أحلام نوري المنكسرة .. أو حكاية ديك مهزوم ودجاجاته اليتيمات

د. ولات .ح. محمد
ما قصة نوري الماليّ (نسبة إلى الفساد المالي واتهامه بإضاعة المليارات خلال سنوات حكمه)؟. لماذا يرفض أبناء الجنوب استقباله، أو يستقبلونه بالأحذية وبهتافات تطالب بمغادرته منطقتهم فوراً ويحاصرون مقر إقامته ويقتحمون القاعة التي يلقي فيها محاضرته؟. حصل ذلك في الأيام الماضية في كل من العمارة والناصرية التي استقبله أبناؤها بالأحذية والحجارة لدى زيارته لمدينتهم، كما حدث بعدها في البصرة التي هتف أهلها بعبارة: ملعووون .. ملعووون .. ملعون نوري المالكيييي ” وعبارة ” حاكموه، كذاب.. منافق.. دجال.. طائفي..” ؟. ولماذا يستقبله بعض الأطراف الكوردية بالورود والابتسامات والصور التذكارية ويسمونه “الشريك” ويصوتون لصالح كل قرار يريد تمريره في البرلمان العراقي حتى لو كان ضد الكورد وقضيتهم وحقوقهم؟.
الواقع أن هذا الأمر مفهوم إذا علمنا أن المعلم الأكبر واحد. فنوري بات في العراق ديك طهران الذي عليه أن يحيط نفسه بأكبر عدد ممكن من الدجاجات لأنه يحتاج إلى بيضها في إعداد طبخته التي كلفه بها معلمه (معلمهم) الملّا في طهران. لقد اكتشف العراقيون أن نوري الماليّ لم ولا يعمل من أجل بلدهم، بل ينفذ أجندة المعلم الأكبر، وأنه يعمل كل ما من شأنه إفشال حكومة العبادي وحكومة الإقليم وإعادته إلى موقع رئاسة الحكومة من جديد. ويبدو أن سنوات حكمه العجاف ومواقفه من مصالح الإقليم خلالها لم تكن كافية لإقناع بعض الكورد بأن هذا المخلوق لم ولن يريد خيراً لهم ولقضيتهم، فبدلاً من الابتعاد عنه زادوا قرباً منه والتصاقاً به وسعادة بزياراته وتنفيذاً لمخططاته وأوامره ورغباته.
      خلال مدة حكمه التي زادت على ثماني سنوات (2005 – 2014) عمل نوري الماليّ بسبب جهله وتخلفه وطائفيته على كل ما من شأنه ضياع العراق حتى وضَعَه في قائمة أكثر الدول فساداً في العالم، وبرز الانقسام الطائفي لأول مرة بتلك الصورة العميقة بين العراقيين. وبدلاً من بناء جيش وطني حقيقي قام ببناء جيش على أساس من الولاءات والانتماءات الطائفية والعائلية، ودفع العرب السنة الذين لم يكونوا يقبلون إلا بوحدة العراق إلى المطالبة بإقليم سني. وفي أواخر فترة ولايته الفاسدة عام 2014 توج فشله الذريع وألاعيبه بتسليمه ثلث أراضي العراق لداعش خلال ساعات (كان هذا الهتاف الرئيس الذي ردده طاردوه من العمارة والبصرة خلال الأيام الماضية). وقد أراد بخطوته الأخيرة تحقيق أمرين: الأول وضع منطقة العرب السنة بحوزة داعش، ثم إدخالهم في صراع مع تنظيم (سني) أيضاً لتكون النتيجة منطقة غير مستقرة تعيش اقتتالاُ بين أبنائها ما يجعلها بحاجة إلى رعايته وسلطته ويمنعها من التفكير في إنشاء إقليم سني فيديرالي كان الموصليون والأنباريون بدؤوا يطالبون به، وكذلك لإظهار العرب السنة (من خلال داعش) بأنهم مجموعة من الإرهابيين تجب محاربتهم لا دعمهم أو الاستماع لمطالبهم. الأمر الثاني وضع تنظيم إرهابي على تخوم إقليم كوردستان الذي كان قد بدأ الحديث عن الاستفتاء على استقلاله بعد أزمات اختلقها نوري لإرباك الإقليم وحكومته (منها قطع ميزانيته المالية وتجهيز لواء عسكري لاقتحام كركوك). وهذا ما يفسر مسارعة التنظيم إلى مهاجمة الإقليم (سنجار وكركوك وأربيل) فور سيطرته على الموصل بدلاً من التوجه إلى مناطق أخرى من العراق. فما فشل نوري المالي في تحقيقه خلال سنوات حكمه (مهاجمة الإقليم وإفشاله) أوكَلَهُ إلى تنظيم داعش. ولهذا قام جيشه (المؤلف من فرقتين بكامل عتادهما) بتسليم  الموصل بكل ما فيها من أموال وأسلحة خلال ساعات إلى ثلاثمائة عنصر من التنظيم.
