د. محمود عباس
ليس كرها بالحل السياسي، بل بالنفاق الجاري، والتي تعقد على أسسها المؤتمرات، وخاصة الأخيريتين، أستانة 1-و2 وجنيف -4، ومقارنتها بما يدور على أرض الواقع، حيث الصراع المسلح، وما آلت إليه الوضع، كالتصفيات النهائية للفصائل العسكرية السنية، عن طريق تحريضهم وبأوامر تركية إلى القتال فيما بينهم من جهة، وإتيان جيش السلطة على البقية الباقية من جهة أخرى، مع تبجح بشار الأسد في الإعلام بأنه ينظف سوريا من الإرهابيين. وكل ذلك تزيد من الحالة المزرية للشعب، وتفاقم من الدمار، والتهجير، والتغييرات الديمغرافية على الأسس المذهبية، لتختم بين الفينة والأخرى تصريحات الدول المعنية، بأن الحل سياسي وليس عسكري!
المعضلة هي أن روسيا تحافظ على أشلاء من الفصائل المسلحة، لتجعلها طعمة، تحصل بها على حجة لتبرأ ذمتها من قتل الشعب السوري، ومن طرف آخر لتوهم العالم بأنه لا تزال هناك معارضة، ولابد من المؤتمرات للوصول إلى حل سياسي. وفي الواقع إنه بإمكانها مع الدول الإقليمية إنقاذ الشعب السوري، بوضع الحلول النهائية، عسكريا، وتشكيل حكومة انتقالية أو وطنية كما يقال!
وحسب تتبع مجريات الأحداث فإن إيران لا تقبل التفاوض على عزل بشار الأسد، بل وعلى الطائفة العلوية، ولا يستبعد أن تركيا وإيران وروسيا متفقون على بعضه، حتى ولو كانت تركيا تنفيها على الإعلام، ولا نظن أن تكون بعض رموز المعارضة، ساذجة إلى درجة أنها لا تتوقع مثل هذه الاتفاقية! مع ذلك تعلن بين حين وآخر على أن أحد شروطها هي إبعاد بشار الأسد من الحكومة القادمة، وهم يدركون حتى وفي حال إلغائه فخليفته سيكون من نفس الطينة، ولربما أحد ما من حاشيته وطائفته سيحل مكانه.
والكل بلغ إلى حقيقة وهي أنه لا قوة اليوم تستطيع أن تقف في وجه روسيا، خاصة وان تركيا تمتثل لأجنداتها، ولا نستبعد أنه وبمشورتها قام أردوغان في جولته المكوكية من السعودية إلى البحرين وغيرها، لذلك فجميعهم لن يخرجوا من إطار الاتفاقية المعقودة بين روسيا وأمريكا، وبإمكانهم إيقاف المعارضة المسلحة التكفيرية الإسلامية بهاتف، مثلما فعلتها تركيا مع داعش عندما دخلت جرابلس.
لكن لا بد من أستانة وجنيف – 4 وغيرها، لتكتمل المعادلة ويتقبلوا ما ستملى عليهم في مؤتمرات قادمة، فلم يكن بسيطا جمع كل أنواع المعارضة بكل انتماءاتها ضمن وفد واحد، لتصبح الخلطة غير متناسقة وتسهل خلافاتهم قبول الشروط الخارجية.
كانت المعارضة فيما سبق متمثلاً بالإخوان المسلمين، توسعت لتضاف إليها شرائح البعث السني، وشخصيات انتهازية ومنافقة من السياسيين والضباط كانوا حتى في السنوات الثلاث الأولى من الصراع يخدمون السلطة وبتفاني، فتشكل الائتلاف الوطني، ولتعقيد الوضع تم تكوين الهيئة العليا للمفاوضات، تحت صيغ دبلوماسية سياسية ملعوبة عليها وبخبث، وبرئاسة معروفة تاريخها القذر، وبعدها تشكلت منصة القاهرة، ومنصة موسكو، الأولى انفصلت عن الائتلاف (المعارضة الافتراضية) والثانية عن هيئة التنسيق (معارضة السلطة للسلطة) مع بعض المستقلين شكلا، إلى جانب وفد القوى المسلحة. فمن هؤلاء جميعا تريد روسيا أن يتشكل الوفد المفاوض مع السلطة في جنيف-4!
وعندما تكتمل هذه الخطوة، وتأجل المؤتمر بسببه، لا نستبعد أن تعرض عليهم قضية الاتفاق بين بعضهم قبل بدء المفاوضات مع وفد السلطة. وبشكل عملي لا ثقل للمعارضة في محادثات جنيف-4 فما بالكم بالكرد.
