د. محمود عباس
منذ أن تشكلت سوريا الحالية من العدم، في نهاية العشرينات من القرن الماضي، وبيد الفرنسيين، وحتى اليوم، لم تخلى أرضها من الصراعات؛ والمجازر؛ والجرائم، إن كانت على مستوى الدولة أو رؤساء الحكومات (رؤساء المافيات الإقليمية) المسنودين من العصابات العروبية المنضوية ضمن أحزاب في البرلمان السوري، في سنوات الاستعمار الفرنسي، فمن حينها نشروا نزعة الخلافات والشر بين المجتمع، هاجموا الكرد في جغرافيتهم المقتطعة من كردستان الكبرى، وخلقوا الفوضى وعدم الاستقرار فيها، بل وفي المنطقة كلها بالانقلابات المتتالية وعلى مدى ثلاثة عقود من الزمن، قادها نفس الشرائح العروبية التي غذت الأحقاد بين الشعوب السورية المتشكلة حديثاً،
ومع كل انقلاب أريقت دماء غزيرة، وتعمقت معاناة المجتمع، وهم نفسهم أو الذين تخرجوا من أكاديمياتهم وسعوا الصراع وبتخطيط بين المذاهب والقوميات في سوريا والمنطقة، وعلى أثرها كانت الألاف من القتلى، وتدمير المدن، كحلب وحماة، وعزل المنطقة الكردية، بحصار اقتصادي ثقافي وسياسي، للقضاء على قضيتهم القومية والوطنية.
كل المذكور على جنب، ونفاق رؤساء الحكومات، وبشكل خاص حكومتي البعث والأسدين، المقبور والمجرم، على جنب آخر، كرفعهم لشعار سوريا دولة الصمود والتصدي، وبها أدخلوا الشعب في عوز وكأنه أبدي، إلى جانب السلب والنهب الممنهج، والقتل والاغتيالات والاعتقالات والقوانين الاستثنائية المرعبة، والتي جرت تحت غطاء الشعار الخبيث المذكور، ومن تحت غطاء شعارات مشابهة صعدوا الصراع بين الكرد والأطراف الأخرى من النسيج السوري، الذين تنافسوا على من سيأتي بأخبث الأساليب للقضاء على قضيتهم في جزئهم المحتل، ومعظمهم حاولوا القضاء على وجودهم ضمن أرضهم التاريخية. هذه البشائع وغيرها الكثير التي نبتت من التربة السورية العجيبة، أوصلت المجتمع المحصور ضمن الجغرافية اللقيطة إلى ما هم عليه من ساحات الجحيم. والغريب أن السيد ديمستورا مع كل هذا يقول بأن السوريين إذا لم يتفقوا فإن أبواب الجحيم ستفتح، والأغرب هل هناك جحيم غير الذي عاشوه ويعيشونه حالياً بين أنقاض المدن أو في المخيمات!؟
حتى العاهرة في أسواق النخاسة لا تبتذل بهذه السوقية، ولا الفاجرون في الأزقة المظلمة بهذه الأخلاق الدونية، ولا الزبانية بالعقلية الإجرامية التي لسلطة بشار الأسد، المتغاضية عنها الدول الفاعلة في القضية السورية. لذلك وأمام هذه المشاهد المروعة تسكت ملائكة الرحمان، مذهولين أمام مسرح الجريمة الكبرى، حيث تمارس من على منصتها كل أنواع الاغتصاب، وأمام الله، وأعين البشرية المتخاذلة، ومن بينهم أولئك الذين يرفعون كلمة الله، ويصفون ذاتهم أصحاب الضحية، فمن هم أصحابها؟ المنافقون أم الانتهازيون، تجار الحروب أم المجرمون، القتلة الذين تم تجنيدهم، أم الدول الكبرى؛ سلطة بشار الأسد الغارقة حتى أذنيها بدماء أطفال سوريا أم المعارضة المنافقة بمعظم أطرافها؟! فلا المحاكم الدولية ستتمكن من جمع ملفات أولاد العاهرات هؤلاء لتقدمهم كمجرمين، ولا محكمة الجنايات العالمية ستستطيع أن تعقد جلسات على سوية هذا الإجرام، فكل الأحكام التي وردت في الدساتير العالمية عاجزة عن تقييم جرائمهم.