   هكذا ولهذه الأسباب باع نوري الموصل، ثم جنّ جنونه عندما تحددَ موعد معركة تحريرها لأن مخططه فشل تماماً، فراح يدبر مكائده ضد الحكومة الاتحادية لإفشال تلك العملية. أما ما أفقده أعصابه فهو قيام البارزاني رئيس الإقليم بزيارة بغداد والاتفاق مع رئيس الحكومة الاتحادية على كل ما يتعلق بتلك المعركة، والإعلان عن إمكانية التباحث حول موضوع استقلال كوردستان بين أربيل وبغداد بعد انتهاء معركة الموصل. وأخيراً أصيب بالإحباط والفشل الذريع والإهانة عندما رأى الجيش العراقي يتقدم بقيادة العبادي، وعندما رأى قوات البيشمركة (التي كان سعى في ولايته الفاسدة لمحاربتها) وهي تحقق في معركة الموصل انتصارات أبهرت العالم وتطبق المادة 140 من الدستور العراقي التي رفض نوري تطبيقها في إطار عراقي وطني خلال سنوات حكمه الفاسد. 
   كل هذا جعله يشعر بإهانة كبرى وطعنٍ في نزاهته ووطنيته؛ فالموصل التي باعها قبل عامين يحررها اليوم الجيش العراقي غير الطائفي بقيادة حيدر العبادي، والكورد والبيشمركة الذين أراد نوري لداعش هزيمتهم وارتكاب مجازر بحقهم وإنهاءهم يعيدون اليوم الموصل لأبنائها بكل ألوانهم، ومسعود البارزاني الذي أراد نوري إفشاله وإنهاءه بالتعاون مع “شركائه” من الكورد بات اليوم في عيون العراقيين والعالم الحر بأجمعه رمزاً للحكمة والعقلانية والحرية والتضحية من خلال قيادته للمعركة ووجوده وأفراد عائلته في جبهات القتال ضد الإرهاب الذي جلبه سيد العراق نفسه يوماً ما.
   هل كان بإمكان ما لدى نوري من غيرة وحقد تحمّل كل هذا الصفع ؟؟ بالتأكيد لا. لذلك أصابه السعار، وصار يتصرف كرئيس عصابة غاضب على هزيمة داعش وليس كرئيس وزراء سابق ونائب رئيس جمهورية حالي يفرح بل ويعمل لتحرير أبناء شعبه. ولذلك، وفي أثناء التحضير لعملية تحرير الموصل، كان نوري منشغلاً بشن حملة على الإقليم ورئيسه بكلام ينم عن جهل وتخلف وحقد دفين كان ينتظر فرصة ليُخرج صاحبه قيحه المزمن الذي لن يشعر بألمه وبرائحته النتنة سوى الماليّ الفاسد نفسه. فقد اتهم البارزاني بفتح أراضي الإقليم أمام إسرائيل، وبعد أيام سيدلي أحد معلمي التلميذ بتصريح مشابه يشي بأن ما يفعلونه (المعلم والتلاميذ) هو عمل ممنهج ومدروس غايته إضعاف حكومة الإقليم وإبقاؤها تحت الضغط وفي موقع الدفاع عن النفس لأنه لا يسير في ركب أجنداتهم؛ فقد صرح المستشار العسكري لقائد (الثورة) الإيرانية يحيى رحيم صفوي بأن  “رئيس إقليم كوردستان مسعود البارزاني يسمح للقنصلية السعودية بتسليح أعداء الثورة … ” و أن “حزب الطالباني (الاتحاد الوطني الكوردستاني) تربطه أواصر جيدة مع إيران إلا أن حزب البارزاني (الحزب الديمقراطي الكوردستاني) ليس كذلك. ونحن قلقون حيال إيجاد هوة بين منطقة كوردستان مع الحكومة المركزية في العراق بسبب إبرامها اتفاقات مع الصهاينة”. فالمعلم والديك لهما غاية واحدة هي إبقاء الإقليم تحت الضغط والتهديد بالتعاون مع حلفاء لهم ينخرون الشجرة من الداخل. 
