خداع القادة الإعلامي

بهار مرعي
لفت انتباهي تصريحات بعض القادة والرؤساء ممن تعاني بلدانهم من الأزمات أو الثورات ضد أنظمتهم عندما يظهرون على وسائل الإعلام ، وكأن شيئا لم يكن .
فالتضليل الإعلامي يلعب دورا بارزا أثناء ظهورهم على الشاشة ، وهذا ما نجده في التسجيلات المسبقة التي أصبحت هينة لدرجة تجعل المشاهد يقع في المتاهة الإعلامية.
إليكم بعضا من الحقائق التي أوقعت المشاهد في التباسات وتساؤلات عديدة :
ظهور الرئيس العراقي السابق صدام حسين في تسجيل فيديو وهو واقف بين مجموعة من جنوده في منطقة محاصرة من قبل القوات الأمريكية ، يؤكد عدم صحة تاريخ الفيديو ، ويثير العديد من التساؤلات والشكوك حول مصداقية الإعلام ، والتي يحاول الإعلام من خلالها تقوية الروح المعنوية للجنود المقاتلين في المواجهات المباشرة مع الطرف الآخر ، أو قد يكون تكتيكا يحاول من خلاله النظام الحاكم الحفاظ على ماء الوجه أمام المواطنين ( المؤيدين للنظام الحاكم ) والذين أصبحوا على حافة الهاوية من غياب الثقة بينهم وبين الحاكم .
فهل يسلم الحاكم نفسه بتلك السهولة ؟
من يسلم بذلك فإن الأمثلة المتعددة تشير إلى عدم إمكانية النظام الديكتاتوري الوصول إلى حقيقة التخلي عن المنصب بتلك البساطة ، فهو دائما على أمل للبقاء في السلطة ، أو الحفاظ على حياته على أقل تقدير .
معمر القذافي زعيم الثورة الليبية كما يدعي ، في مقابلة صحفية مع قناة روسيا اليوم قبل سقوطه ببضعة أيام يؤكد أنه :
“واثق من النصر” ومتأكد من “عودة المغرر بهم الى بيت الطاعة” وأن “الغرب سيندم على الحملة العسكرية لحلف الناتو”.
وقال “هاهم الآن يبعثون لي برسائل غير مباشرة يريدون مني ان أصفح عنهم وان تعود المياه الى مجاريها”. 
القذافي لا يؤمن بنظرية المؤامرة. وكان يرى أن من انشق عن نظامه وقع ضحية التضليل الاعلامي “حقهم .. اذا القنوات تبث صورا كاذبة تزعم انني أقصف الأحياء السكنية بالطائرات”. ونفى ان يكون قد قتل أحدا “ظلما”. وتوقع “نهاية قريبة للحصار الجوي”. 
وبإصرار أعمى، أكد ان نموذج “الجماهيرية” سيعم كل دول المنطقة وحمل على الجامعة العربية “الحمد لله أنها انتهت” . وقال إنه سيكافئ روسيا والصين والهند على مواقفهم في مجلس الامن “أبواب ليبيا مفتوحة أمامهم” 
وظهر كما ظهر قبله الرئيس العراقي صدام حسين بين مجموعة من الجنود على الشاشة الصغيرة بالرغم من المعارك التي تكاد تصطاد حتى العصافير ، ولكن الحقيقة لم تكن كذلك ، فقد سجل هؤلاء العشرات من المقاطع والمشاهد قبل احتدام المعارك في بلادهم ، وتم بثها فيما بعد ، أي قبل سقوطهم بعدة أيام ، ولم يكن ذلك سوى تضليل للحقائق ، أو ما يسمى بالفبركة الاعلامية .
وما يثير الدهشة أيضا ، ظهور الرئيس السوري بشار الأسد بعد توارد الأنباء عن تدهور حالته الصحية ، على الشاشة الصغيرة وهو بحالة صحية جيدة .
والسؤال الذي يطرح نفسه : هل من الممكن أن تكون هناك تسجيلات فيديو سابقة للأسد يشير فيها إلى تكذيب كل ما أشيع عنه ؟ مع العلم أنه لم يتطرق بشكل مباشر إلى حالته المرضية التي أشيعت عنه .
لذلك يبقى الأمر معلقا للخبير والمحلل والناقد الإعلامي الذي قد يكتشف مدى صحة التوقيت الذي ظهر فيه على الشاشة . 
حتى لو أشار الرئيس أو الحاكم إلى حالته الصحية تماما ، فإنه قد يلعب على التوقع ، أي أنه على علم بجميع المشاكل الصحية التي يعاني منها ، فيتوقع أن تتدهور حالته الصحية فيما بعد ، لذلك يقوم بتسجيل فيديوهات حول الحالات التي يعاني منها سابقا ليتم بثها في الوقت والزمان المناسبين ، أي بعد تدهور حالته الصحية بالفعل ، ليوهم المشاهد وخاصة المؤيدين منهم أنه بحالة صحية جيدة أولا ، وليتم بها تكذيب الأنباء الواردة من الأطراف المضادة ثانيا .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…