الإعلان الدولي المفاجئ بكردستان موحدة

 ابراهيم محمود 
” فيلم فانتازتيكي غير معروض بعد رسمياً “
في الهزيع الأخير من الليل، ترددت أصوات في طول كردستان وعرضها، وبكل اللهجات الكردية، ولغات الأنظمة التي تقاسمتها، على أن كردستان أصبحت محرَّرة، واحدة موحَّدة بحدودها، وبإرادة دولية مقرَّرة، كما تقرّر تقسيمها قبل قرن.
استشعر الكرد الغارقين في نومهم ذعراً، حيث تداخلت الأصوات وموسيقى ” أي رقيب “. وحدهم السياسيون كانوا يتابعون كل ما يجري، فهم بطبيعتهم لا ينامون، وإن نام أحدهم، فثمة عين تبقى مفتَّحة دائماً. لقد كانوا أول ما انتبهوا إلى حدث لم يعلَموا به، سوى أن الذي اعتادوه دفع بهم في الحال إلى لم شملهم الحزبي، والتداعي إلى عقْد اجتماع طارىء خاص بكل حزب، للوقوف على حقيقة الجاري، وما يتخوف منه كل حزب، مصيراً وموقعاً إزاء سواه.
لم تخرج الأحزاب الكردية في جملتها إلى الشارع، خلاف الناس العاديين وبسطائهم الذين اندفعوا كالسيل العرمرم وهم ينتقلون من شارع إلى آخر، مرددين على وقع الموسيقى القومية الكردية ” أي رقيب “. وكان ذلك مبلغ مخاوف تترى لساسة الأحزاب، ومن خلال نقلة أخبار الشارع، إذ كيف يحدث هذا؟ أين هيبة الحزب، قوته، وعوده، والناس يملأون الشوارع؟
سوى أن الخوف الأكبر، هو ما تم تداوله على وجه السرعة ضمن ” غرفة عمليات ” الحزب الخاصة، الخوف الذي يعيشه كل حزب: خوف على المكان، على المنصب الذي يحرص عليه مسبقاً.
من بين الأسئلة التي تكررت في غرفة عمليات كل حزب، وحتى الذين ينتمون إليه، وهم موزعون في أمكنة أخرى خارج ” البلاد “:
كيف حدث ذلك، دون استشارة منا؟ هل هناك من تم إعلامه ليكون استثناء؟ من هو المتقدم على الآخرين ؟
أسئلة تكررت، وأجوبة مختلفة، انصبّت على هذا التحول النوعي والذي أعلِن فيه بقرار دولي عن أن كردستان كغيرها من مناطق العالم، أصبحت في مقام دولة، ولها حدودها، وعلمها، وبإرادة دولية لا تُرد.
لم يتحمس أولو أمر هذا الحزب الكردي أو ذاك، لهتافات الجماهير الكردي العفوية، وهي تملأ الشوارع، وترفع المشاعل، وعلماً كردياً واحداً، كان مثار رعبه، بقدر ما كان السؤال الثقيل الوطء: ما العمل؟ كان التوتر من الجاري، والتحفز صوب المطلوب القيام به .
لم تعتد الأحزاب الكردية في مجملها رؤية الناس وهم يندفعون في هذا الاتجاه أو ذاك، ودون انتظار أي قرار حزبي، وقد وضِعت في موقف محرج جداً، هل عليها أن تنخرط في النهر الجماهيري، أم تبقى حبيسة غرف عملياتها ؟ وهنا، أي مصير مفجع ينتظرها مجتمعة ؟
ثمة خطاطة تملّكت عليهم أذهانهم في المجمل:
تلك مؤامرة على إرادة الشعب، على مصيره، وقد اعتاد الكرد مثل هذه المؤامرات الامبريالية والاستعمارية على امتداد التاريخ، وفي العصر الحديث أكثر، وأساس المؤامرة، هو في كون الذين قرّروا منح كردستان استقلالها وحقها في إدارة مصيرها ذاتياً، تجاهلوا ممثلي الشعب الكردي: أحزابه، وبطريقتهم تلك، ضاعفوا من وطأة مؤامرتهم على الشعب الكردي، وأولو أمر الأحزاب يشددون على نقطة جامعة بينهم جميعاً: ثمة من يدير اللعبة المؤامراتية، إذ يستحيل وجود شعب يستطيع التحكم بمصيره وقيادته دون أحزاب.
في لحظة صادمة للذين كانوا يملأون شوارع كردستان، ريفها، مدنها، تردد صدى كلمة شقت صفوفها، وعبر لافتات مرفوعة عالياً، تحمل الكلمة ذاتها وبخط عريض: مؤامرة، مؤامرة، مؤامرة !
تبلبل الناس المندفعون أولئك، تصادموا فيما بينهم، لم يحسنوا التقدم إلى جهة معينة، والخوف من المستجد واجههم ببعضهم بعضاً.
من كانوا في غرفهم العملياتية الخاصة من أولي أمر الأحزاب الكردية، تنفسوا الصعداء، وهم يرددون مبتهجين:
الآن في وسعنا النزول، الآن في وسعنا التحرك !
دهوك، في 27-1-2017 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

أكد الرئيس مسعود بارزاني ، أن إقليم كوردستان قد حقق فخرا كبيرا بوصوله إلى مرحلة انتخاب نظام حكمه، معتبرا ذلك انتصارا ومنجزا عظيمين.

وقال بارزاني في كلمة له خلال مهرجان انتخابي ضخم في مدينة أربيل اليوم الثلاثاء ، إلى أن الانتخابات كانت مقررة قبل عامين، إلا أن بعض الأطراف وضعت عراقيل أمام العملية، مما أدى إلى…

شوان زنكَنة

قدّم حزبُ العدالة والتنمية مشروعَ قانون من 12 مادة، يتضمن تعديلاتٍ في قانون أصول الضرائب، تهدف إلى رفع حجم واردات صندوق الصناعات العسكرية، وبموجب هذه التعديلات، تمَّ فرضُ ضرائب على بطاقات الائتمان، ومعاملات كُتّاب العدل، ومعاملات الطابو، وكافة ضرائب الختم، وتهدف الحكومةُ من هذه التعديلات استحصالَ ضرائب مقدارها حوالي 80 مليار ليرة سنويا.. وسيتمّ العملُ بهذه…

صبحي ساله يي

إستناداً إلى المعطيات السياسية الحالية في إقليم كوردستان، يمكن القول أن العلاقات بين الأحزاب والقوى السياسية الكوردستانية مرّت بتغيرات كبيرة ومحطات عديدة، والخلافات الحادة التي تراها اليوم لم تبدأ مع بداية الحملة الإنتخابية لبرلمان كوردستان، ولن تنتهي يوم الإقتراع أو بعد إعلان نتائج الانتخابات أو حتى رؤية المخرجات النهائية للعملية الانتخابية وتشكيل حكومة…

دلدار بدرخان

حتى الأمس القريب كانت كتاباتي تركز على القضية الكوردية في سوريا بشكل عام دون أن أخصصها لمنطقة معينة، لكنني أدركت مؤخراً أن عفرين تمر بمرحلة مصيرية تهدد وجودها، فكان من الطبيعي أن أجعلها أولوية لدي ، وعندما فعلت ذلك لم يتردد البعض في اتهامي بإثارة النزعة المناطقية، وكأن تسليط الضوء على معاناة عفرين وشعبها…