أحمــــــد قاســـم
سؤال مطروح على الملأ وبدون أية خلفية سياسية أو أجندات منفعية. منطلق السؤال يأتي من دون أدنى أي شك من منطلق ( كوردايتي ):
لما كانت وما زالت المعارضة السورية بإسلاميتها وعلمانيتها تتجاوز القضية الكوردية بطرق متعددة, وجلى ما تتعامل مع هذه القضية على أنها قضية مواطنة ويمكن حلها بعد إسقاط النظام عن طريق الحوار وعرض ذلك على الشعب السوري ليقرر ما يمكن أن تتعامل مع هذه القضية وكذلك عن طريق التصويت المباشر عليها إن احتاجت الأمر لذلك.
وفي كل الأحوال يبدو أن الأكثر إنفتاحاً على الكورد هم الديمقراطيون الذين يرون أن حضنهم أدفأ لإحتواء الكورد مع إعطائهم حقوق المواطنة على أنهم مواطنين سوريين يحق لهم ممارسة عاداتهم وتقاليدهم, وكذلك الحفاظ على تراثهم الثقافي مع ممارسة لغتهم قراءة وكتابة, ومن حقهم أن يدرسوا بلغتهم في مدارس خاصة, وكذلك حقهم في الترشح والإنتخاب لجميع الهيئات التنفيذية والتشريعية بما فيها القضاء.
الآن, أن المجلس الوطني الكوردي ممثل في الإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية بوثيقة تم التوافق عليها بين الطرفين. ولدى المجلس ما يمثله في الأمانة العامة والهيئة السياسية. وكان من الممكن أن يلعب دوره من يمثل المجلس الكوردي في أي حوار بين الإئتلاف والنظام, كون الكورد كان ممثلاً ضمن وفد الإئتلاف. إلا أن اليوم, كما ترون أن الإئتلاف أصبح ممثلاً ضمن وفد للتفاوض مع النظام بنسبة الربع, وأن ممثل الكورد ضمن ممثلي الإئتلاف يمثل إثنان أو واحد من أصل ثمانية.. وبالتالي يكون الكورد مغيباً نسبياً عن ما سيجري من مفاوضات ومنتجاتها, في الوقت الذي الإئتلاف بحد ذاته لا يستطيع أن يشكل النسبة التي يمكن أن يؤثر على أي قرار لو تم إتخاذه على قاعدة التصويت المباشر, وكلنا يعلم ما هي خلفية غالبية الهيئة العليا للتفاوض والتي تدعمها السعودية, والتي هي أيضاً لا تهمها مستقبل الكورد وقضيته القومية..
أنا لن ألوم ممثلي المجلس الوطني الكوردي إن تم تجاوزهم كون جميع القرارات تؤخذ بالأغلبية, وأن ما يخص الكورد ليس له خصوصية يجب التوافق عليه. فبإمكان الهيئة العليا للتفاوض أن تعتمد على ورقة قد لا تذكر فيها أي شيء عن القضية الكوردية سوى الإشارة إلى مكونات الشعب السوري وحقهم في المواطنة في ظل دولة ديمقراطية ( قد تكون ديمقراطية البعث مرة أخرى بطعم ولون آخر ) ” وهذه الإشارة تأتي فقط من أجل إرضاء المجتمع الدولي الذي يؤكد على حقوق المكونات “. عند ذلك سيكون ممثل المجلس شاهداً على المجريات وليس مقرراً.. وهنا لن أصل إلى قرار إنسحاب المجلس من الإئتلاف, فوجود المجلس بشكل أو بآخر ضمن الإئتلاف لن يضر بجوهر قضيتنا.. إلا أننا يجب أن نسلك وسائل أخرى لإملاء الفراغ لطالما أن الظروف متاحة لنا.
