي، والغريب تتناسى بعض أطراف المعارضة أن بشار الأسد خط أحمر، حتى الأن، عند الروس.
  والتصريح تعكس عدة احتمالات، إما أطراف من المعارضة تود خداع أطراف أخرى، أو أن الهيئة العليا للمفاوضات تحلم، لأن ما يجري على الأرض السورية تناقضها، فالسلطة لا تزال تستخدم كل قواها للقضاء على آخر جيوب المعارضة عسكرياً، فكيف ستتنازل عن السلطة، وهي تستميت عليها، وإما أن المعارضة تخدع الشعب السوري وتود أن تظهر بأنها تملك القدرة على إحداث تغيير سياسي، رغم سيطرة السلطة عسكرياً، حتى أن داعشها، أعادت إليها مدينة تدمر البارحة واليوم دون قتال، أليست هذه مهزلة على الأرض مثلما هي في جنيف، وكنا قد ذكرنا قبل شهور أن تدمر سلمت لداعش وبموافقة روسية، لغايات، وهي الأن تعيدها، لغايات،  لها تأثيرها على أروقة جنيف، مثلها مثل حضور معارضة من حضن السلطة إلى جانب المعارضة ضد السلطة،  أليست مسرحية لدراكولات بشرية؟ أو أن الهيئة العليا للمفاوضات تود أن تظهر للشعوب السورية، أن روسيا تود حلاً سياسياً وهذا يتعارض ومجريات الأحداث. 
  عودة إلى ما قبل جنيف، حيث مؤتمري الأستانة، وتلاعب روسيا بالمعارضة بعملية فرض المنظمات العسكرية، المتهمة بالإرهابية، على القوى السياسية، ودون حل عسكري على أرض الواقع، فجعلت من أستانة والأن جنيف-4 مباريات عجيبة بين أطراف المعارضة، قبل أن تكون بين المعارضة والسلطة، ومسرحية تراجيدية بالنسبة للشعوب السورية، فالمعارضة، نسيت قضية الصراع مع السلطة، لتلتهي بخطوات تشكيل الوفد المحاور، في الوقت الذي تقوم فيه السلطة مع الدول الإقليمية وروسيا على إتمام خططها العسكرية على أرض الواقع، والحوارات الجارية، هي حتى الأن بين عدة جهات لا وجود للمعارضة فيها. 
  فرغم مرور أيام على انعقاده، لم تستقم الأمور بعد بين أطراف المعارضة، ولن يستقيم، فالنقاش لا يزال محتدماً حول تركيبة الوفد، ومن سيمثل الشعب السوري، والخلافات المفتعلة هذه جزء من الخطة التي أغرقتهم فيها روسيا، وبمساعدة تركيا، وفي الواقع فإن المؤامرة واضحة، وهي نقل الصراع ما بين المعارضة وسلطة بشار الأسد، إلى خلق خلافات عقيمة بين المعارضة والمعارضة، وقريبا ستكون بين الائتلاف أو الهيئة العليا والمنظمات المسلحة، وبها ستتمكن روسيا من تقزيم دور المعارضة السياسية تحت حجة بأنها لا قاعدة جماهيرية لها على أرض الواقع، وهي لا تمثل إلا ذاتها، ومعظم أطرافها مطعونة في مصداقيتها جماهيرياً، وجلهم أدوات بيد تركيا والسعودية وقطر، مثلما سلطة بشار الأسد بيد أئمة ولاية الفقيه، وهم بذاتهم يرفضون وطنية البعض، وممثلوها لا يختلفون في كثيره عن شخصيات السلطة، فضحتهم روسيا بشكل علني وأمام الإعلام وفي قاعات جنيف-4.  
  فرضت روسيا بشكل مباشر أو عن طريق تركيا، على أعضاء مؤتمري الأستانة، والاجتماعات المتتالية في موسكو، رغم تخليها عن أبسط وعودها، قبول شروط جنيف-4 ومآلاتها، رغم معرفتهم المسبقة بالخلافات التي ستواجههم أيام المؤتمر، من صعوبة الحوار إلى احتمالية عدم الاعتراف بهم كممثلين عن الشعب السوري، إلى بنود ترفضها السلطة وأطراف من المعارضة ذاتها، علماً أن روسيا ودي ميستورا على قناعة أن بلوغ مرحلة الحوار بعيدة، إلا في حالة استخدام القوة الدبلوماسية من قبل الدول الإقليمية كتركيا وإيران، وهذه ستكون بأوامر من روسيا، وهي لا تزال تراها غير مناسبة، وإن تم فستعني إلغاء المطلب الرئيسي للمعارضة السياسية، وخاصة الائتلاف والهيئة العليا والمنظمات العسكرية، لأن البعض الأخر من المعارضة كمنصة موسكو وهيئة التنسيق لا شرط لهما حول وجود أو خلع بشار الأسد وجماعته من الحكومة المؤقتة المطلوبة تشكيلها، وفي الواقع بلوغ هذه المرحلة لا تزال ضبابية، وكما ذكرنا سابقا، فتصريح رئيس الهيئة العليا للمفاوضات ربما كان حلماً، ونتمنى أن نكون مخطئين، ويصبح زوال الأسد وطاقمه أبدياً. 
  تدرك معظم شخصيات المعارضة، من المخترقة إلى الانتهازية، أن جنيف -4 مسرحية لإلهائهم في الخارج، إلى أن يتم الانتهاء من الداخل عسكرياً، وهناك مؤتمرات أخرى قادمة ستلحقها، على مقياس تصاعد قوة سلطة بشار الأسد على الأرض، وضعف المعارضة وابتعاد الدول الداعمة لها، وفي النهاية أن كانت هناك نهاية، ستكون حسب المخطط الروسي، والمتفق عليه مع أمريكا، والمعارضة بكل أطرافها لا تملك درباً آخر، سوى ما مهد لها، وهو الحل العسكري تحت غطاء مؤتمرات جنيف السياسية.
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
3/1/2017م

