أحمد حسن
من يبحث ويتابع ويتعمق في السياسة الدولية والاقليمية سيجد أنه هناك صناعا للقرارت السياسية المؤثرة في العالم ومخططون لرسم هذه السياسات ومن ثم منفذون عمليون على أرض الواقع هؤلاء سواء أكانوا دول أو منظمات أوشركات أو أجهزة الاستخبارات أو رجالات المال والأعمال أو البارعين في السياسة والاقتصاد والاعلام والعلوم …. الخ كل هؤلاء يشكلون معا مايسمى ( حكومة العالم الخفية ) أو ( حكومة العالم العميقة ) التي تتحكم في كل مفاصل الحياة (سياسيا – اقتصاديا – اجتماعيا – …. ) كذلك مسائل الحرب والسلم وتنصيب الرؤساء أو اقالتهم أضف الى ذلك تشكيل دول وتدمير أو تقسيم دول أخرى على وجه المعمورة
وبالتالي فإن الشعوب والدول التي تستطيع أن تصل وتتوالف مع مراكز صناعة القرارت السياسية في العالم وتدير معها فن لعبة المصالح التي هي جوهرالسياسة يمكن أن تجد لها موطئ قدم ومكانة بين الدول وإلا سيبقون أحجارا على رقعة الشطرنج وغالبا ما يظهر ذلك جليا في الحروب والاضطرابات كمنعطفات تاريخية مثل الحرب العالمية الأولى والثانية وانهيار الاتحاد السوفيتي وثورات ربيع شعوب المنطقة ….. الخ حيث تسنح الكثير من الفرص للشعوب المضطدة والتواقة الى الحرية والعيش بكرامة والشعب الكوردي الذي تعداده يفوق ( 40) مليون نسمة ويعيش على مساحة جغرافية (500000) كيلومتر مربع اسمها كوردستان كموطن تاريخي للآباء والأجداد مقسمة بين أربع دول هي ( سوريا – العراق – تركيا – ايران ) بموجب اتفاقيات دولية مر بهذه المنعطفات التاريخية وتوفرت له الكثير من الفرص لكن لم يستطع أن يقتنصها لعوامل داخلية/خارجية و ذاتية/موضوعية ومن بعض هذه الفرص في عصرنا الحديث :
1) معاهدة سيفر : التي وقعت في 10 آب 1920 بين الامبراطورية العثمانية ودول الحلفاء (المركز ) عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى والتي نصت موادها ( 62-63-64 ) على منح حكم ذاتي للشعب الكوردي وصولا الى حق تقرير المصير (قيام كوردستان المستقلة ) لكن جاءت اتفاقية لوزان ( 1923 ) كطي والغاء لاتفاقية سيفر.
2) جمهورية كوردستان : ولدت جمهورية كوردستان عاصمتها ( مهاباد ) بدعم من الاتحاد السوفيتي عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية نتيجة عوامل دولية، تمثلت في الصراع البريطاني السوفياتي على تقاسم النفوذ في إيران للسيطرة على الثروة النفطية من جهة وعوامل داخلية أبرزها نمو حركة التحرر القومي الكردية والتي تجسدت في تشكيل الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني بزعامة قاضي محمد الذي اعلن عن قيامها في 22 كانون الثاني عام 1946 حيث دامت ( 11 ) شهرا ثم انهارت نتيجة حصول ايران على دعم بريطاني – امريكي وانسحاب الاتحاد السوفيتي حيث قامت ايران في آذار 1947 باعدام قاضي محمد وعدد من معاونيه في ميدان ( جوار جرا ) .
3) الحكم الذاتي لكوردستان العراق 1970 : وقعت اتفاقية الحكم الذاتي للأكراد أو بيان 11 آذار 1970 بين الحكومة العراقية والزعيم الكوردي الملا مصطفى البارزاني حيث اعترفت الحكومة العراقية بالحقوق القومية للأكراد واستعمال اللغة الكردية في المؤسسات التعليمية بالاضافة الى مشاركتهم في الحكومة لكن سرعان ماتنصلت القيادة العراقية من بنود الاتفاقية بعدم ضمها كركوك ( قلب كوردستان ) وخانقين وسنجار الى مناطق الحكم الذاتي وذهبت الاتفاقية أدراج الرياح .
