ماجد ع محمد
“وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل”
سورة النساء
انطلاقاً من المقتطف أعلاه فمن المؤكد أن ما جاء فيه لا يخص جماعة الدين والمهتمين بشؤون الآخرة فحسب، إنما هو ينسحب على عموم أهل الدنيا ولا يستثنى منهم أحدا، هذا إذا ما آمن المرء بمحتواه، ومناسبة هذا الكلام هي المكاييل التي يستخدمها طُلاب الحرية في سوريا، حيث أن حرمانهم من مناخات العدل والإنصاف طويلاً في ظل حكم البعث، لم يدفعهم لاحقاً إلى تبني معايير الحق والعدالة والإنصاف فيما يقولونه ويعملون عليه في حياتهم اليومية، إنما بقي الكثير منهم على حالة التقية التي كانوا عليها ما يزيد عن أربعين سنة من حكم العفالقة،
إذ أن نفس الأمراض التي كانت مستشرية قبل الثورة هي نفسها لا تزال كما هي بعد انطلاقها، فترى واحدهم يتهم الجهة التي يناهضها أيديولوجياً ليل نهار، ولا يبخل في نعت مَن يكره بأردأ الصفات، وقد يتهم خصمه السياسي بارتكاب أقبح الموبقات، بينما يتغاضى عن عمد كل ما يرتكبه المحسوبون على جهته والموالون لخطابه، ما يعني بأن الثورة والقتل والدمار والتهجير لم يدفعا السياسي والناشط ومن ورائهم المواطن إلى أخذ العِبر مما مروا به، أو الاهتداء بتجارب الغير في التعامل الإنساني والسياسي واليومي فيما بينهم .
وهنا في الوقفة هذه فلن نتحدث عما هو عليه حال نشطاء الثورة السورية الذين انتقل الكثير منهم من تقديس أسد البعث إلى إجلال أسد السنة، من غير استحداث أي تغيير في عقليته ومنهجيته، حيث أن الثورة لم تغيير شيئاً من سلوك وممارسات واحدهم، إذ كما كانت تنطلي عليهم هتافات البعث والعروبة ابان تطبيلهم للأسد، بقي واحدهم كما كان عليه، فانطلت عليهم أقوال أسد السنة عبر تصريحاته النارية ضد أسد العروبة منذ بداية الثورة، وما تعلق بخطوطه الحمراء التي تجاوزها الأسد واحدة تلو الأخرى من غير أن يحرك أسد السنة ساكناً، وكما استخدم أسد البعث الأكراد وقوداً لمآربه السياسية، يرى الكثير من المتابعين بأن أسد السنة أيضاً استخدم العرب السنة لغاياته السياسية، وفي هذا الصدد أشار الصحفي حسين جلبي إلى أن “حافظ الأسد خاض معركته ضد تركيا مستخدماً حزب العمال الكُردستاني وسمى وقتذاك العملية بحماية الفرات، بينما يخوض أردوغان حربه السورية اليوم بالجيش الحر المسمى درع الفرات، فكان الهدف المعلن لمعركة الأسد هو تحرير وتوحيد كُردستان، فيما الهدف المعلن لمعركة أردوغان هو تحرير وتوحيد سوريا”!
