ماجد ع محمد
بعيداً عن الخوض في تفاصيل الأمراض النفسية للإنسان المقهور الذي من الضعف والجبن قد يبحث عن أي كائن آخر يحسهُ أقل قوة منه، حتى يصب جام غضبه عليه بعد خضوعه طويلاً للإذلال والإهانة من آخرٍ لم يقدر إلا أن يكون مذلولاً أمامه، فيظهر أن ما أورده الشاعر الفلسطيني محمود درويش في ديوانه (أثر الفراشة) يعبر تماماً عن الحالة النفسية للإنسان الخنوع والمهان الذي لا يستقوي إلا على قريبه أو على من يحبونه ويحترمونه، وذلك بقوله: “أن نكون ودودين مع من يكرهوننا وقساة على من يحبوننا تلك هي دونية المتعالي وغطرسة الوضيع” ويبدو أن درويش من خلال قراءته لنفسيات مجتمعه عبّر شعرياً عن حالة قادة وعناصر من بعض الفصائل الفلسطينية، وما قاله درويش حقيقة ينسحب بحذافيره على الكثير من قادة حزب العمال الكردستاني، على ما يصرحون به بين الفينة والأخرى،
حيث كان آخرها ما صرح به النفر القيادي في الحزب المذكور المسمى عكيد كلاري مسؤول قوات حزبه في شنكال، حيث بكل جبن ووقاحة يقول بما معناه: “بأنهم لن ينسحبو من شنكال، وبأنهم لم يأتوا إلى شنكال من أجل أن يتلقوا الشكر من أهل شنكال، إنما أتوا الى شنكال من أجل ادارتها”، أي من أجل السيطرة عليها بعد فشلهم في تحرير قرية في كردستانهم الكبرى، وقوله “بأنهم على استعداد لأن يحول أربيل الى حلب ثانية وأنه سيشعل عموم كردستان العراق من قنديل الى شنكال”، فتمعنوا جداً بهذا الخطاب التافه والطائش واللامسؤول والقريب من عقلية المافيات والزعران وليس عقلية ناس يدّعون بأنهم حركة تحررية وحزب سياسي له تاريخ طويل وعريض، وما يؤكد قول درويش ويليق بهكذا قادة وحزب هو تهديدهم الوقح للكرد في أربيل بينما يخرجون للتو من حلب مطرودين مذلولين بإشارة واحدة من طاغية قاسيون، مع أنهم قدموا فيها المئات من القرابين كرمى أحذية الأسد وإرضاءً للشياطين الماكثة في لِحى حاخامات طهران، الذين يتحكمون بقنديل على ما يبدو كما يتحكم السيد بجاريته، إذ قد أكدت مصادر مطلعة من حي الشيخ مقصود بحلب معقل الوحدات التابعة أيديولوجياً للعمال لكردستاني، بأن الدفعة الأولى من وحدات الحماية الشعبية خرجت يوم الاثنين من الحي المذكور واتجهت إلى مدينة عفرين، في إطار التحضير لتسليم مواقعها لقوات النظام ومليشياته، ففي حي الشيخ مقصود الذي تسببوا فيه بقتل أناسٍ من المدنيين في حربهم بالوكالة مع المتطرفين الاسلاميين، حيث ظلوا فيها منذ 2011 كأدوات تستخدمهم أرجاس الاستخبارات الإيرانية والسورية، إلى أن تم انسحاب كل المتطرفين من حلب عقب اتفاق روسي تركي، واليوم تجر الوحدات أذيال الخيبة وراءها بعد أن جاءهم القرار ممن كانوا يستخدمونهم في معارك حلب، واذعنوا للأوامر الصادرة عن مسؤول عسكري في جيش نظام الأسد أي العميد هيثم حسون الذي قال بخصوصهم: “بأن مهمة وحدات حماية الشعب قد انتهت في شمال سوريا وأنه قد حان الوقت لإسترداد الأراضي التي كان النظام قد تركها مؤقتا لتلك للوحدات، والقائل بأن النظام ترك بعض أراضيه لهذه القوات على سبيل الأمانة والآن حان الوقت حسب قوله لكي يسترد أمانتها”.
