عندما تستيقظ الأحقاد المتوحشة والمظلمة !

اكرم حسين
1-
يرفض بعض الأشخاص مواجهة الحقائق غير المسرّة، ويرغبون في اكتساب الشعبية باستخدامهم لبعض الكلمات الكهنوتية الغامضة، والسير وراء العواطف المهووسة والمتعصبة، ويلوّنون كلماتهم بقشرة قومية وديمقراطية – دون أن يكونوا كذلك – كي يضمنوا بقائهم في وجه منافسيهم ومنتقديهم، ويستمروا بعملهم كموظفين حزبيين، ومصدر للدخل أو وسيلة للعيش، بسبب فشلهم وعدم إجادتهم لأيّ أعمال مهنية أخرى تحتاج إلى قدر من الذكاء والمعرفة ، وبالتالي يصبح جلّ همّهم دغدغة عواطف القاعدة، والابتعاد عن عقولهم لكسب ودّهم وتعاطفهم -لأنهم لا يملكون أي فلسفة سياسية أو قومية – قبل المؤتمرات والمحطات الحزبية، واستعمال –هذه القاعدة- كمطيّة ركوب للبقاء في مناصبهم، إن لم تكن لغايات شخصية ومصلحية! 
2-
ما يحز بالنفس، أن يكون النسق الديني –المضمر- منطلقا لمناقشة السياسة لدى البعض من الكرد، الذين تبوأوا مواقع حزبية في بعض القوى الماركسية في مرحلة تاريخية ما، لكن يبدو بأنّ الارتداد والنكوص سمة حقيقية لأصحاب هذا الفكر الإسلاموي، الذي لا يريد أن يرى أبعد من أنفه، ويتمسك بأفكار وممارسات تعود إلى أكثر من 1400 سنة، ويحاكم الرأي والرأي الآخر على أساس مقصلة هذه النصوص ، التي كانت سببا فيما شهدته الثورة السورية من قطع للرؤوس وجرائم يندى لها الجبين، لا بل يحاول الابتعاد عن وضع النقاط على الحروف، وإيهام البعض بإبداء موقف جدي من بعض التصريحات او الاحداث التي تجري ، في  محاولة “للفت خارج الصحن”  بعيداً عن القراءة النقدية التي تستلزمها تصحيح مسار الحركة السياسية الكردية، بغية معرفة أين أصابت وأين أخطأت، وما السبيل إلى تصويب أوضاعها، وما هي مهماتها الراهنة؟ باعتبار ذلك من أبجديات العمل السياسي وضرورات العملية النضالية، لكن القراءة السطحية وعدم الغوص في التفاصيل، واستعمال لغة إنشائية فضفاضة بعيدة عن الواقع تبقي الباب موارباً، هو ما اعتاد عليه أصحاب هذا النهج، عبر سلوكهم الذي لم يكن يوما بعيدا عمّا دعا إليه البعض ..!  كان الأولى أن يكون الهاجس نقد التجربة، ورسم خارطة طريق لما ينبغي القيام به لا إبداء الألم والحسرة، وهو فعل يقوم به عادة العبيد والمستضعفين في الأرض، الذين لا يجدون طريقة للتعبير عمّا في قلوبهم إلّا إبداء الألم والحسرة، وهي طريقة لا تليق بسياسيين مخضرمين يزعمون أن لديهم قضية قومية وإرادة شعب يعملون من أجل حقوقه ولمن يمتلكون قواهم العقلية كاملة، كي يقفوا في وجهها بمثل هذا الخطاب المغناطيسي والمنوّم.
3-
النقطة الثانية، هل القومية رداء يتمّ خلعه أو لبسه متى أراد المرء أم أنها صيرورة تاريخية ونضالية عبر مجموعة من القيم والممارسات التي تؤكد تبنيها وحضورها لدى الآخر، يجب تلمسه؟  أم أن ما يقال هو استكمال للنقاشات البيزنطية، التي تبعدنا عن الهدف الرئيس، وتركّز في طريقتها واسلوبها على إدانة الآخر في محاولة لتبرئة الذات، وإظهار الذات الشخصية أو الحزبية – السياسية في مواجهة الآخرين حتى داخل الحزب الواحد..! هل ستنتظر كردستان الشاحبة إشراقتها بهذه اللغة في انتظار الزمن؟
4-
من الطبيعي أن تكون ردود فعل السياسيين الكرد تجاه المثقفين سلبية، وقد تصل إلى حد التشهير والتخوين أحيانا، فهذا تقليد كردي رسّخته التجربة (من ليس معي هو ضدّي) لأنهم ليسوا طرفا حزبيا في الصراع، باعتبارهم لا ينحازون إلّا إلى “الحقيقة ” وإلى قضايا الشعب والوطن، وفق رؤيتهم ومنظورهم للأحداث والعالم، وكل نص يحمل في طياته موقفا يمكن للقارئ أن يفهمه حسب مستوى وعيه ودرجة ثقافته؟ ولا يمكن أن يساوي المرء بين الضحية والجلاد، لأنّ مَسك العصا من المنتصف عمل شبه مستحيل في بحر متلاطم الأمواج، لا بدّ أن ينحاز المثقف لأنه إنسان يحس ويتأثر ويرى، وفي هذا الانحياز يكون الموقف .!
5-
ماذا حقق المتسلقون للقضية الكردية؟ وماذا قدموا من احتياجات الشعب الكردي الراهنة والمستقبلية، وسط ما يحيط بالكرد ويهددهم من كوارث؟ فعلى ضوء التجربة، نحن بحاجة إلى تغيير كثير من مفاهيمنا ونظرتنا لأنفسنا وللأخرين، سواء من كان يشاركنا الموقف في أحزابنا، أو حتى المختلفين معنا من خارجها.
إنّ إثارة نقاش جدّي ومسؤول في أوساط الكرد السوريين بات أمراً ضرورياً، وليس مقبولاً أخذه إلى أماكن لا نسعى إليها في نقاشاتنا، بعيداً عن إثبات الذات، أو تحقيق انتصارات وهميّة تافهة وغير مجدية !