لوعدنا الى اسباب انهيار هذه التجارب وعدم اقتناص الفرص السابقة بنظرة نقدية ومحاكمة منطقية ودراسة تحليلية سنجد هناك جملة من العوامل والعراقيل وفق ظروف وامكانيات تلك المرحلة منها الجهل والأمية وضعف الامكانيات الاقتصادية وعدم وجود حركات قومية كوردية ناشرة للوعي القومي الكوردي بشكل واسع ومن ثم استجماع كافة طاقاته وتسخيرها من أجل تحرره واستقلاله اضافة الى العامل الخارجي ( الدولي – الاقليمي )
4) اقليم كوردستان العراق : نتيجة الويلات التي عاشها الشعب الكوردي في العراق من حملات الأنفال ومجزرة حلبجة وعمليات الابادة الجماعية والجينوسايد والهجرة المليونية بعد انتفاضة الشعب العراقي عام 1991 ضد نظام الدكتاتور صدام حسين حيث اضطرمئات الآلاف للنزوح والفرار الى الحدود التركية و الايرانية مما حدى بالتحالف الدولي الى انشاء منطقة حظر الطيران في الشمال فتشكل ملاذاً آمنًا سهل عودة اللاجئين الأكراد وتابع البيشمركة محاربة القوات الحكومية حتى اجبرتها الى المغادرة من كوردستان في تشرين الاول/ أكتوبر 1991، وغدت المنطقة مستقلة ذاتيًا بحكم الواقع وبعد سقوط الطاغية عام 2003 والتغيرات السياسية اللاحقة تم التصديق على دستور جديد للعراق في عام 2005 ينص بأن منطقة كوردستان كيان اتحادي ضمن العراق وجعل اللغة العربية واللغة الكردية لغتان رسميتان في العراق ويتمتع إقليم كوردستان العراق بحكم ديمقراطي برلماني وبرئاسة مسعود البرزاني الذي انتخب في بداية عام 2005 .
في عهدنا الحديث تعد هذه الفرصة الوحيدة التي اقتنصها الكورد بفعل تضحيات الشعب الكوردي ونضوج العوامل الذاتية والموضوعية ووحدة الحركة الكوردية واستفادتهم ومعرفة تعاملهم مع التحالف الدولي وكسبهم للمزيد من الاصدقاء الاقليميين والدوليين واكتسابهم الكثير من الخبرات نتيجة تجاربهم وحكمة وحنكة القيادات الكوردية وعلى رأسهم الرئيس مسعود البرزاني الذي يحظى باحترام وتأييد كوردستاني واقليمي ودولي والذي يقود المشروع القومي الكوردي أضف الى ذلك شجاعة وتضحيات البيشمركة الأبطال الذين ضحوا في سبيل الكورد وكوردستان وستكتمل هذه الخطوة باعلان كوردستان المستقلة.
أما الآن وبعد ماحدث في المنطقة عموما وسوريا والعراق خصوصا كدولتين معنيتين بالشأن الكوردي أفرزت معطيات جديدة وخلقت ظروف وفرص جديدة كمحطة ومنعطف تاريخي فالشعب الكوردي في العراق ذاهب نحو الاستقلال وفي سوريا كل الاحتمالات واردة ومفتوحة من نظام اتحادي فيدرالي لكل سوريا الى تقسيم سوريا الى اقليم وبحمايات دولية متعددة الى الحاق أجزاء منها مع هذه الدولة أو تلك فالسيناريوهات كثيرة ولكي يستفيد الكورد من هذه الفرصة التاريخية لابد من :
● وحدة الصف الكوردي ووضع المصالح الاستراتيجية العليا للشعب الكوردي فوق المصالح الحزبية والشخصية .
● نشرالوعي القومي الذي يدعو الى حب الكورد وكوردستان ( حزبيا/شعبيا ) ونبذ الحزبايتي الضيقة .
● الالتزام بالاتفاقيات والمعاهدات الموقعة بين كل الأطراف (سياسيا – عسكريا – اداريا ……) .
● التعامل الديبلوماسي والسياسي والتواصل مع المطبخ العالمي لصناعة القرار (حكومة العالم الخفية ) .
● من يريد للمشروع القومي الكوردي أن يرى النور ويصل الى شاطئ الأمان لا بد أن يدعم ويساند ويتضامن مع قائد المشروع القومي الكوردي الرئيس مسعود البرزاني والذي يعتمد اقليميا ودوليا وكوردستانيا كمفتاح للتعامل الدولي والاقليمي مع الملف الكوردي في أجزاء كوردستان الأربعة والذي يعد نقطة الارتكاز لأي تعامل دولي مع القضية الكوردية هنا وهناك .. فخبرته الطويلة وتجاربه المتعددة واخلاصه للشعب والقضية وحنكته وديبلوماسيته أوصلته الى مكانة يحسب له حسابا من المجتمع الدولي وصناع القرار وحكومة العالم الخفية .
10/2/2017