ابراهيم محمود
ما الذي جعل الرقم ” 10 ” بمضاعفاته محظوظاً في الحسابات الاميركية، أكثر من غيره، ومنه الـ” عشرة ملايين دولار “، لتسهيل عملية القبض على أي مطلوب من الـ” عدالة ” الأميركية، في لحظة زمنية معينة، مع : أسامة بن لادن، والظواهري، والزرقاوي، وعزت ابراهيم الدوري، وأبو بكر البغدادي…؟ هل حقاً أن هذا الرقم مطروح خارج حسابات الخزانة المالية الأميركية، دون تعويض، وينتظر من يؤدّي المهمة، ويدفَع له المبلغ ” كاش “؟ أم تراها لعبة بنتاغونية، استخباراتية أميركية، لأن شيئاً من هذا لم يحصل؟ أيعني ذلك ضمناً، أن متلقّي خبر كهذا يضحك في عبّه، مدرِكاً أن هناك لعبة جديدة، من ألاعيب الإدارة الأميركية، لابتزاز مشاعر البسطاء، والإيحاء بأنها معنية بأمن العالم واستتبابه فيه ؟
في التاريخ القريب، كما هو البعيد، شغلت أميركا” العالم الجديد ؟” العالم المنتشر في قارات، والمتابع للسياسة الخارجية الأميركية، ومن باب المفارقات الكبرى، والسياسة هي فن اختلاق المفارقات، يلاحظ، كما ألاحظ أن الذين كانوا يشكّلون السكان الأصلانيين للقارة ” المهيبة ” حيث هنود المايا والأزتك قد لوحقوا بالجملة، إذ تمكنت طلائع الأوربيين، في نهاية القرن الخامس عشر، صحبة ما يُسمى بـ” مكتشف العالم الجديد كريستوف كولومبس ” ومن جاء من بعده “، من إبادة ملايين الهنود الحمر، لتحقيق شعار تكرر لاحقاً في أمكنة أخرى، ومن قبل قوى أخرى ” أرض بلا بشر، لبشر بلا أرض “، بطريق قتل أوربية الصنعة، وأمراض أوربية النشأة” راجع كتاب تودوروف: فتح أميركا ، مسألة الآخر “، وهو عنوان صادم بدلالته.
وفي العصر الحديث، والأحدث منه، يستحيل أكثر العالم إلى تلك القارة الهادئة أي في مقام من تعرضوا لإبادات جماعية، أي الهنود الحمر، حيث الأحمر نظير الدم المسفوك، حسب الطلب، وتبعاً للمهمات والتوقيت المناسب، وما يلزم لكل ذلك.
لم تدَّخر أميركا الدولة ” العظمى ” خلاصة أوربية مهجَّنة “، حتى اللحظة في أن تعيد صياغة العالم على طريقتها، في ألا يبقى هناك بشر مستقرون في بلادهم، أوطانهم، مجتمعانهم، لتتشكل أجناس، تجمعها رابطة العداوات الكبرى، كما هي أميركا، مع فارق أن هذه تعمل جاهدة لأن تسخن ملاعب الآخرين، أن تبقيهم وهم يلعبون بمصائر بعضهم بعضاً، كأفضل طريقة عصرية للنيل من كل من يسعى جاهداً إلى التأمل، أمام نافذة بيته، فيسدَّها تخوفاً من رصاصة مباغتة.
نعم، لا أحد ينكر أن هناك مستبدين في عالمنا، ليسوا بأوربيين، ولا بأميركان، أن هناك قتلة لم يترددوا في إعمال تصفيات جماعية في شعوبهم وأممهم وغيرهم، غير أن الذي ينبغي رصده، وفي ضوء انتشار الأسلحة الفتاكة، والنظريات الالتفافية ” الفتّاكة “، والنهب الفتّاك، والأفلام الفتاكة، والميديولوجيا الفتاكة….الخ، هو أن هذا التنامي في نماذج القتل بأحدث الطرق، وكيفية تعميق الكراهيات عن قرب وعن بعد، وربما التخطيط لقيامات عالية المدى لإزالة أوطان بالكامل بحدودها، ومدنها، وكائناتها، سعياً إلى ترسيخ فكرة ” القوة العظمى في العالم “.
نعم، أنا لست ضد أميركا، ولن أكون ضدها، ولكن على النقيض من هؤلاء الذين يسلسون لها القياد في عقر دارهم، وينتظرون بركتها، ومرحاها، ليدركوا أنهم دائرون سعداء في فلكها.
ولعلّي على صواب لم أشدد على نظيره هنا، وأنا أعدُّ نفسي المنجرحة والمنكوبة، وأنا على أرض رجراجة، للدخول في مضمار عام جديد بالاسم ” 2017 “، وأنا كلّي مخاوف أن أشهد المزيد من الميتات بالجملة، ميتات مبتكرة، تلفظها أعماق الأرض لرهبتها، وتكون هناك تكرارات أخرى لهذا الرقم ” عشرة ملايين دولار ” عاجلاً أو آجلاً، باسم من يكون مطلوباً من ” العدالة ” الأميركية ، والتي تناظر الأفلام الهيتشكوكية، إذ لست على استعداد أبداً، وخاصة في الآن الراهن، وبعد هذا الدمار القياماتي في المنطقة، أن أصدّق أن أميركا لا تعلم مخبأ كل من تعلن عن جائزة ” عشرة ملايين دولار ” لمن يدلها أو يسهّل لها عملية القبض عليه، ولديها أجهزة رصد فضائية، وأعين تدقق كل صغيرة وكبيرة على الأرض، تتابع دبيب كل ذي أربع، حتى لو كان نملة، فكيف بهؤلاء الذين يُرون بالعين المجردة هنا وهناك؟ وما في ذلك من مهزلة، لا أستطيع تسميتها بـ” مهزلة ” في مكان مكشوف، خوفاً من أن يكتَب فيّ تقرير بأنني تابع لأحد هؤلاء الذين رصدت باسمه جائزة، وأسلَّم بأيد من بني جلدتي إلى أولي أمر العدالة على الأرض .
ملاحظة: قبل سنتين ونيّف، كان هناك ندوة حول محاربة الإرهاب في العالم في جامعة ” دهوك “، وقد شاركت فيها بموضوع، وفي السياق، ألمحت إلى الدور الأميركي المزدوج في إدارة الأزمات في العالم، حيث استفسِرتُ عن ذلك، وطلب الدليل، فأوضحت وجهة نظري، وقلت في النهاية: أما عن قناعتي، فأرى أنه في ضوء المستجدات الرهيبة التي نعيشها، حتى إذا تعرَّض أي منّا لكابوس، فعليه بسؤال الولايات المتحدة الأمريكية عنه دون تردد !
دهوك، 1-1- 2017