* معركة چالديران الرَّقاوية .

 بقلم عنايت ديكو 
– هناك مقولة جد مشهورة عن الكورد تقول: الكورد أشدّاء وجبابرة في الميدان والانتصارات، لكنهم يخسرون كل ما يحققونه حربياً على طاولة السياسة والمفاوضات. هي مقولة قديمة وجديدة، ترافق الكورد دوماً أينما كانوا ورحَلوا…!.
– الحرب … للحرب وجهان، وجهٌ ظاهري وآخر باطني، ففي الوجه الظاهري، صَمَتَ العالم ووقف باستعداد كبير لانتصارات وبطولات الكورد في مواجهة تنظيم داعش الإرهابي، وألهَمَ الكورد البشرية ببطولاتهم ومقاومتهم وبسالتهم ضد التنظيمات الراديكالية. لكن السؤال المطروح والمستور وغير المرئي في الوجه الباطني للحرب هو: فمن أين يحصل الكورد على كل هذا السلاح …؟ ومَنْ الذي يدعمهم ويغدقهم بالسلاح … ولماذا ؟
ويمكننا أن نسترسل أكثر: كيف يأتي هذا الدعم إليهم، وما هي الأهداف القريبة والبعيدة للممولين، وما هي المخاطر والنتائج المترتبة على تسليح الكورد ، وما هو الضامن من أن ألا ينتقل هذا السلاح النوعي إلى كوردستان تركيا مثلاً ..؟؟ أم أن تسليح الكورد في سورية هو بحدّ ذاته ضرورة ومطلبٌ تركي قبل أي شيء آخر .؟ لأنها تعرف قبل غيرها تماماً إن الحرب تعني الخراب والدمار الداخلي والانهيار. وخلال هذه الحرب وتسليح الكورد، قد تكون تركيا هي الرابح الأكبر وبلغة الأرقام، وستَقضي على العمق والخزّان البشري الاستراتيجي في كوردستان سوريا، والذي يُغذي بدوره مفاصل تنظيم حزب العمال الكوردستاني في حربه الضروس مع الدولة التركية بالمال والسلاح والبشر منذ حوالي أربعين عاماً؟
لقد سرَّبت بعض المواقع العسكرية والأمنية واللوجستية مؤخراً، كمٌ كبير الحجم من المعلومات المتناقضة والمختلفة، التي تتعلق في مجملها بالخطط والاستعدادات العسكرية والسياسية لتحرير الرَّقة، وتداعيات هذه الحرب على الأرض، وكسب المعركة في الأخير، ومن ثم تحقيق الأهداف المافوق استراتيجية للاعبين الكبار ورمي القشور وبعض العظام للصغار منهم. ولو أجمعنا هذه التسريبات والمعطيات .؟ لوصلنا إلى نقطة ارتكازية تجتمع فيها كل المؤشرات والخطط والتحضيرات، وتتقاطع مع بعضها البعض على وجوب وأهمية تسليح الكورد في سوريا، وضرورة إشراكهم في جغرافية الحرب، والدفع بهم الى القتال مع تنظيم داعش الارهابي، واستخدامهم كرأس الحربة وكإنكشاريين تحت الطلب.
– فهناك أطراف دولية وإقليمية لا تريد الخير للكورد ولا تريد أن ينعم الكورد بهذا الهدوء النسبي وبهذه السكينة، والتوجه نحو البناء والمأسسة والإدارة وتنظيم الحياة الاجتماعية والسياسية والفكرية والثقافية والاقتصادية، وبناء المعاهد والجامعات والمستشفيات ورياض الأطفال، وشق الطرق والبلديات لهم وتأمين الرغيف الساخن لأبنائهم. فهناك مَنْ يَعمل ويَضع القنبلة والسلاح في أيدي الكوردي كل يوم، ويقول له : اذهب … ذاك هو العدو رقم واحد بالنسبة إليك … وعليك الذهاب إليه وقتله وضربه وإزاحته من الوجود ، ونحن سنساعدك أيها الكوردي الشمشومي ، فلا تيأس، سندعمك بكل السلاح ولا تخف فنحن ورائك .!!! إلى أن يتعب هذا الكوردي، فتنهمك قواه وينسى جوع أولاده وأطفاله في البيت وحالته الاجتماعية والاقتصادية تكون قد أصبحت في الحضيض ومنهكة تماماً، الى جانب نفاذ القوة والقوى والعتاد والاقتصاد والبشر من البيت الكوردي الداخلي،
هنا … فمن حقه أن يسأل الكوردي البسيط والعادي: فلماذا كل هذا السلاح القوي والفعّال؟ ولماذا هذا الدعم العسكري السخي وبلا حدود للكورد؟ فلماذا كل هذه العربات والمدرعات والصواريخ المضادة والمدافع والذخائر والألبسة والعتاد العسكري للكورد.؟  فبدل من كل هذا الدعم العسكري لنا ودفعنا إلى المهالك والچالديرانات ؟ ارفعوا الحصار السياسي عن الكورد، ولتكن العلاقات بيننا وبينكم على أساس التبادل والاحترام المتبادل والاعتراف السياسي ..!! إن كنتم صادقين في دعمكم هذا .!؟؟؟
فلماذا تصرفون الملايين والمليارات من الدولارات لدعم الكورد قتالياً وعسكرياً ولا تدعمونهم في بناء البنية التحية وتنظيم حياتهم الاجتماعية والفكرية والاقتصادية في كوردستان سوريا.؟ …. لكن … يظهر حساب الحقل لا ينطبق مع حساب البيدر في النتيجة .!؟
– فالموقع الجيوسياسي للكورد يؤهلهم ويدفعهم الى تبوء مركز الصدارة في سلّم الأولويات وعلى هذه الجغرافيا، والاعتماد عليهم كأدوات متحركة وفاعلة على الأرض وفي الميدان. فهناك الكثير من اللاعبين يريدون تسليح الكورد في سوريا سرّاً وعلناً، بعناد وإصرار كبيرين، بدءاً من النظام السوري الى تركيا ومن روسيا إلى إيران ومن أمريكا الى العراق وأوروبا، والدفع بهم إلى مهالك الحروب والدماء الهادرة واستنزاف طاقاتهم أمام تنظيم داعش ودولته الاسلامية العابرة للقارات، لتكون شروط الاستسلام الكوردي في المستقبل أقوى وأنجع وأكبر، طبعاً بعد وقفٍ للحروبِ والقتال في مشرقنا الدموي.
