ماجد ع محمد
منذ أيام أشار سكرتير حزب الوحدة الديمقراطي الكردستاني الدكتور كاميران حاج عبدو في تصريح صحفي إلى احتمالية إعادة تدوير وإنتاج نظام البعث في سوريا من جديد بالرغم من قتله لعشرات الآلاف من الأطفال والشيوخ والنساء، عدا عن تدميره البنية التحتية في عموم البلد، وفوقها تهجير ملايين الناس من بيوتها، وذلك إذا ما أصرت الهيئة العليا للمفاوضات حسب تصوره على فرض رؤيتها للحل السياسي في سوريا المستقبل، مؤكداً بأن وثيقة الإطار التنفيذي للحل السياسي ليست إلا محاولة استبدال استبدادٍ باستبداد آخر تتضح هويته في الوثيقة بكل وضوح، حيث تنص مادتها الأولى على أن “سوريا جزء لا يتجزأ من الوطن العربي، واللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة، وتمثل الثقافة العربية الإسلامية معيناً خصباً للإنتاج الفكري والعلاقات الاجتماعية بين السوريين على اختلاف انتماءاتهم الإثنية ومعتقداتهم الدينية حيث تنتمي أكثرية السوريين إلى العروبة وتدين بالإسلام”.
وبغض النظر عما نوه إليه الدكتور كاميران فثمة عقلية عامة تربى عليها السوريون لما يزيد عن أربع عقد، وغرف معظمهم موالون ومعارضون من منهل العفالقة حتى التخمة، إلا أن المستجدات وهواجس التشفي قد تدفع الأعداء مجتمعين إلى التمسك بفرعون سوريا ليس حباً به، إنما كرهاً ونكايةً ببعضهم، منها ما يُستشف من كلام وزير الدفاع التركي فكري إشيق في تصريحاته للصحفيين يوم الخميس الفائت خلال زيارته إلى بروكسل بقوله: “إنه يجب تنفيذ عملية الرقة مع قوات عربية وبدون وحدات حماية الشعب الكردية”، حيث يفهم من كلام الوزير أنه على استعداد للتعاون مع كل الفصائل المتطرفة أو التي يعتبرها التحالف الدولي إرهابية باستثناء وحدات الحماية الشعبية التي بسببها وربما تشفياً فيها قد يتعامل الجيش التركي مع قوات وشبيحة فرعون سوريا بصدرٍ رحب، وهو ما قد يحصل في الفترات القادمة وفق المجريات على الأرض هذا من الجانب التركي.
أما من ناحية وحدات الحماية الشعبية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي فهي الأخرى حسب الكثير من مناهضي سياسة الاتحاد الديمقراطي من غير المستبعد بأن تقبل تلك الوحدات بأن تبسط قوات الأسد كامل سيطرتها على المناطق التي قدم فيها الاتحاد الديمقراطي خيرة شبابه وبناته كقرابين في تلك الجبهات، وذلك كرهاً بتركيا وسياستها الاستراتيجية المعادية لحزب الاتحاد الديمقراطي الرافد السوري لحزب العمال الكردستاني الذي تراه أنقرة أخطر من الدواعش عليها، وبخصوص ذلك التصور المتعلق بالتقارب مع الأسد نكاية بتركيا قال علي مسلم القيادي في الحزب الديمقراطي الكوردستاني في تصريح لـ: (باسنيوز) بأن قوات سوريا الديمقراطية التي تشكل الوحدات الكوردية عمودها الفقري قد تسلم كوباني ومنبج وتل أبيض إلى النظام السوري، تحت يافطة قطع الطريق على القوات التركية وتشفيها فيها، كما فعلت في بلدات بغرب مدينة الباب بشمال شرق حلب، وكذلك في إشارة إلى قيام قوات سوريا الديمقراطية مؤخرا بتسليم عدة بلدات في ريف حلب الشمالي شملت (تل رفعت، منغ، وماير، وتل جبين، ومعرسته الخان، وحردنتين) تحت يافطة المصالحة الوطنية.
عموماً ولكي نكون منصفين حيال الانسحاب وتسليم المناطق للنظام، فقوى المعارضة أيضاً على غرار وحدات الحماية الشعبية سلمت مدينة حلب وقبلها منطقة داريا ومناطق أخرى للنظام السوري، منها نتذكر نقل مسلحي تنظيم “داعش” من حي القدم جنوب دمشق إلى مخيم اليرموك المحاذي له عبر الباصات الخضر، ونقل الثوار من حمص القديمة إلى ريف حماة الغربي، ومن ثم تجميعهم في محافظة إدلب على مرأى ومسمع العالم، حيث خرج الثوار وسلموا مناطقهم لقوات النظام كما فعلت الوحدات الشعبية بريف حلب، وذلك بدعوى حقن دماء المدنيين وتجنباً للمزيد من الخراب والدمار في مناطق كانت تضج بأنشطة وتحركات الثوار مع أنها ظلت خارجة لمدة طويلة عن سيطرة النظام الأسدي.
