نور الدين ظاظا والذاكرة الكوردية المنسية

محي الدين عيسو

بحلول يوم 14 حزيران على الشعب الكوردي في سوريا تصادف الذكرى الخمسون لبزوغ أول تنظيم سياسي كوردي في سوريا، في أجواء كانت تتسم بالديمقراطية بعد التخلص من حكم الديكتاتور أديب الشيشكلي وعودة الأحزاب السياسية إلى النشاط العلني وصدور عشرات الجرائد الحزبية والمستقلة، فتم وضع اللبنة الأولى لتشكيل أول تنظيم ثقافي كوردي باسم “جمعية أحياء الثقافة الكردية”

في بداية عام 1955 ثم تشكيل حزب سياسي كوردي في عام 1956 على يد كل من نور الدين ظاظا وعثمان صبري وعبد الحميد درويش وحمزة نويران تحت أسم حزب الأكراد الديمقراطيين السوريين.
وقد كان الاجتماع الأول بين كوادر الحزب في 14 حزيران عام 1957 بحلب بعد تغيير أسم الحزب إلى ” الحزب الديمقراطي الكوردي في سوريا ” وكانت اللجنة المركزية مؤلفة من السادة نور الدين ظاظا – عثمان صبري – عبد الحميد دروش – حمزة نويران – رشيد حمو – محمد علي خوجة – محمد عيسى – خليل محمد شوكت حنان وقد قررت اللجنة المركزية تعيين الدكتور نور الدين ظاظا رئيسا للحزب والسيد رشيد حمو سكرتيرا حيث يعرف نور الدين ظاظا الذي ولد في عام 1919 في مادن  بديار بكر بأنه سكرتير أول تنظيم سياسي كوردي في سوريا.
   وقد ترعرع ظاظا في ظل أسرة تحب وتشجع العلم والمعرفة قبل مجيئه إلى سوريا من تركيا بصحبة أخيه الدكتور نافذ إبان الظلم الذي وقع عليهم من قبل الحكومة التركية.

حيث ترأس ظاظا جمعية هيفي قبل تأسيس الحزب كما ترأس أخوه الدكتور نافذ جمعية خويبون واللتان كانتا النواة الأولى في زرع الفكر الوطني والقومي بين صفوف الأكراد في سوريا.

قامت السلطات السورية في ذاك الوقت باعتقال الكوادر القيادة في الحزب ومن بينهم الدكتور نور الدين ظاظا الذي تميز بحنكة سياسية وخطاب موضوعي وقدم مذكرة إلى القاضي عام 1960 قال فيها: ” سيدي : بالرغم من أن حوادث التفرقة والتمييز العنصري تجري وتطبق في مجالات عديدة وبطرق شتى فأريد أن اكشف لسيادتكم قبل عرض الوقائع عن السبب الرئيسي الذي يؤدي إلى تلك الوقائع والحوادث المؤسفة، وذلك السبب هو: انه في الإقليم الشمالي من الجمهورية العربية المتحدة، واقع ملموس وموضوعي هو حقيقة وجود الشعب الكردي الذي كان ولا يزال يعيش على أرضه ، ضمن نطاق جمهوريته العربية المتحدة جنباً إلى جنب مع إخوانه العرب، وهو شعب له لغته وعاداته وتقاليده الخاصة به وهو غيور على هذه العادات والتقاليد ، وحافظ على مقوماته من غناء و شعر و موسيقى وهي لا تقل روعة و غنىً عن أية لغة من اللغات المجاورة وقد ظل متمسكا ومحتفظاً بنسماتها على مر التاريخ وتوالي العصور فأعتنق الكورد الإسلام ، منذ الأيام الأولى ولم تضع اللغة الكردية أو العادات والتقاليد الكردية لدى الشعب الكردي.


    والآن نحن في هذا التاريخ من حياة البشرية التي تسعى حثيثة من أجل نعاون وتفاهم الشعوب ، لتحقيق تقدم ورخاء أفضل للإنسان وتوطيد السلام و الارتقاء بالشعور و الكرامة و الإنسانية إلى مستواها اللائق .

وكما أن اللغة الكردية و العادات والتقاليد الكوردية لدى الشعب الكردي وتمسكه بها لم يكن في يوم من الأيام مصدرا من مصادر التفرقة والخلاف بين الشعبين العربي والكردي وان جميع المؤتمرات والهيئات الاجتماعية والدولية والشعبية جعلت من الخصائص والمقومات الشعبية حقوقا مشروعة وضرورية لكل شعب .