إلا أننا بعيداً عن ذلك سنتحدث هنا فقط عن ثلاث تصريحات مختلفة لقادة من الحركة الكردية في سوريا أدلوا بها في اليومين الأخيرين من هذا الاسبوع، عن مدى تأثرهم بالآخر، وتأثيرات الغير على خطابهم السياسي، فمنهم من كان خطابه السياسي غير منطقي ويعتمد على الشعارارات الكبيرة من غير أن يكون قائلها قادر على تغيير أية معادلة على الأرض، ومنهم رئيس تيار المستقبل الكردي في سوريا الاستاذ سيامند حاجو، الذي كان خطابه هيصوياً ومشجعاً لحالة التهور، وبيّن بأنه لا يرفض التصادم العسكري مع حزب الاتحاد الديمقراطي، بقوله “أنهم ليسوا ملزمين بطلب الرئيس مسعود البارزاني بعدم مواجهة الـ PYD، وأيضاً قوله بأن البارزاني رئيس الكرد في كردستان العراق، وهو أي الاستاذ حاجو رئيس حزب كردي في كردستان سوريا، وأن لكل منهم وضعه الخاص، وأنه لا يجب على الرئيس مسعود البارزاني أن يتدخل في الشأن الكردي بسوريا” وإذا جئنا على تفكيك خطاب الاستاذ حاجو ببضع كلمات بعيداً عن العلاقة الندية بينهما، لقلنا أولاً ما الذي يمتلكه الاستاذ حاجو حتى يواجه به الاتحاد الديمقراطي في قادم الأيام أو الآن، وهو الذي لا يمتلك مقدار عدد عناصر كتيبة عسكرية واحدة على الأرض! ثانياً يبدو أن الاستاذ حاجو نسي بأن البارزاني كردياً أكبر من أن يحصر في الإقليم وحده، وأنه بمثابة ضمير الأمة، وحامل هموم القضية في الأجزاء الأربعة من كردستان، ولا شك بأن دور وأهمية البارزاني أكبر من 25 تنظيم سياسي من عيار تيار المستقبل، وطبعاً نقول ذلك ليس من باب التقليل من شأن الاستاذ حاجو وحزبه، إنما الحقيقة تقول ذلك، وأقرب دليلٍ على ما نقول أنه في يوم الأحد 26 شباط الجاري، وأثناء وصول الرئيس البارزاني إلى مطار أتاتورك الدولي باسطنبول جرى استقباله بمراسم رسمية في سابقة هي الأولى من نوعها، حيث تم رفع علم كردستان في المطار إلى جانب علمَي العراق وتركيا، وهو ما عجز عن القيام به كل الأحزاب الكردية في تركيا بما فيهم حزب العمال الكردستاني الذي قدّم عشرات الآلاف من القرابين على مدار السنوات الماضية، ولكنه لم يستطع أن يفرض نفسه أو ينتزع الاعتراف بحقوق الكرد وهويتهم في تركيا بكل ما قام به من العمليات التي شنها ضد الدولة التركية منذ حوالي أربع عقود، بينما البارزاني فمن خلال مواقفه المشرفة ونضاله الدؤوب ومثابرته وإخلاصه وحنكته السياسية استطاع بالسلم والدبلوماسية تحقيق ما فشل فيه كل كرد تركيا بالقتال والعسكرة، وثالثاً ربما يكون الاستاذ حاجو قد نسي بأن لولا البارزاني وحكومته لكان معظم إن لم نقل كل قادة المجلس الوطني الكردي يقفون الآن في طوابيرالاعتياش بكامبات أوروبا.
فيما التصريح الثاني فهو للسيدة إلهام أحمد الرئيسة المشتركة لمجلس سوريا الديمقراطي والذي جاء عبر لقائها مع عارف سالم في برنامج “نقد حر”، وبدا أن خطابها لم يكن أفضل حالاً مما تفوه به الاستاذ سيامند حاجو، حيث قالت الست إلهام أحمد “أن النقاش من أجل دخول البيشمركة إلى شمال سوريا هو خطأ كبير لأنهم حسب قولها لا ينتمون إلى المشروع الذي طرحه حزبها” علماً أن حزبها هلامي وإلى الآن ليس له أي طرح يليق بالدماء التي يُريقها الشباب الكردي في سوريا من خلال منظومة إلهام العقائدية، ويبدو أن الست إلهام متفقة ضمنياً مع ما صرّح به الاستاذ سيامند حاجو بخصوص الصِدام الكردي المحتمل في الأوقات اللاحقة، فالست إلهام لا تستبعد هي الأخرى بأن يكون هنالك اقتتال كوردي ـ كوردي، وما يُفهم من الست إلهام بأن الخطاب الخشبي لها ولحزبها الإيكولوجي لم يتغير منذ ست سنوات، وأن لديهم الاستعداد التام للتعامل والاندماج مع أردأ الفصائل العسكرية في سوريا باستثناء البيشمركة، باعتبار أنهم لا يزالون يخشون من أن تسحب البيشمركة البساط من تحت أرجلهم، بما أن البيشمركة أصحاب مواقف واضحة ويعرفون ماذا يريدون، وماذا عليهم أن يفعلوا إذا ما عادوا إلى مناطقهم، وأنهم لن يكونوا جنود تحت الطلب ومجرد أدوات آنية كما هم عليه الآن وحدات الحماية الشعبية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي والتي على عناصرها أن يقدموا أرواحهم هنا وهناك من دون معرفة حتى سبب تضحياتهم.
