إرادة الخالق أم خطأ المخلوق.. الكرد مثالاً – الجزء الأخير

د. محمود عباس
وإن لم يكن كذلك، وخالق الإنسان هو كلي، فما هي غاية خلقه من العدم، وبهذا النقص والسلبيات والضعف، في مجالاته اللامتناهية، ومن ثم تجريمه لنواقصه التي لا قدرة له على التحكم بها؟ أو لماذا:
1- لا يقوم بتصحيح مسار ملل الأديان الضالة.
2- لا ينبه مخلوقه على نواقصه بين فترة وأخرى، وعلى سوية معارفهم، وعلى سوية تطورات كل مرحلة وبشكل مباشر.
3- لا يضع حد للحروب وقتل الأطفال والغزوات، وإن كانت بعضها، كما يقال في الأديان، في عصور أنبياءه، من ضروريات المرحلة، فهي ليست كذلك الأن.
4- يخلق وعلى مر العصور تفاوتات غريبة بين معيشة البشر، كالبون الشاسع ما بين اليابان وأفغانستان وشعوب الأمازون.
5- خلق الجنة والجهنم سلفا، وإن كان لا بد من خلق البشر، فهل يستحقون العيش الدائم في الطرفين، وهو القادر أن يخلقهم جميعا على خلق واحد، أشرار أو أخيار، أصحاب الجنة أو الجهنم.
6- يسمح لأشخاص يتحدثون باسمه ويكتبون عنه ولا يوقفهم عندما ينافقون. 
7- يحافظ على الأسئلة اللامتناهية التي يطلقها المخلوق لخالقه، ومنذ البدء، وستظل تتالى.
 ولربما بلغ البعض إلى حقيقة، وهي أن الأديان من صنع الإنسان لتقييم المجتمعات، وهي ثورات فكرية لا بد منها، مثلها مثل الثورات العلمية، فبدأ يقتنع بعد أن ثار على منطق النقل، بأن الإنسان على خلقين، روح ومادة، ولا بد للطرفين من غذاء، وتفعيل، لتستمر وتتطور البشرية، ولا بد من خلق رباط شعوري أو لا شعوري، أو علاقات خيالية بين الروح والغموض حيث الخوف من المجهول، أو اللاتعيين أو اللامعرفة، وهذه بوابة الرهبة، والرهبة هي من عناصر التي تحتاج إليها الروح لتستقيم، كالخوف من الظلام، فعندما يصبح كل شيء مضاء تزول الرهبة، أي عندما تكتمل المعرفة. فالإنسان يواجه الأخطار بتخطيط، وإن كانت الأخطاء في النور أكثر منها في الظلام. 
8- ما دام البشر يغرقون في الأخطاء، وفيهم كل هذه النواقص الجسدية والفكرية، ويشكون أن خالقهم ناقص، لم يستطع خلقهم بالشكل الكامل. 
وهذه ترجح المفاهيم التي تذكر أن الإنسان من صنع المخلوق وليس الخالق، وهو المخلوق المتطور بطفرات، بالنسبة لتكويننا كبشر، والبشرية بواقعها الناقص هذه، تظل سائرة في حكمة المخلوق، وهو بذاته قد يكون تحت ظل مخلوق أعلى، والخالق الكلي خارج هذه الجدلية الإنسانية، التي تفسرها الأديان، والأديان ومفاهيمها بوجود الصراع، تبقى معارفها ناقصة وكذلك تأويلاتها وتحليلاتها، مثل نقص العلوم المعرفية المادية، كالرياضيات والفيزياء والكيمياء وغيرها، ولا بد لها أن تتطور لتواكب تتطور المعارف المادية، ولا شك النسبية في الجانبين لها موضعها، إلا أن مواكبة الأديان وليست الروحانيات في العالم، بطيئة أو جامدة مقارنة مع تطور الوعي والتراكم المعرفي، إلى درجة توصيفها بالمطلق الذي خلفه الخالق. فقضية التكلم مع الخالق، وأبن الخالق، وآخر أنبياء الخالق، ملغية، أو لربما يحتاج البشر إلى تأثيرات جديدة فكرية منه، لتتلاءم مفاهيم الأديان مع مفاهيم المراحل الحضارية أو الثقافات الروحية والمادية الجديدة، ومواكبة العصر الجاري.
