بقلم: عنايت ديكو
– ورقة الجوكر الحميدية.!
ما جاء على لسان السيد ” حميد حاج درويش” من حوارات وتصريحات وخاصة المقابلات الأخيرة منها، وقيامه بتقديم الاعذار والاعتذار هنا وهناك وعلى العلن، يُعتبر ترجمة صريحة للحالة التي تعيشها الحركة الكوردية برمتها، من شرذمة وتناقضات وعدم الوضوح في الرؤى والاستراتيجيا. وهذا ما شاهدناه بالضبط في ظهوره الاعلامي الأخير على قناة “رووداو “. وممارسته لسياسة التوسل وطلب العفو والمغفرة، وقوله بأن الكورد قد أخطأوا في رؤيتهم السياسية، ومن الأفضل لهم الرجوع مرّة أخرى إلى كنف وبيت الطاعة البعثية.
– فوَصْفُ نيرون العصر وطاغية دمشق، الديكتاتور بشار الاسد بـ ” السيد الرئيس”، وتصوير الكورد وحراكهم السياسي بهذا الشكل وكأنهم مذنبون و … و … وإلخ … من مواقفٍ وتصريحات، قد لا تخدم القضية الكوردية بشيء، لا على الصعيد التكتيكي ولا الاستراتيجي. لأن نظام البعث مهما امتلك من أدوات وقوة ؟ فهو يعيش خارج التاريخ. وعلى ضوء هذا يرى الكثيرين من الشارع الكوردي ، بأن هذه الممارسات من قبل السيد ” حميد حاج دوريش” هي سياسة إنبطاحية، انهزامية وتقزيمية لقضية شعبنا الكوردي في سوريا وتضحياته وشهدائه. ويقال أيضاً بأن هذه السياسات والتصريحات تتماشى في حالةٍ انسجامية جنباً إلى جنب، مع المحور الإقليمي الذي يبدأ من دمشق إلى الحسكة، ومنها الى قنديل، ثم السليمانية، فبغداد ومنها إلى طهران.
– أجل … هذه المواقف والتصريحات تعكس حالة التنافر والتباعد القومي والسياسي العميق في المشهد الكوردي السوري وتعكس أيضاً دور المخابرات البعثية في تعميق حالة الانقسام السياسي بين أطراف الحركة الكوردية. فبغض النظر عن سلحفاتية العمل النضالي لهذه الأحزاب الكوردية، وانعدام الديناميات الكامنة من فكرٍ وسياسة وثقافة وفرزٍ سليم في جسم الحركة الكوردية السورية، إلا أن المهمات المنوطة لبعض هذه الأحزاب من الحركة الكوردية تؤهلها للعب أدوارٍ مفصلية وحساسة، متداخلة ومتشابكة ومتشعبة مع الكثير من القضايا والتقاطعات الداخلية والخارجية.
فمنذ انطلاقة الثورة السورية نرى ضبابية هائلة وكثيفة في مواقف ورؤى وسياسات السيد “حميد حاج درويش” وحزبه العرمرم. فالسيد “درويش” هو نفسه، مَنْ ساهم وقام بتأسيس الـ ” ENKS ” المجلس الوطني الكوردي ، ليقطع الطريق أمام المحاولات والأصوات التي كانت تعلو وتنادي وتطرح مفهوم كوردستانية العمل السياسي داخل سوريا، وحاول أيضاً مسك العصا من الوسط في بداية الثورة، وطرحَ نفسهُ كعرّابٍ في المعادلات السياسية لقطع وسد الطريق أمام الشارع الكوردي الثائر والملتهب ضد النظام وفرملة المحاولات والاجتماعات والتنسيقيات الشبابية والتحالفات الكوردية – الكوردية الجديدة والتي كانت قد بدأت تظهر على السطح وتطرح نفسها بقوة، والقضاء على الديناميات الشبابية الفاعلة داخل المجتمع الكوردي.
فالسيد ” حميد حاج دوريش ” له دائماً سياسة “نصف الموقف” ولا يتخلى عن نهجه السلمي الاستسلامي، فكلما صعَّدٓ الصقور داخل الحركة الكوردية السورية وبشكلٍ عام من نبرتهم وبرامجهم السياسية ورفعوا سقف مطالبهم القومية مثلاً، شاهدنا فقاعة “حميدية” وموقفاً تخاذلياً وانبطاحياً ومفرملاً لتلك المطاليب والمواقف من طرف الحزب الديمقراطي التقدمي الكوردي. وهذه بحد ذاتها سياسة مستترة، يجب الوقوف عليها وعلى تفاصيلها.
– فهذه المواقف الاعتذارية الترددية من رأس الهرم في الحزب الديمقراطي التقدمي، هي تعبيرٌ عن الصدى الحقيقي للمخططات والمشاريع المرسومة للكورد في سوريا، وتعكس أيضاً الإشكاليات والتنافضات البينية والكبيرة في جسد الحركة الكوردية السورية. فكلما انشطرت وتباعدت المواقف بين المجلسين الكبيرين ( DEV DEM .. و.. ENKS ) مثلاً .؟ كلما شاهدنا صعوداً وتبايناً واضحاً في بروز هذا التيار الكلاسيكي المتخاذل في ميدان السياسة الكوردية في سوريا، وظهر على المسرح والى العلن من جديد، ومحاولته إمساك العصا من الوسط للتأثير على كلا الطرفين.
