ماجد ع محمد
في الملتقى الذي أقامه الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية في مدينة اسطنبول يوم السبت 28/1/2017 حول التحديات التي تواجه النازحين في الداخل والخارج، من أبرز ما لفت انتباهي من بين مداخلات مجموعة المشاركين في الملتقى، قول أحد الخبراء أن من بين السوريين الذين صاروا في الشتات قد لا يعود ما نسبته فقط 10 أو 15 % منهم، والملفت للنظر قوله: أنه حتى في الجوار السوري الذي يتوقع كثيرنا بأن يعود معظمهم إلى البلد قال الخبير بأن من بين من استقروا في تركيا قد لا يعود 50% منهم إلى سوريا حتى ولو توقفت الحرب، وذلك لاستقرارهم الاقتصادي فيه، إضافة إلى أن ويلات الحرب تسببت ليس فقط بالقتل والخراب والدمار، يضاف الى ذلك أن الصراعات الدموية قد تسببت بالمزيد من الشقاق والأحقاد التي ترسخت بين الناس والتي قد تدوم آثارها لسنوات طويلة.
وبناءً على ما قيل وما يعرفه ويعايشه بأنفسهم آلاف المهاجرين إن لم نقل مهجّرين، بإعتبار أن رغبة الوصول الى الفردوس الغربي كان يرواد معظم مَن نزحوا إليها حباً وليس كرهاً، إذن مادام أغلبهم حقق مراده بالوصول إلى مبتغاه سواءً أكان بعضهم فر من قصف النظام وميليشياته أو من يقول بأنهم هربوا من الجماعات الإرهابية كداعش ومَن ينغم لها، أو ذلك الكردي الذي يقول بأنه خرج بسبب تعرضه للمضايقات من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي، وطالما أن كل فئة حصلت على ما تريد فلماذا يا ترى إصرارهم على تأجيج نار الصراع بين من تبقى في البلد؟ وبما أن واحدهم أمّن عائلته وحياته ولم يعد يعنيه شي مما يتجرعه يومياً ذلك الذي لم يفارق البلد مع حرمانه اليومي من الأمان والسلام والطمأنينة، ومعاناته المريرة مع الكهرباء والماء والمواصلات والغذاء، وفوقها احتمالية تعرضه للقتل أو الاعتداء في أية لحظة من قبل جهة مسلحة ما لا على التعيين باعتبار أن الفوضى سيد الموقف في معظم مناطق سوريا، إذ أن كل هذه المصائب والمتاعب اليومية لا تكفيه حتى يأتي القابع في الجوار السوري أو في أوروبا تارةً يحرضه على هذه الطائفة، وتارة يؤجج الحقد فيه تجاه تلك الملة، رافضاً كل ما هو آخر في البلد، بينما هو نفسه ربما كان ممن يتغذى من فضلات الآخر في الغرب، ومع ذلك لا يكف عن بث الأحقاد وضخ ما تبقى من أوصال الوطن بالسخائم والشحناء، وفي هذا السياق أورد الأديب السوري خطيب بدلة منذ فترة قصة طريفة عن صديقٍ افتراضي له يدعى”براق الرسول الأعظم” وكان يظنه الأديب السوري من خلال التعليقات الفيسبوكية الحامية للأخير، أنه من مُبَايعي أمير الدولة الإسلامية في المنطقة الشمالية، وربما يُعِدُّ للنظام العلماني، المجوسي، النصيري، الكافر، ما يستطيعُ من القوة ورباط الخيل، وتخيله أكثر من مرة، مرابطاً في الخندق، حاملاً الرشاش البي كي سي بيد واللابتوبَ بالأخرى، باعتبار أن (براق الرسول الأعظم)، “لا يترك منشوراً إلا ويعلق عليه مؤيداً الأمير، مهاجماً العَلمانيين طالبي الدولة المدنية الديمقراطية”، ولكن فيما بعد تمكن الأديب السوري من خلال بعض معارفه التوصل لحقيقة أن الرجل يتنعم بمنجزات الدولة الديمقراطية التي يعارض قيامها في سوريا، وبأنه يعيش في تورنتو مع امرأته الكندية، منذ ربع قرن، حتى أنه لا ينوي المجيء إلى سورية بعد تحريرها من المجوس والنصيرية نعوته، لأنه وزوجتَه يشتغلان كل واحد منهم في دائرة، وأولاده مرتبطون أصلاً بالدراسة، وابنه الأكبر يُسَاكن إحدى زميلاته” والغريب في الأمر أن هنالك الآلاف من نسخة (براق الرسول الأعظم) من السوريين ممن يعيشون في مرابع أوروبا، ويتمرغون في رياض الغربيين متلذذين بمنتجات ثقافتهم، بينما لا يكف بعضهم عن بث سمومه اليومية عبر مقالاته أو منشوراته من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وكأن كل ما جرى للناس والبلد من الخراب والتهجير والدمار لم يشفي غله إنما بوده ألا يبقى خلفه حجر على حجر حتى يبلغ كامل نشوته في مرابعه الأوربية لكي يضمن بقاءه هناك إلى يوم الدين.
إذ في هذه الثورة التي تحولت مع الزمن الى حربٍ ضروس بين قوى الداخل، ومن ثم مجمل الميليشيات التي استقدمها نظام البعث من الخارج، إضافة الى الإرهابيين الذين تم جلبهم أو استيرادهم من كل بقاع العالم بناءً على طلب ورغبات دول المنطقة، وحيال الأمر والمصاب الجلل يبدو لي أننا كشعب مع نخبته السياسية والثقافية لم نستفد من كل ثورات وحروب القرن الماضي، إذ أن ما ورد في سياق سيكولوجيا الجماهير لغوستاف لوبون مر مع السوريين بحذافيره، بحيث أن تعابير وسلوكيات البشر إبان الثورة السورية هي نفسها التي تحدث عنها لوبون في كتابه بالرغم من الفارق الزمني والاختلاف التكنولوجي الهائل في المرحلة التي صاحبت الثورة السورية، وللمقاربة سنذكّر القراء ببعض ما جاء في كتاب لوبون عن خصائص الجماهير: “أنها لا تعرف غير العنف الحاد شعوراً، مقاد كلياً من اللاوعي، عبد للمحرضات، يتأثر بالشائعات واي اقتراح وينتشر بفعل العدوى، الجمهور محروم من أي تفكير نقدي، العواطف تجتاح الجماهير سواء أكانت شريرة أم طيبة وهلمجرا”، كما أن القارئ الذي لا تفارقه العقلية الإسقاطية بين ما يلاحظه واقعياً ويستشفه وما ذكره لوبون، يتصور بأن الرجل لم يكتب عمله ذاك قبل مئة عام إنما وكأنه جاء من صلب ما يتلمسه المرء من يوميات الثورة السورية، إذ أن ما جرى في ذلك الزمان حصل ويحصل نفس الشيء مع السوريين من ناحية إطلاق الشعارات الجوفاء والحض على الأمراض المجتمعية بدلاً من قبرها، كما أن القصة التي أوردها خطيب بدلة والمشاحنات والمناكفات اليومية على الفيس بوك بين مختلف أطياف المجتمع السوري وصنوف النشطاء السوريين تؤكد بأننا لم نغادر الفترة الزمنية التي كتب عنها لوبون، وفي هذا الصدد يلخص أمراض هؤلاء الكاتب جورج أورويل بقوله” كل دعاة الحروب وكل الصراخ والأكاذيب والكراهية والشعارات الحماسية والثورية تأتي من أناسٍ لا يحاربون”.