9- رغم التراكمات المعرفية الجديدة والطفرات التكنلوجية العصرية، لا يلغي الشرور المبنية على الثقافات الدينية الماضية، والسائدة على سوية تراكمات معرفية ضحلة غارقة في الجهالة والتوحش، ولا تشذبها لحاضرنا، وتعدل من الروحانيات أو الأديان المبنية على الضحالة المعرفية، والتي لم تعد تتلاءم والعصر، ولا الفكر الجاري، ولا التراكم المعرفي، المادي وعصر التكنلوجيا.
10- سمح بالتطور المتسارع في الاختراعات ووفي كل المجالات المادية، لتتجاوز التطور الفكري الروحي أو على الأقل المفاهيم الدينية، خاصة وأن الإنسان بحد ذاته وفي العقود الأخيرة أصبح خالقاً، وهي مرحلة تقترب من المرحلة التي خلق فيها المخلوق الأعلى الإنسان، لغاية ما، والتحكم بمسيرته قدر المستطاع إلى أن خرج من سيطرته.
 الإنسان أمام مراحل لتكوين مخلوقه، ليصبح هو بذاته الخالق، ويطوره لينقله من مرحلة المخلوق الضعيف المادي إلى مخلوق يحمل خواص قد يتحكم مستقبلاً بذاته وله شعور، وإعطاء مفهوم مغاير عن المجهول، وهو ما نود أن نذكر بها الشعب الكردي، بأنه قابل ليكون الخالق وفي المراحل القادمة على ولادة مخلوق جديد يعكس أجنداته، ومطامحه، ويسير به في الدروب الصحيحة لبلوغ غايته.
   ولربما خلق الخالق الإنسان على متكاملتين، وليست متناقضتين، المادة والروح، لأنه بدون الروحانية والأديان، والرهبة من المجهول لن يحفز الفكر ليبلغ غايته الدنيوية، ولولا القناعة بالمجهول، وعن طريق منطق النقل لا العقل، كجزء من الإيمان بالخالق، بأنه كلي القدرة، لن يقتنع الإنسان بأن الخالق في حالة ما سيظهر له مساعدته.
   ورغم هذا المجهول المرعب، والمرافق للتخلف بين بعض المجتمعات، مقارنة بمجريات التطورات الحضارية في جغرافيات، غير مجدية، لذلك يحتاج الإنسان، للإيمان بمجهول الأديان، إلى تطور في مفاهيمها، بحيث تتلاءم والتراكمات المعرفية، والتطور التكنلوجي. وباستخدام نفس الإمكانيات يمكننا ككرد إزالة هيبة المجهول بيننا وتحرير حركتنا من إملاءات المقتدر الخالق، فعندما نركز على تراكماتنا المعرفية ونصل إلى استنتاج وإقناع الذات أن المقتدر في محيطه لا يشبه الخالق اللامرئي في الطقوس الدينية، ونقتنع بأنه ملموس وهو ليس بكلي القدرة، حينها سيكون من السهل تجاوز إرادته، والخروج من سطوته، وعند معرفة الذات سنرى ذاتنا ككرد بأننا نملك من الإمكانيات التي قد نبلغ بها مكانة نفرض فيها ذاتنا على المهيمن السابق. 
 والجمود الجاري في الأديان، يؤدي إلى ثورات الإنسان عليها، ومن أحضانها، وهي مواجهة غير مباشرة لخالقه، لتقويض منطق النقل، وتحكيم العقل، والتي قد يواجهها الإنسان ذاته مثلها يوما ما مع مخلوقه، والخطأ في كل المراحل، وفي معظم النواقص، يرجح بأنه من الخالق وليس من المخلوق. إلا أنها حالة نسبية بالنسبة لنا ككرد ولخالق أجزاء من حركتنا أو المقتدر على مصير شعبنا، لأننا وفي وجود خالق بشري مثلنا، يملك من الإمكانيات ما يجعله مهيمنا، لا يعني أنه كلي القدرة، وخارج مجالات الانتصار عليه، فكرا وقوة، ولا نستبعد أننا نحن الكرد على أبواب احتماليات ثورة ثقافية-سياسية على جمود المفاهيم، وتغيير جذري في حركتنا والتي حاصروا بها شعبنا. ونحن على أمل بقادم ساطع، ليس للخالق المستبد ومخلوقاته دور، وسيكون خالقنا منا ومن إرادتنا، وسيأتي اليوم الذي سنتحمل فيه تبعات أخطائنا كخالق ومخلوق.
الولايات المتحدة الأمريكية
 MAMOKURDA@GMAIL.COM
5/11/2016م

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…