   اللافت في تصريح صفوي أنه يخشى على وجود هوة بين الإقليم وبغداد في الوقت الذي يعلم هو وديكه ومن حوله من دجاجات أن علاقة الإقليم ببغداد نسبياً في أفضل حالاتها هذه الأيام بعد زيارة البارزاني لبغداد، ثم بدء معركة الموصل بتنسيق كامل بين البيشمركة والجيش العراقي ثم زيارة العبادي لأربيل. ويبدو أن هذا ما يزعجهم ولذلك يعملون على تعكير هذا الصفو في تلك العلاقة والتشويش على التنسيق الحاصل حول معركة الموصل، مرة بالتهجم على البارزاني وأخرى على العبادي. وفي هذا الإطار جاء قبل أيام اتهام الماليّ للعبادي بالجهل وعدم القدرة على إدارة معركة الموصل، ورأى أن على العراقيين البحث عن بديل له فور انتهاء معركة الموصل. وربما كان العبادي يشير إليه عندما قال إن ” من باع الوطن لا مكان له “.  
   من طبيعة الأشياء أن في مثل الظروف التي يمر بها العراق اليوم أن يتكاتف جميع أبنائه لأنهم أمام معركة مصيرية مع الإرهاب. ومن أجل ذلك مثلاً وضعت كل من حكومة إقليم كوردستان وحكومة بغداد الاتحادية خلافاتهما جانباً واتفقتا على وضع استراتيجية مشتركة لدحر الإرهاب من كل مدن العراق. ومن أجل ذلك أيضاً وعلى المستوى الشعبي ثمة موقف واحد من طرف كل مكونات العراق إزاء هذه القضية الوطنية. أما نوري الماليّ فبسبب طائفيته وعنصريته وتبعيته لغير العراق يغني وحده خارج هذا السرب العراقي في هذه المعركة، فهو من جهة يحاول إفشال حكومة حيدر العبادي من خلال سحب الثقة من وزراء حكومته واحداً تلو الآخر مستغلاً أغلبيته النيابية في البرلمان، ومن جهة ثانية يقوم بشن حملة دعائية على الإقليم ورئيسه مسعود البارزاني من خلال آلته الإعلامية وبعض المعجبين به من الكورد، إذ لم يجد الديك نوري أنسب من هذه الظروف ليكون الصائد العكر في المياه العكرة، مدعوماً بمن حوله من دجاجات الكورد الذين يسمون مجموعته “شركاءهم”، هؤلاء الذين يتحركون بعصا الملّا وجَزَره وخدمة لأهدافه التي تلتقي مع نوازعهم الشخصية والحزبية حتى لو كان ثمن ذلك كل كوردستان وكل العراق. وفي هذا السياق يمكن قراءة الزيارات المتبادلة بينهم وبين معلميهم، والتصويت على إقالة زيباري في البرلمان العراقي، وطرْح موضوع تسليم نفط الإقليم (أو كركوك والسليمانية) لبغداد مقابل رواتب الموظفين، وإهانة البيشمركة وزوجات الشهداء من قبل نائبة تنتمي لهذه الجوقة من الدجاجات المحيطة بالسيد الديك المهزوم.
   ربما ضاعت أحلام الديك نوري في العودة لحكم العراق وإقامة حكم ديكتاتوري يكون فيه عصا أسياده التي تهوي على رأس كل من لا يسير في ركبهم. وربما كان طرده من قبل أهالي العمارة والناصرية والبصرة، ثم رمي مجسَّم له بالأحذية العلامةَ الأبرز على هذا التحول. ويبقى السؤال الأهم كوردياً: هل سيقوم الجمهور الكوردي في قادم الأيام بما فعله أبناء الناصرية والعمارة والبصرة؟، وهل ستخشى دجاجات نوري من الكورد على يتمها قريباً؟ وهل ستدرك أن زمنه قد ولّى وأنه لن يستطيع بعد اليوم سوى ممارسة الشغب وتعكير الأجواء وأن ما وعدها به من امتيازات خلبية ليست سوى إبر مخدرة بغية تمرير ما يجعله زعيماً، وأن مكانها المناسب مع الديك الكوردي الصيّاح الذي طَرِبَ لصوته كلُّ العالم ما عدا تلك الدجاجات ؟؟!!!. 
المقال منشور في صحيفة (كوردستان) العدد (550) بتاريخ 15/12/2016

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…