الدولة الكردية بين الحلم والواقع

صفية عمر
إن حلم الدولة الكردية أو استقلال كردستان الذي رافق الكرد في الأجزاء الأربعة من كردستان منذ الأزل وحتى يومنا هذا.
هذا الحلم الذي كتب عنه  آلاف الكرد وعشرات الالاف من القصائد حيث استمر النضال حتى بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى ورسم الحدود في اتفاقية سايكس بيكو .
هذا الحلم الذي يتجدد كلما سنحت له الظروف السياسية والتغيرات الدولية، وعاد مرة أخرى إلى الواقع بعد ما سمي بثورات الربيع العربي ، الأمر الذي دفع بالكرد للمشاركة بالثورة التي امتدت إلى الأراضي السورية بقوة إيماناً منهم بضرورة التحرر من الطغيان البعثي وكل أشكال الديكتاتورية والاستبداد الذي رافق هذا النظام منذ سيطرته على سوريا ونيله على حقه في تقرير مصيره أسوة بكل شعوب العالم ووفق كل المواثيق والمعاهدات الدولية المنصوصة في هذا السياق وخاصة ان شعبنا الكردي يعيش على أرضه التاريخية ويمتلك كل مقومات الشعوب التي لها كل الحق بالحرية والتحرر وممارسة كل حقوقه القومية المشروعة حتى بناء دولته المستقلة بغض النظر عن الجغرافيا السياسية او المصالح الدولية التي تعترض في كثيراً من الأحيان هذا الحق وتنكره.
 لذا بات الأمل في حق الشعب الكردي في تقرير مصيره  حتى إنشاء دولته أو  الحصول على الاستقلال من خلال الواقع وفرص المتاحة  لن تتكرر ، ولا يمكن اعتبار ذلك كما يقال من لدن بعض الشوفينيين العرب هو استغلال الفرص او شكل من اشكال الانتهازية بل حق طبيعي من حقوق شعبنا ان نهيء كل الظروف او نستغل كل الظروف لصالح شعبنا دون ان يكون ذلك على حساب اي شعب آخر او دون الاساءة لاحد ، رغم انه قد ساهم بعض الشوفينيين على ولادة هذا الشعور لدى المكون العربي دون مراعات مصالح الشعب الكردي وحقوقه القومية المشروعة .
لذا ناضلت الأحزاب الكردية والتنسيقات والمنظمات الشبابية والنسائية بكل قوة في بداية الثورة وان كان بشكل نسبي للعمل على بلورة مفهوم الشعب الكردي وقضيته كقضية شعب يعيش على أرضه التاريخية وله كامل الحق في تقرير مصيره على قاعدة الشراكة الوطنية وان الخيار الوحيد القادر على الحفاظ على وحدة سوريا كدولة متعددة القوميات والشعوب هو الدولة الاتحادية اسوة كالدول المتقدمة المحايدة لشعوبها والقادرة ان تؤمن الحرية والكرامة لأبناءها .
ولكن كل المعطيات والظروف السياسية والعسكرية المرافقة للأزمة السورية غير واضحة ولا تبشر بحلول سريعة او إرادة دولية جادة لبناء دولة حديثة قادرة ان تؤمن حقوق أفرادها او مكوناتها وتستطيع ان تحل كل مفرداتها وتعيش شعوبها بحرية جامعة ، ولهذا بات التفكير بشكل احادي الجانب والبحث عن حلول تفي أغراض شعبها بالحرية وحقه في تقرير مصيره ، وفق هذه المعطيات ان العودة الى الحلم الكردي هى أفضل الحلول المقدمة أسوة بكردستان العراق .
أمام التغييرات والظروف السياسية الجديدة  التي جرت على أرض الواقع والتدخلات  الخارجية في الأراضي السورية بحجة محاربة الارهاب لم تكن هدفها حل الازمة السورية بل البحث عن مصالحها في سياق هذه الازمة واستثمارها لاجنداتها ، وليس هناك اية غرابة للتنسيق مع النظام حتى وان قتل هذا النظام مئات الالاف من شعبه ودمر بلده وهجر نصف ابناءه ، وهو المسبب الحقيقي لهذه الازمة ولهذا الإرهاب ،لهذا لا يوجد هناك اي أمل قريب لحل أزمة الشعب السوري عموما . وبالتالي من حق الاحزاب الكردية وخاصة المجلس الوطني الكردي البحث عن مصالح شعبه وبشكل لا يكون على حساب اي مكون آخر بل بالعكس قد يكون سبباً مرافقاً لإجراء تغييرات نوعية على الارض تخدم الواقع السوري المستقبلي ورديفاً لحل الازمة بهذه الطريقة أو تلك .
إلا أن هذا لم يمنع من استمرار النضال في سبيل تحقيق الحلم الذي بدأ يكبر ، فهم يشكلون  كيان قومي يجمعهم ومن حقهم إعلان دولتهم وخاصة أن عمر اتفاقية سايكس بيكو قد انتهى وان حدودا جديدة سترسم .
وعليها يتأمل الكرد بأنهم لن يخرجوا في خطة الحدود الجديدة بدون حصة .
وذلك بالرغم من وجود دول او كيانات أو أحزاب  معارضة لمشروع الدولة الكردية  ، إلا أن هذا لن يغير من النظرة الكردية للواقع بأن إعلان الدولة الكردية هي مسألة وقت لا أكثر ، لان هذه الدول او الكيانات سترضخ للواقع وتقبل وذلك لانها ستكون في النهاية من مصلحتها كما يحدث مع الكثيرين من الدول التي باتت تتفهم الواقع وتحاول ان تثبته بالشكل الذي يراعي مصالحها .
حيث أن راعي المشروع الرئيس مسعود البارزاني أثبت أن البيشمركة قوة دحرت التنظيم الإرهابي داعش كما أنه نجح بطرح القضية الكردية ومسألة إقامة الدولة من خلال علاقاته مع الدول الأوربية والاعتراف به كرئيس لإقليم كردستان كما أن الشعب الكردي يرى في  سياسته الحكيمة خطوة إيجابية نحو تحقيق  المشروع   الكردي .
لهذا لابد ان نثق بقدرات هذا الرجل الذي سيكون محقق حلم الشعب الكردي في الحرية والاستقلال وبناء دولته الكردية والتي ستكون مفتاحاًللتغيبر الجذري في الشرق الأوسط وحلاً لعقد كثيرة في المنطقة .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين   تمضي سوريا في أحد أكثر مراحلها التاريخية تعقيداً، حيث تتزاحم الأزمات وتتداخل التحديات في مشهد يشبه الركام. نظام قمعي راحل خلّف دولة فاشلة ، واقتصاداً مفلساً، ونسيجاً وطنياً ممزقاً، وأرضاً مباحة لكل من يريد الاستثمار في الفوضى والدم. لكن ما بعد السقوط لا يجب أن يكون سقوطاً آخر. ما نحتاجه اليوم ليس مجرّد حكومة جديدة، بل…