الآن, لقد اتخذت الهيئة العليا للمفاوضات قراراً ضمنياً للتفاوض مع النظام بدون شروط مسبقة بعد عملية سيطرة النظام على حلب, وإمساك روسيا بكافة جوانب الملف السوري مع إشراك تركيا, وكذلك بموافقة مسبقة من إيران والنظام لإبعاد أمريكا عن جوهر الأزمة. ولما كانت الهيئة العليا للمفاوضات قد قررت التفاوض مع النظام من أجل الإتفاق على الحل السلمي, والكورد بشكل فعلي وعملي غائب عن أي توافق بين النظام ووفد المعارضة, كون ممثل المجلس كما أسلفنا سيكون شاهداً ” ليس إلا “. وهي ( أي الهيئة العليا للمفاوضات ) لا تقبل إلى جانبها أي وفد مستقل أيما كان, وكذلك الزيادة في عدد ممثلي الكورد للتفاوض مسلحين بقرار يعطي لهم الخصوصية في رفض أو قبول أي قرار حول القضية الكوردية, فمن حق الكورد البحث عن سبل أخرى لطرح قضيته والتفاوض عليها مع أية جهة لها علاقة بمستقبل سوريا, وبالتالي, فإن طرح مشروع تشكيل مرجعية كوردية شاملة, ومن خلال تلك المرجعية تشكيل وفد للتفاوض مع الجهات ذات الصلة ( النظام وكذلك المعارضة معاً ), أعتقد أن ذلك لا يلغي المجلس الوطني الكوردي وأهمية وجوده ضمن إطار الإئتلاف, إنني أرى بعكس ذلك فسيكون دعماً لعمل المجلس ضمن إطار المعارضة, وبالتالي ستكون الورقة الكوردية حاضرة بقوة عند أي حوار أو إجراء مفاوضات بين النظام والمعارضة. وبالتالي, من صالح المجلس أن تكون له مرجعية أقوى ومسانداً قوياً لعمله الدبلوماسي لأن المرجعية الكوردية التي نحن بصددها سيكون المجلس ممثلاً فيها بقوة, وبالتالي لا يمكن تهميش ممثلي المجلس ضمن المعارضة عند أي عمل تفاوضي تحسباً لوحدة القرار الكوردي.
أعتقد أن تشكيل مرجعية سياسية كوردية باتت من أولويات العمل الكوردي للحركة الكوردية السورية. وأن من يعيق عمل تشكيل هذه المرجعية بالتأكيد القاطع أنه لا يخدم القضية ( إن لم نقل أنه يعمل ضد حقيقة فضيتنا القومية ), وكذلك وبوضوح أقول أن الجزء الأكبر من المسؤولية تقع على عاتق حزب الإتحاد الديمقراطي إنطلاقاً من ممارساته التي تضر الوفاق والتفاهم بين أطراف حركتنا الكوردية.. ” ولن أدخل في التفاصيل كون ذلك بات معروفاً لعامة الناس “.
يبقى الشيء الوحيد الذي يجب أن نتناوله, وهو: هل يمكن أن يتفاوض الكورد مع النظام الذي سبب لسوريا وشعبها كل المآسي وارتكب كل هذه الجرائم أم لا؟
أكيد أنه سؤال مشروع في وقت أن النظام سبب لسوريا وشعبها كل هذه المآسي, حتى الفظائع والجرائم التي إرتكبتها التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها ” داعش ” هي من مسؤولية النظام. إلا أن الواقع الحالي الذي لايمكن تجاوزه في وقت أن المجتمع الدولي برمته تخلى عن رحيل النظام ورأسه, ويرى أن النظام طرفاً يمكن الإعتماد عليه للتفاوض مع المعارضة من أجل الوصول إلى الحل السياسي والسلمي, والآن تتم كل الترتيبات من أجل الإستمرار في المفاوضات بعد فشل جنيف1+2+3 ليتم اللقاء في ( آستانة ) بإشراف روسيا وتركيا, وبعد ذلك في جنيف مرة أخرى على أرضية قرارات دولة ذات الصلة. كل ذلك كما أسلفنا سيتم ” بغياب الكورد ” حتى وإن كان حاضراً ممثل المجلس بالشكل الذي نراه.