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

أزاد خليل* في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، دخلت سوريا منعطفًا تاريخيًا بعد إسقاط نظام الأسد، إيذانًا ببدء مرحلة انتقالية تهدف إلى إعادة بناء الدولة على أسس جديدة، بعيدًا عن عقود من الاستبداد والحرب. هذه المرحلة تشكل نقطة تحول نحو تحقيق تطلعات السوريين للحرية والكرامة، بعد أربعة عشر عامًا من النضال والتضحيات. الفرص والتحديات أمام سوريا الجديدة مع إسقاط النظام، باتت…

يبدو أن هناك مرضاً متجذراً في المنظمات الكردية في روج آفاي كردستان، يتمثل في التبعية لمحاور كردستانية وإبراز المصالح الفردية على حساب الروح الجماعية والمؤسساتية. وللأسف، أصبح العمل عكس الشعارات والمواثيق والبرامج التي تعلنها هذه المنظمات ظاهرة واضحة، وكان آخرها ما يُسمى بـ”جبهة كردستان سوريا”. لقد كانت مطالبنا في هذه المرحلة واضحة وصريحة: توحيد الخطاب السياسي الكردي، والاتفاق على حقوق…

عصمت شاهين الدوسكي * هل الحرية أن تكون إنسانا أم شبيه إنسان ..؟ * هل ربحنا الحرية وخسرنا أنفسنا ..؟ * هل ربحنا الحرية وخسرنا أرض تنعم بالصحة والنعمة والأمان والسلام ..؟ * يا ترى من يقرأ ومن يسمع ومن يرى ومن يدون الحرية الإنسانية الحقيقية ..؟ تراكمت الحريات في العصر الحديث واغلب الناس يتمسك بها كملاذ لفكره وسلوكه وعمله…

إبراهيم اليوسف الثورة بين المفهوم والواقع لا يختلف اثنان على أن الثورة الحقيقية، في جوهرها، هي تعبير عن إرادة الشعوب الطامحة إلى التغيير الجذري في الأنظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تسلب حقوقها وحرياتها. إنها حركة تنبع من شعور عميق بالظلم والقهر، تهدف إلى تأسيس واقع أكثر عدلًا وإنصافًا. بهذا المعنى المثالي، كانت الثورة السورية في بداياتها-…