فمن واجب الدول والشعوب المتقدمة تأيدها والمحافظة عليها بل وتطويرها وتنميتها لدى الشعوب المتخلفة وعلى رأس هذه الجمعيات والمؤتمرات(الجمعية العامة للأمم المتحدة) التي جعلت في ميثاقها لحقوق الإنسان مسألة قتل ثقافة شعب جرما يعاقب عليه “
وقد أولى الدكتور نور الدين ظاظا اهتماما كبيرا بمسألة تطوير اللغة الكردية ومحاولة تعليمها للأجيال التي تليه فقد جاء في إحدى نداءاته إلى أخوته الكورد :
أيها الأكراد : “إذا كنتم لا تريدون التشتت والضياع فعليكم تعلم لغتكم وتعليمها، وإذا أردتم أن تعرفوا أنفسكم وتحبوا فسيروا باتجاه توطيد الصداقة والأخوة مع الشعوب الأخرى وعيشوا بعز وكرامة وتعلموا لغتكم وعلموها أبداً “
    كان الدكتور ظاظا يتحلى بشعبية واسعة في الوسط الكوردي، بدليل أنه عندما قام بترشيح نفسه إلى الانتخابات البرلمانية عام 1961 حصل على غالبية الأصوات، إلا أن السلطات السورية زورت نتائج الانتخابات وجردت ظاظا من الحقوق المدنية ومنعته من النشاط السياسي ، كما أن ظاظا تعرض إلى حملة شرسة من قبل رفاقه داخل الحزب في فترة دخوله السجن وحتى عند خروجه وإلصاق صفة الخيانة به، بسبب الخلاف داخل السجن بينه وبين أعضاء آخرين أثناء المحاكمة التي جرت للمعتقلين أمام محكمة أمن الدولة العليا بدمشق، حيث أن المناضل عثمان صبري كان يصر على أن يقف المعتقلين أمام المحكمة ويدافعوا عن أهداف الحزب ومبادئه وعدم التنازل عن كون الحزب حزبا سياسيا بحتا، بينما نور الدين ظاظا وجد بأن التعامل مع هكذا مواقف يجب أن تكون بليونة ودبلوماسية أكثر تجنبا للأحكام القاسية والحزب في بدايته والاعتراف أمام المحكمة بأن هذا ليس حزبا سياسيا إنما مجرد جمعية ثقافية تهتم بالثقافة الكوردية.
      و يشير الأستاذ عبد الحميد درويش أحد مؤسسي الحركة الكوردية ورئيس حزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا حاليا في كتابه أضواء على الحركة الكورية بالقول بأن اللجنة المركزية اتخذت موقفا متشددا تجاه الدكتور نور الدين ظاظا وصدر قرار بطرده من الحزب ومن ثم تشهيره بين الجماهير ، وهكذا كانت خطوة البداية السيئة في دفع الحزب نحو هاوية الخلافات العقيمة في وقت لم نكن قط بحاجة إلى هذا القدر من الحماسة لتحطيم شخصية وطنية كان يمكن أن يقدم الكثير للحزب وللحركة الوطنية الكوردي ، وكان هذا الإجراء أحد الأسباب التي أضطر معها الدكتور نور الدين ظاظا لأن يترك سوريا ويقيم في لبنان لبعض الوقت والذهاب إلى سويسرا التي أقام بها حتى وافته المنية في السابع من تشرين الأول لعام 1988.

    نور الدين ظاظا الذي بقي في ذاكرة المواطن الكوردي رجلا عقلانياً يتخذ من العلم والمعرفة سلاحا له، أراد أن يحافظ على زملائه من الشعارات القومية التعصبية والتي لا تتلاءم مع الطبيعة الكوردية في سوريا من حيث الظروف الموضوعية والذاتية، هدفه حماية زملائه داخل السجن من الأحكام القاسية والذين كانوا في بداية تأسيس الحزب ، وكان يعي تماما بأن أي ضربة موجعة للحزب ستؤول إلى الفشل والانحلال ، لهذا أراد التضحية بنفسه وبسمعته وابتعد أو بعد عن الحزب إلى غير رجعة،  لتبدأ معها الذاكرة الكوردية المنسية لهذا الرجل حتى قبل عامين، حين تم إنشاء  منتدى باسمه وتكريم عدة شخصيات في عام 2006 من بينهم المهندس كبرئيل موشي كورية عضو المكتب السياسي في المنظمة الآثورية الديمقراطية ، عضو مكتب التنظيم و النشاطات في إعلان دمشق ، و الصحافيان المعارضان السوريان ميشيل كيلو، و أنور البني، وسكرتير حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا إسماعيل عمر، والشاعر الكردي يوسف برازي ( بي بهار ).

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…