فالتاريخ يقول لنا بأن السيد ” حميد حاج دوريش ” هو أول مَنْ روَّجَ لكلمة الكوردي وأدخلها في قواميس السياسة الكوردية السورية عوضاً عن الكوردستاني، وهو أول مَنْ وقف بحزم ضد التأطير السياسي لكوردستانية الأهداف في سوريا، من حق التقرير المصير والفيدرالية وغيرها من الحقوق القومية للكورد. فمن حق المتابع هنا أن يسأل الأستاذ ” حميد حاج دوريش ” وحزبه ومؤيديه وقهرمانيه.
فالشعب الكوردي في سوريا موزّعٌ في غالبيته بين المجلسين، وعلى طرفٍ آخر، هناك جماعة التحالف الوطني الكوردي أيضاً، وأنتم تطالبون ليل نهار بوحدة الصف الكوردي، فلماذا لا تنضمون إلى مجلسٍ من هذه المجالس الموجودة على الساحة الكوردية؟ سواء … إلى حكمدارية الـ TEV DEM … أو الـ ENKS أو التحالف الوطني الكوردي …؟؟ إن كنتم صادقين في سياساتكم وطروحاتكم ومحاولاتكم في وحدة الصف الكوردي كما تدّعون وتروّجون له؟
فالمُشاهد الكوردي، يرى هناك مغازلة قوية ومدروسة ومحبوكة، و باتقانٍ عال المستوى بين الفرقاء واللاعبين، وتظهر في الأفق ترتيبات خاصة، وتدفع بالمُشاهد الكوردي الى السؤال والتسائل، خاصة قبل الذهاب الى مخفر “الآستانة ” في كازاخستان. وإلا …؟ فما سرّ هذه المواقف الأخيرة التي صدرت من السيد حميد حاج دوريش؟. فهذه المواقف والتصريحات تعكس مطالب النظام البعثي، وما يريده هذا النظام من الكورد في سوريا بالضبط، ومحاولته ترويض ما تبقى من السرب، والإمساك به، ووضعه في القفص من جديد!
– السيد “حميد حاج دوريش” وعبر تصريحاته الخلبية هذه وقنابله الصوتية، قد اختزل القضية الكوردية في سوريا من قضية أرضٍ وشعب، قضية، يجب أن تُناقش مع أعلى المستويات في داخل سوريا وخارجها، إلى قضيةٍ تحكمها الآداب والأخلاق العشائرية والولائم والعزائم وأكل المحاشي و اليبرق مع محافظ الحسكة .! وهذا ما يريده النظام عبر وكلائه في السليمانية وقنديل بالضبط.
– ومن طرفٍ آخر، فالنظام البعثي السوري لا يثق بحلفائه وأصدقائه الداخليين أبداً من جماعة الـ PYD وغيرهم. لذا نرى أن الورقة الحميدية ” الجوكر” تبقى مرفوعة دائماً في وجههم، وفاعلة على كل الطاولات، وستُستخدم في شتى الطقوس والأحوال والظروف في المستقبل. وعطفاً على ما سبق، يظهر أن الحوارات العسيرة التي دارت وتدور بين النظام البعثي وحزب الـ PYD ، هي التي رفعت من أسهم ودور وورقة الحزب الديمقراطي التقدمي الكوردي، وتدفعه إلى تبني هذه السياسات والتصريحات، في محاولة لدفع جماعة الـ PYD إلى تقديم المزيد من التنازلات للنظام البعثي. أي بمعنى آخر، أن النظام يستخدم أوراقه واحدة تلو الأخرى وبكل أريحية، وهذه المرّة ورقة ” الجوكر الحميدية ” في حواراته مع الاتحاد الديمقراطي. لنصل بالقضية الكوردية في نهاية المطاف وعلى أيدي هؤلاء النشامىٰ من قضية سياسية قومية، إلى قضية المواطنة والمختارية والجنسية وتعبيد الطرقات وتمديد الشبكات الكهربائية الى القرىٰ النائية، والترحيب بالنظام السوري وبمؤسساته الأمنية وعودتها الى المنطقة الكوردية من جديد. فالاعتذار والاقرار بالأخطاء على حد زعم السيد “درويش” وتقديم أوراق الطاعة، والاعتماد والتسليم والاستسلام للنظام ووصف الديكتاتور بـ “سيادة الرئيس”؟ هذه بحد ذاتها جريمة أخلاقية بحق الكورد قبل العرب والقوميات الأخرى في سوريا.
– وأخيراً: فالانكسارات والتخبطات والأنفاق المعتمة التي دخلتها الثورة السورية، هي التي ساهمت في بروز مثل هذه المواقف والسياسات التخاذلية والانبطاحية والاستسلامية، ليس على صعيد الكوردي فحسب، بل حتى عند جيراننا العرب وسياسييهم وحركاتهم التنظيمية أيضا.