وفي جميع الأبعاد لا توجد للكرد كتلة ظاهرة، فالموجودون على الساحة الكردية في خصام دائم، والأخرين لا يستسيغونهم، ولا الدول الكبرى تفرضهم على سوية ثاني أكبر قومية في سوريا. ولا شك للعامل الذاتي يلعب الدور الأول في هذه المعادلة، فخلافاتهم، وتلاسنهم بين بعضهم وعلى الإعلام، وتخوين بعضهم البعض، وتجنيد أقلام رخيصة للقيام بالمهمات الدونية، وعدم التحاور أو التقارب على بعض النقاط التي يتفقون عليها، تجعلهم دون المستوى، وفي كثيره يعزلون في الأروقة المنسية والمهملة، بل وأحيانا يوضعون في فنادق بعيدة عن مركز المؤتمر، مثلما حصل في مؤتمر أستانة، وعلى الأغلب سيحصل مثلها في جنيف-4 باستثناء الشخصيات المحسوبة على الائتلاف، وسيبلغونهم ببعض ما يجري أو جرى، وما تم الاتفاق عليه، ولن يسألوا عن رأيهم وما هي مطالبهم.
القضية ليست فقط في الجريمة، بل في طرق الجريمة، والنفاق على الضحية، والتغطية عليها، والتبريرات الخبيثة لأسباب الجريمة. وغدا سيتم تناسي المجرمين السلطة والمعارضة، والقوى الكبرى والإقليمية، خاصة بعد أن يحصل كل طرف على حصته، فتركيا ستقوم مقابل بقائها في الأراضي السورية، وبشكل خاص في المنطقة الكردية الفاصلة بين الجزيرة وعفرين، بقطع المساعدات عن المعارضة ولربما إجبارها على ترك السلاح، ولا يستبعد في حال الرفض طردها بطريقة ما من أراضيها، والسعودية وقطر ستقطع رواتبهم. وروسيا التي لا تستطيع السلطة تجاوزها، وتدرك تماما حجمها بدونها، وإيران تعي بأن تحركها في المنطقة ومواجهتها لأمريكا مرهونة بالدعم الروسي، لذلك فهما ومعهم حزب الله والمنظمات الشيعية الأخرى، بعد أن حصلوا على مبتغاهم، وأقلها عودة سيطرتهم على أهم المدن السورية، سيقبلون بما ستضعه روسيا وكما تقول الحل السياسي، لأنها ستكون على مقاسهم. كما وستتحدث باسمهم في المؤتمرات، ووفدهم مع خباثة الجعفري ليس سوى غطاء، فروسيا تعرض إملاءاتها عليهم وعلى المعارضة، وستكون النهاية في معظمه حسب ما خططته منذ اليوم الأول لدخولها بطيرانها وجيشها في الصراع، فهي لم تقحم ذاتها إلا بعدما انتهت من وضع تكتيكها، والحل كان عسكريا وسيكون لكن بغطاء سياسي، وهذا ما فعلته في غروزني الشيشانية.
ولا شك غيبت في هذه المعادلة الدور الأمريكي، في هذه المؤتمرات، والسبب على احتمالين، أولا الإدارة الجديدة لا تزال في بداية تشكلها، وهي غير جاهزة للمشاركة بوفد ما، والثانية أنها تركز على ما شدد عليه ترمب أثناء حملته الانتخابية وهي محاربة الإرهاب الإسلامي، كقضية استراتيجية. فالبارحة كان أول لقاء بين وزير الخارجيتين الأمريكية والروسية، وبين بعض الضباط الكبار وعلى الأغلب سيتطرقون إلى قضية محاربة الإرهاب ومنها ما سيتم في المؤتمرات المذكورة، واحتمالية الاشتراك الأمريكي في جنيف -4 ضعيفة، وكذلك مسألة تزويد شمال سوريا، أي قوات ال ي ب ج الكردية وجيش سوريا الديمقراطية، بالعتاد مع قوة عسكرية على الأرض، تحت خطة محاربة داعش، ولربما مهاجمة الرقة، والتي يتوقع أن تكون في نهاية آذار أو لربما أقرب.
ويبقى السؤال: هل يجب على المعارضة التراجع عسكريا وترك السلاح، لتجري المياه كما تشتهي السلطة وإيران، ويتمدد الهلال الشيعي في المنطقة؟ أم عليها أن تستمر في القتال، وفي هذه الحالة كان من السهل الجواب، فيما لو كان قرارهم بيدهم، وسندهم من الشعب، وليست من تركيا والسعودية وقطر، وفيما لو لم يتحولوا إلى منظمات تكفيرية إسلامية راديكالية إرهابية، أي منظمات تحمل كل الأسماء التي تنفر منها العالم. مع ذلك وحسب مجريات الأحداث، يجب عليها التحرر من الإملاءات الخارجية، والاقتناع بأنها خسرت الحرب عسكرياً، وعليها ترك السلاح والانتقال إلى معارضة سياسية حضارية، والتخلي عن الصراع المذهبي، والإسلام الراديكالي، والتي وجدت فيها سلطة بشار الأسد ضالتها، وكل من يدعي بأنه سيأتي بحل من ضمن قاعات جنيف سياسياً يخدع الشعب السوري، وللمرة الألف، الحل بيد روسيا، وهي لا تعرف سوى الحسم العسكري فيصلا نهائياً.
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
16/2/2017م