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس   إن حملة وحماة القومية النيرة والمبنية على المفاهيم الحضارية والتنويرية لا يمكن أن يكونوا دعاة إلغاء الآخر أو كراهيته. على العكس، فإن القومية المتناغمة مع مبادئ التنوير تتجسد في احترام التنوع والتعددية، وفي تبني سياسات تعزز حقوق الإنسان والمساواة. ما أشرت (هذا المقال هو بمثابة حوار ورد على ما أورده القارئ الكريم ‘سجاد تقي كاظم’ من…

لوركا بيراني   صرخة مسؤولية في لحظة فارقة. تمر منطقتنا بمرحلة تاريخية دقيقة ومعقدة يختلط فيها الألم الإنساني بالعجز الجماعي عن توفير حلول حقيقية لمعاناة النازحين والمهجرين قسراً من مناطقهم، وخاصة أهلنا الكورد الذين ذاقوا مرارة النزوح لمرات عدة منذ كارثة عفرين عام 2018 وحتى الأحداث الأخيرة التي طالت مناطق تل رفعت والشهباء والشيخ مقصود وغيرها. إن ما يجري…

المهندس باسل قس نصر الله ونعمٌ .. بأنني لم أقل أن كل شيء ممتاز وأن لا أحداً سيدخل حلب .. فكانوا هم أول من خَرَج ونعم .. بأنني كنتُ مستشاراً لمفتي سورية من ٢٠٠٦ حتى الغاء المنصب في عام ٢٠٢١ واستُبدل ذلك بلجان إفتاء في كل محافظة وهناك رئيس لجان افتاء لسائر المحافظات السورية. ونعم أخرى .. بأنني مسيحي وأكون…

إبراهيم اليوسف بعد الفضائح التي ارتكبها غير الطيب رجب أردوغان في احتلاله لعفرين- من أجل ديمومة كرسيه وليس لأجل مصلحة تركيا- واستعانته بقطاع طرق مرتزقة مجرمين يعيثون قتلاً وفسادًا في عفرين، حاول هذه المرة أن يعدل عن خطته السابقة. يبدو أن هناك ضوءًا أخضر من جهات دولية لتنفيذ المخطط وطرد إيران من سوريا، والإجهاز على حزب الله. لكن، وكل هذا…