ذكروني فيما إذا كان هناك صديق لشعوب سوريا، وأجرمت بحقه؟ أم أنهم جميعا أولاد العاهرات وبأوجه مختلفة، هل تريدونني أن أذكركم بالدول؟ حسناً، لنبدأ بأئمة ولاية الفقيه الغارقة في الزندقة المذهبية، مدافعا بكل ما يمكن عن سلطة بشار الأسد المجرمة لمصالحه، تحت الغطاء المذهبي، ووقود تحركاته دماء أطفال سوريا، أم نأتي على السعودية وقطر وتركيا الأردوغانية، وتحت شعار السنة في خطر، وهم خير من يمثلون الآية الكريمة الأعراب أشد كفرا ونفاقا، والأردوغانية لا تقل كفرا عن الأعراب الحاكمين في السعودية والقطر. أم الدول الكبرى، روسيا وأمريكا، وما يدور في فلكهما، والذين بشائعهما فاقت احتمالات التحليلات البشرية. ماذا فعل السوريون بهم ليلقوا عليهم أحقادهم وبكل هذا الشر، ماذا فعل الإنسان السوري، ما عدى مطالبته بقليل من الحرية، ليحصل على كل هذه الكراهية؟ أين هم أصحاب الضمير، وهل خلت الكرة الأرضية منهم؟ ألم يخلق الله قوة بدون كراهية قادرة على الحد من هذا الإجرام؟!
ألم يشبع الذين يعقدون الجنيفات والأستانات، والقاهرات والإسطنبوليات والرياضات، من خدعهم وإجرامهم ونفاقهم، وقذاراتهم، أم القادم أبشع؟ وكأننا على أبواب جديدة من النفاق والكذب والتحايل على المجتمع السوري، فأستانة أخرى قادمة، وجنيف أخرى ستعقد، والمعارضة بكل ألوانها وأشكالها القذرة، ستحضرها، السياسية والعسكرية المتروكة سابقا من سجن صيدنايا وبأوامر استثنائية من سلطة بشار الأسد، ليخلقوا معهم مجازر سوريا الجارية، وستجالسهم قريباً السلطة الفاجرة ذاتها، والتي أخلت سبيلهم، برئيسها الدميم والدمية؛ والملعون خلقة وأخلاقا، بزبانيته، سيتحاورون، فهل هؤلاء مسؤولون عن الشعب الذي يقف على حافة الجحيم بل ويعيش الجحيم قبل أن يمر بيوم الحساب، أليس هؤلاء هم أحفاد أبن آدم القاتل والمقتول هو المجتمع السوري؟
ليست تلك مقصد مقالي، وكنت على نية تحليل ما يجري في المؤتمرات القادمة، من أستانة إلى جنيف -4 والتي سآتي عليها بمقال قادم، ولكن لا بد من البصقة، على من أوصل الشعوب السورية إلى هذا الواقع المؤلم حد ضياع الصرخة، كأضعف الإيمان.
فليت لم تكن سوريا اللقيطة هذه، لما كان هذا الصراع على سلطتها، ولما وصل شعوبها إلى هذه الحالة المزرية. لربما علينا أن نلعن وزيري خارجية بريطانيا وفرنسا، قبل وزيري خارجية روسيا وأمريكا، والمعارضة وسلطة بشار الأسد، لأنهما أسسا سوريا كدولة غارقة في التناقضات، وبالتربة الملائمة لكل أنواع الصراعات المتوقعة من الإنسان. إذا أسلمنا بالأديان حكما في التكويني الإنساني كأحفاد مجرم، فالجريمة الكبرى لم تكن ما بين هابيل وقابيل، بل هي الأن بين أبناء آدم في سوريا، المجتمعة فيهم كل جينات الجريمة الأولى في التاريخ البشري، وما تعقد من مؤامرات النفاق على مصير المجتمع السوري خير شاهد.
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
15/2/2107م