فتركيا تعارض تزويد الكورد بالسلاح علناً، لكنها لا تعارض عندما يُستخدم هذا السلاح في سوريا حصراً وعلى وجه التحديد في معارك الرقة، وسترقص بعشرات المناديل عندما ترى الدم الكوردي يراق على تخوم الرّقة والبوكمال وديرالزور وغيرها، وستدعم الأعداء وخصوم الكورد أيضاً وبكل السلاح كما فعلت في السابق، وستساهم تركيا وبشتى الوسائل والطرق في وضع السلاح بأيدي الكورد وأيدي أعدائهم، والدفع بالطرفين إلى شن الحروب بالوكالة شرقاً وغرباً، لتُحقق تركيا أهدافها البعيدة والاستراتيجية، في القضاء على البنية التحتية وعدم بناء المؤسسات واللبنات الاساسية للمجتمع الكوردي في سوريا، وهذا بحد ذاته هدفٌ استراتيجي لتركيا، وستكون فرحة جداً في حال ذهبَ الكورد الى الرقة وجرابلس والبوكمال وحلب والزهراء وتحت شعار ” الوطن والوطنية ” لربما يُساق الكورد غداً الى حماة وحمص والرستن وتدمر وغيرها أيضاً، لأن تركيا تعرف بأن ذهابهم الى خارج المناطق الكوردية، هو ليس للنزهة وقضاء العطلة الصيفية هناك، بل تعرف تماماً انه إنهاكٌ للكمون والقوى الكوردية الكامنة وفناء لرأسمال مستقبلهم، وفيه قضاءٌ على الخزّان البشري الكوردي المقاتل في سوريا. ولذا نستطيع القول، بأن تركيا نجحت في استراتيجيتها وإدارتها للحروب والمعارك مع الحزب العمال الكوردستاني. أجل … ، لقد نجحت تركيا في إدارتها للصراع التركي – الكوردي، فنقلت كل حروبها ومعاركها وبكل تشعباتها من ذرى الجبال في شمال كوردستان ومن داخل تركيا إلى داخل الأراضي السورية ، حيث التنظيمات الراديكالية والدواعشة تنتظر الكورد هناك في سوريا بفارغ الصبر. لتكون سياسة ” ضرب عصفورين بحجر واحد ” وفلسفة ” فلّ الحديد بالحديد ” هي السائدة في الأخير . وأيضاً لخلق صراع قومي بين الكورد والعرب على تخوم الرقة في المستقبل . والمثال البارز هنا هو أن لتركيا سجلٌ حافل في هذا المنحى، والتاريخ شاهد على هذه المفصلية ، لقد سهّلت تركيا قدوم الآبوجية من الجبال ومن المعسكرات الجبلية وسمحت لهم بالذهاب عبر السهول والوديان والميادين من تركيا إلى سوريا. واستقلت عناصر الحزب العمال الكوردستاني الباصات والحافلات التركية وأمام أعين الجيش والمخابرات التركية والاعلام، وعبروا الحدود إلى كوباني وغيرها من المدن الكوردية في سوريا، وعلى الطرف الآخر ، تؤكد كل التقارير الاستخباراتية والإعلامية بأن تركيا سمحت وسهّلت عبور الراديكاليين والمتطرفين والإرهابيين أيضاً عبر أراضيها الى سوريا. هذا يعني بأن تركيا أدارت المعارك مع حزب العمال الكوردستاني بكل اتقان ومهارة.
– في الأخير يمكن لأحدٍ منّا أن يتسائل أيضاً: كيف سمحت تركيا بدخول هذه العناصر من حزب العمال الكوردستاني عبر أراضيها الى سوريا، وفي نفس الوقت تسمح لعناصر الدولة الاسلامية الإرهابية ” داعش ” أيضا بالعبور الى سوريا من داخل أراضيها .؟؟؟ فما هذه المفارقة … يا ترىٰ … ولماذا …؟؟؟ 
– لأن تركيا تعي وتعرف تماماً، بأنها قد أشعلت نيران حرب كبيرة، حرب الكباش والتناطح والذبح الكوردي الكبير ومعارك التصفية ومهالك الموت في سوريا. بعد إحصاء نقاطها في مونديال الذبح السوري الكبير .!
————
* (( معركة چالديران : هي معركة وقعت في 23 اوغسطس عام 1514 في موقع ” چالديران ” بين الدولة العثمانية والدولة الصفوية، وانتهت بانتصار العثمانيين )).!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…