أما فيما يتعلق بالكثير من قوى المعارضة السورية وبما أن ثمة هواجس مشتركة بينها وبين النظام كالدستور، وعروبة سوريا، وإسلامية الدولة، وفق ما ورد في مواد وثيقة الهيئة العليا للتفاوض وإطارها التنفيذي للحل السياسي في سوريا، وطالما أن ثمة مشتركات في البنية الفكرية والسياسية للطرفين، بغض النظر عن إجرام النظام الدموي منذ بدء الثورة السورية، فيبدو للكثير من المراقبين بأن منظمة داعش كما كانت الوليمة التي اتفق عليها كل القوى المحلية والدولية، فمن غير المستبعد أن تتفق الكثير من قوى المعارضة وخاصة الاسلاموية منها مع النظام ضد وحدات الحماية الشعبية، في حال إذا استخدم الأسد قضية الانفصال كسلاح بيده ضد الاتحاد الديمقراطي أو المجلس الوطني الكردي لاحقاً، بحيث يكون الجانب الكردي عندئذٍ هو الداعشي الذي سيتفق عليه كل الأطراف كتركيا والنظام والكثير من قوى المعارضة التي لا يناسبها شيء مما ورد في شرعة وميثاق حقوق الإنسان وما يتعلق بحقوق الشعوب في المعاهدات الدولية، وقد يطيب لها التمسك بمركزية الدولة تحت يافطة الحفاظ على وحدة سوريا وجغرافيتها، وبالتالي تكون قد انسجمت مع خطاب الأسد، ليمتد عندئذٍ عمر الأسد الى أجلٍ غير مسمى على غرار ما فعله الأسد الأب الذي استطاع أن يحكم سوريا بالحديد والنار من خلال شعارات براقة مخادعة للناس كاستعادة الجولان ومحاربة الصهيونية وإسرائيل التي لم يحاربها بطلقة واحدة منذ عشرات السنين، إذ من خلال اتباع استراتيجية الأسد الأب يمكن للأسد الابن اللعب على قضية الوحدة، خصوصاً وأن الكثير من تصريحات المبعوث الأممي استيفان دي مبستورا تناسب مخياله، منها ما قاله يوم الأربعاء عن أن تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ أسوأ فرضية ممكنة، وقوله بأنه لا يوجد لدى الأمم المتحدة أي نية لتقسيم البلاد، وبذلك بإمكان الأسد استعادة شرعيته من جديد، طالما أن القوى التي كانت ضده ستقف معه لتواجه العدو الجديد عوضاً عن إسرائيل سابقاً، وداعش حالياً، ألا وهم الإنفاصاليون الكرد.
وختاماً نقول فحتى لا تذهب الدماء التي أريقت في عموم سوريا أدراج الرياح، وحتى لا يعود النظام الى إعادة إنتاج نفسه، وإنعاش هيكله من جديد تعويلاً على التناقضات الموجودة بين أعدائه مجتمعين، وذلك من خلال نكايات أعداء الأسد ببعضهم، بحيث يعود الفرعون السوري إلى ما كان عليه قبل الثورة أسداً وليس طاغية! ولكي لا تعود عقارب ساعات السياسة الى الوراء بسبب التخاذل الدولي والاِرتكاس الثوري، فيبقى أفضل خيار بالنسبة للمعارضة ووحدات الحماية الشعبية هو ما اقترحه جون ماكين في كلمته أمام المؤتمر الأمني المتعلق بسوريا المنعقد بميونخ، حيث طالب السيناتور الأمريكي بتدمير سلاح الجو السوري وإمكانية استخدام أسلحة تكتيكية مثل صواريخ كروز لضرب المقاتلات السورية عند إقلاعها، لذا فإن صح قول مكين عندئذٍ فحتى ولو بقي الأسد إلى حين، إلا أن بقاءه بعد ضرب ترسانته العسكرية وإنتزاع أسباب الجبروت منه، سيبقى أقل ضرراً لأنه سيكون كثعبانٍ هرمٍ من غير سمومٍ وأنياب.