السياسة وأهمية وعي المرحلة..!

دهام حسن
على أي سياسي أن يدرك أن تطور المجتمعات البشرية عملية طبيعية، وأن أشكال النضال السياسي لابد لها أن تلائم وتواكب هذا التطور، أيْ أن أشكال النضال في تغيّر وتطوّر من حال إلى حال، وهذا يقتضي بالتالي رفع الشعار المناسب للمرحلة، فعلى الحركة السياسية الكردية أن تدرك هذه الحقيقة، وأن تعي بالتالي ما هو الشعار المناسب في هذه المرحلة أو تلك، فرفع أيّ شعار يقتضي قراءة الواقع الراهن، واستيعابه، ثم الخروج بمواقف مواكبة للحالة المعيشة، حيث تكمن صحة الشعارات على مدى ملاءمتها للواقع الحي الذي نواكبه، فلا بد هنا من أخذ الظروف الذاتية والموضوعية بالحسبان، كما أن ذلك يستدعي دراسة أشكال النضال السياسي، وبالتالي اختيار الشكل المناسب والصحيح على ضوء الو قع والمستجدات، فالواقع هو الذي يرشدك إلى هذا الشكل أو ذاك من أشكال النضال، وهذا يقتضي من واحدنا أخذ الظروف بالحسبان، وأي تجاوز لهذا إنما ينمّ عن جهل وركض إلى أمام دون تبيّن السبيل الذي نجتازه، إذ لابد من اختيار أشكال النضال التي تقتضيها المرحلة…
أما المثقف فعليه بهذه الحال ألا يتخلف، أو يتقاعس عن الإشارة إلى الموقف السليم الصحيح، وإذا ما أخطأ المناضلون السياسيون بتقديره، ينبغي عليه أن يرشدهم للخط السليم، فلا يؤخذ بصيحات الثائرين دون تمعّن، وإرشاده يدخل في إطار النصح لا أن يعنفهم بالكلام القاسي والتوبيخ، ينقل لنا لينين عن ماركس قوله للذين عزموا للقيام بالثورة (كومونة باريس 1871) من (أنها ستكون ضربا من الجنون) أي بمعنى آخر لم يكن مقتنعا بحلول أوانها، لكن لما قامت الثورة أشاد ماركس ببطولة العمال وشجاعتهم وتفانيهم قال فيهم: (الجريئون حتى الجنون … المستعدون لمهاجمة السماء) رغم انتهائها بالإخفاق..!  
إن أخذ الظروف الذاتية والموضوعية بالحسبان من قبل أية حركة أي حزب، والموقف من أخطائه، والسعي الجاد لتصحيح مساره، هو دليل على جديّة الحزب، وإن برزت أشكال من الخلافات الفكرية، حتى لو أفضت إلى صراع ما، هذا يعني جدية الحزب، والتأثير المتبادل، فإن حسنت النوايا فسوف يؤدي هذا إلى التئام الرؤى الفكرية، فالصد المتبادل سوف يؤدي إلى التأثير المتبادل لدى المناضلين المخلصين، وبالتالي تجديد الذات في ضوء الأفكار الجامعة..
تصور أننا ما زلنا نعيش في واقع مغرق في التخلف والرجعية، ما زلنا بعيدين عن الإقرار بحقوق الإنسان، الإقرار بحقوق الأقليات، بحقوق القوميات، بالديمقراطية.. من هنا وفي هذا الواقع المزري يتوضح لنا أهمية الجبهة الثقافية كميدان، لكن ما يؤسف له كيف تنجلي السمة الخضوعية في الثقافة السياسية لدى المثقفين من جانب، ونفور السياسيين من المثقفين من جانب آخر، فتحول الحالة بالتالي دون تعاونهم، فالواقع الاجتماعي المتخلف، أولد لدينا أحزابا كرتونية كرموز للحالة الاجتماعية السياسية، فهذا التوالد غير الشرعي لما يسمى بالأحزاب، هو انعكاس للواقع الاجتماعي والطبقي المتخلف، وإذا ما أردنا تغيير الأحزاب إلى حالة أفضل، إلى حالة منتجة، وتغيير الإنسان على ما هو عليه من أفكار، فهذا لا يتحقق إلا بتغيير الأنظمة السياسية والاقتصادية، والنمط المؤسساتي في الإدارة ،وبالتالي تغيير الواقع الاجتماعي الطبقي تغيير بنية الدولة، لأن هكذا واقع أولد هذا الكم من الأحزاب..
واليوم – على غير العادة – فوجئت بخبر سار، وكنت شاهدا على الحدث، وهو توحد ثلاثة أحزاب كوردية تحت مسمى (حزب آزادي الكوردستاني الموحد).. فهل ستكون هذه الخطوة الجريئة والمباركة حافزا لأحزاب أخرى من التلاقي والتوحد، أم أن السكرتير لن يفرّط  لما يدرّ له الموقع من مكاسب مهما كان قزما صغيرا، أم أني أحلم عندما أحسن الظن بهؤلاء.. والأيام بيننا لتكون هي الفصل والحلم..!

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

في اليوم الثاني من انتفاضة الشعب الكرديّ 12/3/2004م، ذلك اليوم الذي توحّدت فيها قواعد الأحزاب الكردية والمستقلين وجميع فئات الشعب الكردي ضدّ الظلم والعبودية، والتي انطلقت من ملعب قامشلي لكرة القدم بين فريقي الفتوّة والجهاد، وذهب ضحيتها بعض الشباب الكرد.. في ذلك اليوم 13/3/2004م قررت الجماهير الكردية مع أحزابها السياسية تشييع شهدائهم في مقبرة (قدور بك) بحشدٍ غفيرٍ، حيث تجمّعت…

د. محمود عباس تأملات في الزمن والموت ومأساة الوعي الإنساني. لا شيء يُجبر الإنسان على النظر في عيون الفناء، كما تفعل لحظة نادرة نقف فيها على تخوم الذات، لا لنحدّق إلى الغد الذي لا نعرفه، بل لننقّب فيما تبقى من الأمس الذي لم نفهمه. لحظة صمت داخلي، تتكثّف فيها كل تجاربنا، وتتحوّل فيها الحياة من سلسلة أيام إلى…

مروان سليمان من أهم القضايا الشائكة في المجتمعات الشرقية هو التطرف العنيف الذي يعمل بها أناس ليل نهار من أجل شق وحدة الصف و أنقسامات داخل المجتمع و إنعدام حقوق الإنسان و من هنا كان لزاماً على الطبقات المثقفة و التي تحمل هموم شعوبها أن تعمل من أجل الحوارات المجتمعية و تقديم المبادرات السلمية و تحافظ على حقوق…

بوتان زيباري   في دهاليز السلطة، حيث تتهامس الأقدار وتتصارع الإرادات، تُحاك خيوط اللعبة السياسية ببراعة الحكّاء الذي يعيد سرد المأساة ذاتها بلغة جديدة. تُشبه تركيا اليوم مسرحًا تراجيديًا تُعاد كتابة فصوله بأقلام القوة الغاشمة، حيث تُختزل الديمقراطية إلى مجرد ظلٍّ يلوح في خطابٍ مُزيّف، بينما تُحضَر في الخفاء عُدّة القمع بأدواتٍ قانونيةٍ مُتقَنة. إنها سردية قديمة جديدة، تتناسخ…