مخاوف من إعادة انتاج الاستبداد بصبغة عروبوية ـ إسلاموية

كاميران حاج عبدو
قبيل انطلاق الجولة الرابعة من مفاوضات جنيف ثمة مخاوف ترواد الكثير منا، وذلك بسبب تمسك الهيئة العليا للمفاوضات حتى الآن برؤيتها للإطار التنفيذي للحل السياسي في سوريا، والتي طرحتها تحت مسمى “وثيقة الإطار التنفيذي للحل السياسي” في العاصمة البريطانية لندن، حيث تضمنت هذه الوثيقة جملة من المبادئ حول عملية التفاوض والمرحلتين الإنتقالية والنهائية، والمخاوف بمجملها متعلقة بإحتمالية إعادة إنتاج النظام السابق إذا ما أصرت الهيئة العليا على فرض رؤيتها للحل السياسي في سوريا المستقبل.
إذ أن أقل ما يمكن قوله بحق هذه الوثيقة هي أنها لاتصلح البتة لأن تكون إطاراً لحل الأزمة السورية، كونها تعيد إنتاج الإستبداد بصبغة عروبوية-إسلاموية، ضاربة بعرض الحائط مباديء الثورة السورية التي إنطلقت في أذار ٢٠١١ في سبيل الحرية والكرامة وإسقاط الإستبداد وبناء وطن ينعم فيه الكل بالحرية والمساواة، قبل أن يتم تحريفها لتصبح فيما بعد حرب طائفية أججتها المحاور الأقليمية والمصالح الدولية. كما أنها (أي الوثيقة) تتناسى الحقائق التاريخية والجغرافية لسوريا التي تشكلت أصلاً بعيد الحرب العالمية الأولى وضمت تنوعاً إثنياً ودينياً رغماً عن إرادتهم.
كما أن وثيقة الإطار التنفيذي “للحل السياسي” ليست إلا محاولة استبدال إستبداد بأخر تتضح هويته في الوثيقة بكل وضوح، كما أنها تحرم مكونات سورية أصيلة من حق إستخدام لغاتها، حيث تنص مادتها الأولى على أن “سوريا جزء لا يتجزأ من الوطن العربي، واللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة، وتمثل الثقافة العربية الإسلامية معيناً خصباً للإنتاج الفكري والعلاقات الاجتماعية بين السوريين على اختلاف انتماءاتهم الإثنية ومعتقداتهم الدينية حيث تنتمي أكثرية السوريين إلى العروبة وتدين بالإسلام ورسالته السمحاء التي تتميز بالوسطية والاعتدال”.
ومن خلال التمعن في مضمون الوثيقة نرى بأنها تشير في إحدى موادها إلى حقوق المواطنين المشروعة ضمن إطار الهوية الوطنية الجامعة والوطن الواحد، فكيف يمكن تحقيق هذه الهوية الوطنية الجامعة التي تعطي الهيئة العليا للمفاوضات لنفسها الحق بأن تُعَرِّفُها بالعربية الإسلامية؛ وماذا عن المكونات الغير عربية والغير إسلامية؟ أعليها الإنصهار في بوتقة العروبة والإسلام “خدمة” لهوية الهيئة العليا للمفاوضات الجامعة؟
إضافة إلى أن الوثيقة تؤكد على مركزية النظام السياسي الذي فشل على مر عقود مضت في خلق هوية سورية جامعة تحتضن جميع مكونات سوريا القومية والدينية. وتعيد بذلك استنساخ تجربة البعث في سوريا بإضافة صبغة إسلامية عليها. لذلك فإن ما جاء في الوثيقة تلك يزيد من مخاوف جزء كبير من السوريين. إذ لا يمكن ولايجوز أن نعيد سوريا ونظامها السياسي إلى ما قبل أذار ٢٠١١. كما أنه لا يجوز فرض نظام ذو لون قومي وديني وطائفي واحد في بلد متعدد القوميات والأديان والطوائف.