وفي الختام يبقى أن عضو الهيئة للسياسية للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة الاستاذ فؤاد عليكو هو الوحيد الذي كان الأقرب إلى العدل والمنطق في تصريحاته الأخيرة للإعلام وذلك بخلاف مَن ذكرناهم أعلاه، إذ لم تجرفه العاطفة العدائية للتفوه بما يناقض الواقع، ولا دفعته التصرفات الخرقاء لحزب الاتحاد الديمقراطي إلى أن يفقد حسه بالموضوعية والإنصاف في تقييم الآخر المختلف عنه، حيث رفض الاستاذ عليكو يوم السبت وصف حزب الاتحاد الديمقراطي بـ: التنظيم الإرهابي، وأبدى اعتراضه على وصف رئيس وفد المعارضة نصر الحريري لحزب الاتحاد الديمقراطي بالإرهابي، في الوقت الذي أكد فيه عليكو أن لحزب الاتحاد الديمقراطي تصرفات خطيرة، فهو يعتقل كوادرهم باستمرار، يمنعهم من فتح مكاتبهم، ويمنعهم من إبداء الرأي، ولا يقبل بالآخر المختلف عنه، ولكن أن نسميه تنظيماً إرهابياً فهذا غير صحيح، فالاستاذ عليكو إذن كان موضوعياً في الحكم على خصمه السياسي بالرغم من أن الاتحاد الديمقراطي يعتبر عليكو بمثابة العدو له وللمشروع الفانتازي للاتحاد الديمقراطي الذي لا يشبه إلا الأعمال الروائية لكُتاب الرواية في أمريكا اللاتينية، وبدا لنا كمراقبين أن عليكو كان متمثلاً قول الشيخ محمد متولي الشعرواي القائل “إن لم تستطع قول الحق فلا تصفق للباطل”، إذ أن الرجل لا يريد التملق لتركيا كما يفعل بعض اخوانه في المعارضة السورية، وربما بعض رفاقه في المجلس الوطني الكردي، علماً أن عليكو من أصحاب المواقف الواضحة والصريحة ولا يُخفي موقفه المعارض وبقوة من سياسة حزب الاتحاد الديمقراطي في معظم مقالاته وعبر أغلب تصريحاته المسموعة والمرئية، ومن المؤكد أن عليكو حين يرفض نعتهم بالحزب الإرهابي فهو لا يود التقرب منهم كما قد يفهم بعض الأنفار، إلا أنه يعرف تماماً بأن الكثير من إخوانه في المعارضة يعتبرون الـ: P Y D مثل داعش بالرغم من أن أقل فصيل عسكري قتل الأبرياء وانتهك حقوق الانسان في سوريا هو الفصيل العسكري التابع للاتحاد الديمقراطي، إلا أنهم مع ذلك يعلنون العداء له ويحاولون وضعه في خانة الدواعش ليس بناءً على ما اقترفه ذلك الفصيل، إنما إرضاءً لتركيا ليس إلا، لذا تبين بأن الرجل أي فؤاد عليكو لا يقبل بأن يكون بوقاً لدولة أسد السنة حتى يردد ما تريد سماعه منه، كما هي حالة بعض المعارضين السوريين الذين تحولوا بسرعة البرقِ من تقديس أسد البعث إلي تبجيل أسد السنة.