دوران ملكي
كما كان متوقعا فأن اجتماعات استانة لم تأت بالجديد بل كانت اجتماعات القوة التي أنهكها الحرب باحثا عن فترة نقاهة والتفاتة إلى الخلف ولملمة الجراح والبحث عن وسائل جديدة تؤهلها إلى مرحلة أحسن.
المواقف ضبابية والموافقات حذرة وكأن الجميع ينتظر صوتا أخر خفي. تم عرض وجهات النظر والاكتفاء بتمديد وقف إطلاق النار الخجول الذي لا يتم التقيد به حسب ضرورة المنطقة وأهميتها كما بدا واضحا ضياع الهدف الأساسي من وراء عقد هذه الاجتماعات وهو الانتقال إلى الحل السياسي الذي يتبع وقف أطلاق النار ووضع الخطط وجدول الأعمال لهذا الانتقال فتم القفز فوقها والبحث في مناقشة دستور لسوريا في غياب الشعب السوري.
أمريكا الغائب الحاضر وكأن الراعيين أخذوا تفويضا منه في حل المشكلة السورية وخاصة في الفترة الانتقالية لاستلام السلطة بشكل فعلي من قبل الرئيس المنتخب دونالد ترامب وعدم وضوح رؤياه بشكل كاف والاعتماد على تصريحاته الشخصية متناسيين أن السياسة الأمريكية هي سياسة المؤسسات ومراكز الأبحاث والدراسات على عكس الراعيين الثلاثة الذين ينطلقون من خيالات كبيرة ترجعهم مئات السنين إلى الوراء من عظمة قيصر إلى سلطان أكبر وشاهين شاه ولي فقيه يقيسون السياسة الأمريكية على مقاساتهم ومتناسيين الحقيقة لإهمالهم الدور الأوربي والعربي الفعالين.
كما إن افتقار المعارضة السورية إلى الرأي الموحد والتشتت في المواقف بين المعارضة السياسية والعسكرية وعدم وضوح الرؤية المستقبلية سهل على المحاور الروسي البارع بأبعاد الفصائل السياسية عن الاجتماع رغم دعوتهم والاكتفاء بالمعارضة المسلحة.
كما جاءت الدعوات في الأساس تلبية لرغبات الأطراف الراعية حيث قام كل منهما بشطب خصمه من الدعوات، فبدأت الاجتماعات وكأنها بانوراما معقدة احتفظ جميع القوة بعدم الخوض في المضمون والاكتفاء برؤوس الأقلام وأهمها وقف أطلاق النار الهزيل وإيصال المساعدات إلى المنكوبين كحبر على ورق حتى فاجأهم الرئيس الأمريكي مؤخرا بموقف لم يتوقعه أحد وهو دراسة تشكيل مناطق أمنة في سوريا وتكليف وزارتي الخارجية والدفاع بها منطلقا من نظريته وقف باب الهجرة وله كما يقال فيها مأرب أخرى.
إن خارطة الطريق الامريكية هي جوهر السياسة الامريكية الاستراتيجية في منطقة الشرق الاوسط ولا تتغير بتغير الروؤساء وإن ذهبنا أبعد من ذلك فمن يريد أن يجعل من أمريكا عظمى من المستبعد أن يترك الساحة العالمية متجاهلا مصالحها وعظمتها وخاصة في مواجهة الإرهاب فمن هذا المنطلق سيضطر الجميع إلى سحب أقدامه وإعادة التفكير في الجديد القادم وخاصة أن الرئيس الأمريكي بدأ يتراجع عن الكثير من تصريحاته النارية تحت ضغط المستشارين مما ولد الخوف في نفوس الذين كانوا يصفقون لنزعاته الفردية.
أما بصدد المشاركة الكردية التي كانت مدعوة من قبل رعاة استانة باسم المجلس الوطني الكردي الحاضرة الغائبة كما أسلفنا وتبعها دعوة وزير الخارجية الروسي لبقية الأطراف التي لم تكن مدعوة لمناقشة مشروع الدستور الروسي لسوريا كذر الرماد في العيون وأرضائها والدستور بحد ذاته جاء كقاسم مشترك لآراء المعارضة والنظام ومكونات الشعب السوري من أثنية وعرقية ودول الجوار والمصالح الإقليمية والدولية وكأن الشعب السوري محتوما عليه أن يلبي طموحات العالم أجمع في دستوره المرتقب مثل الأم الحنونة ولكنها تبقى مشكورة في صياغة بعض البنود متجاوزة عقدة الأنانية القومية الضيقة وعرض أفكار جديدة لم يستطع أحد في سوريا (معارضة – نظام) أن يصرح بها كتغير اسم الجمهورية إلى (الجمهورية السورية) والإشارة إلى التنوع العرقي والطائفي في سوريا مدركا حقيقة الشعب السوري أكثر من السوريين الذين عمت بصيرتهم السياسات الشوفينية في العقود المنصرمة في عهد الأسد ووالده هؤلاء الذين ينحدرون أغلبهم من المدرسة البعثية الشوفينية وأن كانوا بلباس المعارضة وكأن قائلا من قال (من شب على شيء شاب عليه) فكثيرا ما يتردد حول التمثيل الكردي وكأن وجودهم من عدمه ولكن يظل حضورهم في المحافل الدولية ذات أهمية قصوى من منطلق الدفاع عن الشعب الكردي وحقوقهم حيث قام وفد المجلس الوطني الكردي بعرض وجهة النظر الكردية في معالجة المسألة السورية بشكل عام والكردية بشكل خاص ووجوده في جميع المحافل الدولية ولا يتم تجاوزه يؤهله لأن يكون رقم حقيقي في المعادلة السورية.
بالتأكيد أن الموضوع السوري لن ينتهي في آستانة وإن للحل مسافات أخرى، فكان من الأجدى لو اشترك الكرد كلهم في وفد واحد عسكري وسياسي يلبي طموحات الشعب الكردي القومية منبثقا من اتفاق كاتفاق دهوك برعاية الرئيس مسعود برزاني وتشكيل جيش موحد للكرد مهمته حماية مناطق كردستان سوريا ويكون طرفا أساسيا في مفاوضات عسكرية ولكن على ما يبدو أن الاتفاق الكردي -الكردي أيضا خاضع لظروف المنطقة ومصالح اللاعبين الأساسيين ولربما كانت فكرة الرئيس الأمريكي في إحداث مناطق أمنة نقطة البداية في الاتفاق الكردي –الكردي.