فلما وافقت الهيئة العليا للمفاوضات التفاوض مع النظام من دون شروط مسبقة ( أي التخلي عن إسقاط النظام أو رأسه ), وهي ( أي الهيئة التفاوضية العليا ) ليست مخولة أن تمثل الكورد, وهي لن تمثله أصلاً, ولن تذكر في أوراقها ومذكراتها المقدمة إلى الجهات الدولية حتى ولو بإشارة إلى القضية الكوردية وهي أهم القضايا التي ناضل الشعب الكوردي من أجل معالجتها طوال ستة عقود مضت. ومع أن النظام لم يتجاوب يوماً مع نداءات الكورد المتتالية, بل بعكس ذلك, كان نصيب الكورد التهميش والتغييب والإقصاء عن أي تطور إجتماعي وإقتصادي وثقافي وسياسي, عدا عن الإعتقالات والتعذيب لخيرة كوادر حركته السياسية بتهم جاهزة, وكانت المعارضة السورية في وقتها لم تناصر يوماً هذه القضية المشروعة.
لذلك, واعتماداً على كل ما سبق, فعندما نرى بأن النظام يبدي جاهزيته للتفاوض مع الكورد بخصوص قضيته القومية, فلا يمكن أن يتراجع الكورد عن إجراء حوار أو مفاوضات مع النظام سعياً لتحقيق حريته إلى جانب المطالبة الحثيثة لإجراء تغيير ديمقراطي شامل لمفاصل النظام وهيكليته, كوننا نعلم وحسب تجاربنا مع الإستبداد, نؤكد على أن الحقوق لا يمكن الحفاظ عليها في ظل أية سلطة إستبدادية ودكتاتورية شوفينية. ولطالما أن المعارضة وافقت على المفاوضات معه. ولكن أي حوار أو أية جلسة مفاوضات لا يمكن أن يقوم بها طرف لوحده, فيجب أن يتوافق عليها الإجماع الكوردي, ومن يرفض أو يعييق هذا الإجماع سيتحمل مسؤوليتها التاريخية وسيكون مداناً من قبل جماهير الشعب الكوردي. وهناك قد يأتينا ويزاود علينا أحد ويقول: كيف ستتفاوضون مع النظام لوحدكم, والنظام ارتكب كل هذه الجرائم؟ أقول, إن المعارضة رفضتنا بوضوح, وقبلت بنا كتابعين وأقزام, وهي أسيرة للفكر الشوفيني والإسلام العروبي السياسي لا تختلف عن عروبية وشوفينية النظام, إلا اللهم هناك أصوات مبعثرة من الديمقراطيين هنا وهناك لا حول لهم ولا قوة, وهي ( أي المعارضة ) الآن جاهزة للتفاوض مع النظام الذي تتصفه, وهي جاهزة أن تشاركه في الحكم مستقبلاً, فلماذا حلال على المعارضة وحرام على أصحاب قضية يجهلونها منذ أكثر من ستة عقود؟
لذلك, من حق الكورد أن يتفاوض مع أية جهة لها شأن في مستقبل سوريا ( معارضة كانت أو النظام, أو أية جهة دولية بما فيها تركيا وإيران لطالما لهما تأثير على الأرض, وعلى رأس الجهات الدولية أمريكا وروسيا ) ولكن على شرط كما أسلفت يجب أن نحصل قبل ذلك على إجماع كوردي.. وهنا أختم كلمتي لأحدد المسؤوليات والتي تقع على عاتق حزب الإتحاد الديمقراطي أولاً, والمجلس الوطني الكوردي وعلى رأسه الحزب الديمقراطي الكوردستاني ـ سوريا والحزب اليكيتي الكوردي, ثانياً, وثالثاً الحزب الديمقراطي التقدمي الكوردي في سوريا.. وذلك مع عدم تبرئة الأحزاب الأخرى من المسؤولية.
——————
3/1/2017