عموماً لسنا هنا بصدد التعليق على كل بنود الوثيقة، ولكن من خلال قراءة واحدة لها يتضح للقاصي والداني بأن الذهنية الشوفينية هي التي لا تزال تُسَيِّر أعضاء الهيئة العليا للمفاوضات، التي بات جلياً أنها تريد استنساخ تجربة البعث بشكل ممسوخ، إذ بعد كل ما أصاب شعبنا ووطنا جراء الحكم المركزي المقيت الذي كان السبب الأول والأخير لما آلت إليه الأوضاع في سوريا، علينا جميعاً الإحتكام إلى لغة المنطق والبحث على طاولة الحوار عن حلٍ يتلائم مع حقائق التاريخ والجغرافيا، ولنبحث معاً عن شكل نظام يتلائم مع تعددية سوريا القومية والدينية، ونضع حلاً يؤمن الحرية والمساواة لجميع السوريين على الصعيد الفردي والجماعي؛ حلاً ينهي الإستبداد والإرهاب أي كان.
لذا فإننا في حزب الوحدة الديمقراطي الكردستاني وفي الوقت الذي نرفض فيه وثيقة الإطار التنفيذي هذه جملةً وتفصيلاً، وندين العقلية الشوفينية والعنصرية والإستبدادية، فإننا نعلن بأن أي حل للأزمة السورية يجب أن يتضمن ما يلي ليرتقي إلى مستوى التضحيات التي قدمها الشعب السوري بكافة مكوناته: 
١ـ  سوريا بلد متعدد القوميات والأديان، ولا بد أن تكون هذه الحقيقة أساساً لكتابة دستور سوريا المستقبل؛
٢ـ  إن النظام السياسي المركزي فشل في معظم الدول المتعددة القوميات، لذلك لابد من إيجاد بديل يؤمن المساواة بين تلك القوميات، والحيلولة دون هيمنة أحد المكونات على أخر. وهذا بقناعتنا يقودنا إلى الحل الفيدرالي الذي لا نرى له بديلاً سوى المزيد من الحروب والتقسيم؛
٣ـ  الاعتراف بالحقوق القومية للشعب الكردي الذي يعيش على أرضه التاريخية وفقا للعهود والمواثيق المتعلقة بحقوق الإنسان والشعوب؛
٤ـ  الاعتراف بالحقوق القومية والديمقراطية للشعب السرياني الآشوري.
٤ـ  عدم إقحام الدين بالسياسة، والسعي الى بناء دولة علمانية تؤمن للجميع حرية ممارسة شعائرهم الدينية؛
٥ـ  نزع سلاح الميليشيات بمساعدة الدول الراعية لاتفاق جنيف وكذلك منظمة الأمم المتحدة، والتعاون معها في محاربة الإرهاب.
ونرى بأن كل من تعز عليه كرامة سوريا وشعبها مدعو اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى التكاتف والعمل معاً ضد الإرهاب والإستبداد أي كان، والنضال معاً من أجل سوريا ديمقراطية وعلمانية وتعددية تؤمن الحرية والمساواة للجميع. كما أننا جميعاً – وخاصةً المؤمنون منا بمحورية الانسان وكرامته في أي مشروع سياسي – مدعوون ونحن على أعتاب جنيف٤ إلى مراجعة سياساتنا ورص صفوفنا حول مشروع سياسي يضع مصلحة الشعب وكرامة الانسان وحقوقه وحرياته فوق أي إعتبار أخر. 
وختاماً ففيما يتعلق بالكرد نقول بأن الأهم بالنسبة لنا من كل الصراعات حول أحقية التمثيل في جنيف٤ هو العمل بلا هوادة على رفض وثيقة لندن العروبوية الاسلاموية والإتيان بمشروع بديل ينسجم وطموحات الشعب السوري بكافة مكوناته، ويحقق للسوريين كافة الحرية والمساواة، و يُمَّكن شعبنا الكردي من ممارسة حقه في تقرير مصيره بنفسه في إطار سوريا فيدرالية وعلمانية.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…