قمع النّظام الانتفاضة بمنتهى القسوة، وبلغ عدد المعتقلين نحو سبعة آلافٍ من الفتية والشباب وكبار السّنّ وبينهم نساءٌ.. وقد مارس معهم أشدّ أنواع التعذيب مثل: تكسير الأسنان، وقلع الأظافر، والصعقات الكهربائية، وتوفي بعضهم تحت التعذيب كالشهيد الشاب فرهاد محمد صبري. وجلب النظام قواتٍ عسكريةً كبيرةً بقيادة ماهر الأسد إلى الجزيرة، وطوّق الجيش والأمن قامشلو وبقية المدن والبلدات الكردية، وقامت بفصل…

إلى كل من يحاول عبثًا تغيير مسار التاريخ بأساليب رخيصة وبالية، تدين لجنة إحياء ذكرى الأمير إبراهيم باشا المللي، بأشد العبارات، الجريمة النكراء التي استهدفت قبر الأمير، في اعتداءٍ لا يمكن وصفه إلا بأنه محاولة بائسة لتشويه إرثه، والإساءة لتاريخ الشعب الكردي، وإشعال الفتن بين مكونات المنطقة عبر خطاب الكراهية والتحريض. لقد كان الأمير إبراهيم باشا، المعروف بلقب “مير ميران…

نظام مير محمدي*   تُغرق الأخبار المتعلقة بالمفاوضات النووية النظام الإيراني في دوامة من الأزمات الداخلية والخارجية. هذه الأزمات لا تقتصر على فئة معينة في الحكم، بل تشمل النظام بأكمله، وتتفاقم مع مرور الوقت. يمكن رؤية دلائل هذه الأزمات في خطب أئمة الجمعة، وردود فعل نواب البرلمان، والتناقضات في تصريحات المسؤولين.   التحدي الكبير للنظام حدد النظام الإيراني هويته…