إذاً تلك الوحدات التي دافعت عن الحي وتسببت بمقتل المئات من المدنيين وتدمير آلاف البيوت فوق ساكنيها تنسحب مهانة مخفوضة الرؤوس مذلولة من الشيخ مقصود لمجرد أن طالبهم نظام الأسد بذلك، بل ولم يتجرأ ذلك القائد الرعديد وغيره في حزب العمال الكردستاني ليقولوا لا لأسيادهم في (قم)، بل ويطيب لذلك المتغطرس بأن يرى أتباعه يضعون ذيلوهم بين أرجلهم مهرولين خاسئين أمام صولجان كلاب الأسد، ولكنه بدلاً من إبداء موقف مشرف حيال مالحق بهم من الخزي والعار هناك راح ينتفخ كالطاووس الجبان ويهدد بتخريب أربيل، إنها فعلاً الوضاعة التي تحدث عنها محمود درويش، فالرجل ينهزم خنوعاً من حلب وبدلاً من أن يطمر ذاته المتورمة في مغارة من مغاور قنديل، راح يتصرف كبلطجية الأحياء الشعبية، الذين بدلاً من أن يثبتوا رجولتهم وشهامتهم أمام المعتدي أو أمام عناصر أمن النظام يصبون جام حقدهم وكراهيتهم على من يحترمونهم ويعاملونهم بكل احترام في الحارة!.
وفيما يتعلق بتهديد ذلك النفر القيادي وتذكيره حكومة الاقليم بحلب، فماذا يفهم من كلام هذا النفر غير أنه ذو عقل تخريبي إجرامي عدواني، لا أخلاق قومية عنده، ولا قيم سياسية لديه ولدى كل من يواليه، وإلا فكيف له أن يقارن بين حلب وأربيل، وهو ما يعني بأنه يرى في حلب إنجاز لحلفائه المجرمين ونموذج يحتذى به، بل ويفهم منه أيضاً بأنه مؤيد تماماً للقتل والدمار الذي حل بأهالي ومباني أحياء تلك المدينة التي قصفها الطاغية بشار مع الميليشيات الطائفية، كما قد يفهم من هذا الأخرق بأن له يد في كل التخريب الذي قامت به الميليشيات الطائفية المجرمة مع قوات الفرعون بشار بحق المدنيين في حلب، بغض النظر عن موقفنا من الكتائب الاسلامية الذين أعطوا الأسد الذريعة لأن يدمر تلك المدينة فوق ساكنيها.
عموماً فمن خلال المطبات المتواصلة لهذا الحزب الذي بالكاد يخرج من حفرة حتى يسقط بهاوية أكبر منها وأعظم، فيبدو بأنه لم يستفد من كل الانتكاسات والوقعات الطويلة له، ولا حتى استفاد من التجربة الفاشلة لثوار سوريا الذين أقحموا المدنيين في حربهم مع النظام حين دسوا في المدن السورية بين الأهالي، وراح بسببهم يمطر الأسد المدن مع ناسها يومياً بالقذائف والبراميل المتفجرة، وسبق أن قلت عن الثوار بحلب وغيرها من الذين اقحموا المدنيين في صراعهم مع النظام بأن “الثائر الحقيقي هو من يُقاتل بعيداً عن المدنيين وليس بين ظهرانيهم” وهذا الكلام عينه يُقال لحزب العمال الكردستاني، بكونه لم يستفد من تجربة الثوار في سوريا قط وذلك عندما عمل مثلهم تماماً، قلدهم، ودخل نصيبين وسلوبي وآمد وجزيرة بوطان، فقام الجيش التركي على اثره بدك تلك المدن بالمدافع والراجمات، كما فعل الاسد مع المدن السورية بالضبط، إذ مع أن هذا الحزب طوال السنوات الماضية بقي يحظى بجماهيرية لا بأس بها عندما كان يحصر اشتباكاته مع الجيش وعملياته على المواقع العسكرية، إلا أن دولة الملالي الإسلامية التي حرّضت الأسد لقتل شعبه، هي نفسها مَن حرضت حزب العمال الكردستاني لينزل بحربه الى المدن الكردية ليتم تدميرها، ويتدخل في شؤون اقليم كردستان لإفشال مشروع الاستقال، طالما أن الأنظمة الاقليمية المحيطة بالاقليم لم تستطع النيل من الاقليم عبر الدواعش، وعلى هذه الحالة فلا شك بأن هذا الحزب الشعاراتي بخضوعه المستمر لأرجاس أفرع الأمن في طهران ودمشق سيفقد ما تبقى له من ماء وجهه بين عامة الشعب الكردي، وربما مع استمرار سياسته الخرقاء وأمام هذه الحالة المزرية التي وصل إليها قد يتخلى عنه حتى المتعاطفون معه، فيخسر مع الزمن من تبقى من المخدوعين بشعاراته الفضفاضه، وفلسفته الهلامية، وحروبة الدونكيشوتية هنا وهناك.